مع دخول الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية والمزيد من الحريات فى سوريا شهرها الثالث، لايزال النظام السورى يتحدى العقوبات التى فرضتها أوروبا والولايات المتحدة على عدد من رموزه، وعلى رأسهم الرئيس السورى بشار الأسد، بينما اعتبر محللون العقوبات الغربية «رمزية ومتواضعة» وتبدو بمثابة «ذر للرماد فى العيون» أكثر من كونها وسيلة حقيقية للردع. وأصبحت كندا الثلاثاء أحدث المنضمين لركب الدول التى تمارس ضغوطاً على سوريا بهدف إنهاء حملة القمع التى تستهدف المتظاهرين المسالمين، حيث أعلنت الحكومة الكندية أنها بصدد فرض عقوبات «فورية» على دمشق، تشمل منع أفراد من نظام الأسد من الحصول على تأشيرات سفر، فضلاً عن تجميد أرصدة الأشخاص المرتبطين بأجهزة الأمن. وفى المقابل، استمر النظام السورى فى تحدى الضغوط والعقوبات التى فرضت عليه، رافضاً أى «تدخل» فى شؤونه، ومواصلاً محاولاته لإسكات أصوات المعارضة. وبينما لا تزال قوات الأمن والجيش تحاصر العديد من معاقل الاحتجاج، وفى الوقت الذى تخطى فيه عدد قتلى الاحتجاجات حاجز الألف قتيل، أكد الأسد الثلاثاء عزمه على «الاستمرار فى محاربة القوى المتطرفة والأصولية». وكان الاتحاد الأوروبى قد وسع الإثنين الماضى دائرة العقوبات التى تستهدف النظام السورى لتشمل الأسد و9 شخصيات أخرى رئيسية فى النظام، وقضت بتجميد أرصدتهم وحرمانهم من الحصول على تأشيرة دخول. وبدورها، جمدت سويسرا أى أرصدة محتملة للرئيس السورى لديها، كما فرضت واشنطن عقوبات الأسبوع الماضى على الأسد. وعلى الرغم من الضغوط الدولية المتزايدة على سوريا، يرى محللون أن العقوبات الأوروبية، ومن قبلها الأمريكية، ليست سوى «إجراءات رمزية» ذات تأثير محدود. فمن ناحيته، يقول جوشوا لانديس، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط فى جامعة أوكلاهوما: «الأوروبيون فى وضع صعب، فمبادئهم فى الديمقراطية والحرية تفرض عليهم أن يرفعوا الصوت بوجه هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان (فى سوريا)، لكن الواقعية السياسية تملى عليهم أن يتركوا باب الخروج مفتوحاً أمام الأسد»، فيما يقول فابريس بالانش، الباحث فى شؤون الشرق الأوسط فى جامعة «ليون» إن «الاتحاد الأوروبى يريد أن يعبر عن استيائه، لكنه لا يمتلك إمكانيات حقيقية لفرض عقوبات»، ويؤكد دبلوماسى غربى الفكرة ذاتها، موضحاً أن النظام السورى «يقيم علاقات محدودة مع العالم الخارجى، بحيث يصعب التأثير عليه من خلال عقوبات كهذه». ويرى أسامة قاضى، رئيس المركز السورى للدراسات السياسية والاستراتيجية فى واشنطن، فى حوار أجراه مع موقع «دويتشه فيله» الإلكترونى الألمانى أن العقوبات الأمريكية «نوع من الضغط السياسى والإعلامى أكثر من كونها ضغطا مادياً»، موضحا أن «تجميد الأموال وحجز السفر لا يؤتيان أكلهما، فالنظام السورى ليس له علاقات طيبة مع واشنطن منذ زمن بعيد، وحتى التعامل الاقتصادى السورى الأمريكى لا يتجاوز نصف المليار دولار، كما أن معظم أرصدة رؤوس النظام السورى موجودة فى دول خليجية». ويعتبر ميشائل لودرز، الخبير الألمانى فى شؤون الشرق الأوسط، أن المشكلة تتعلق بعدم وجود إرادة حقيقية لممارسة الضغوط على نظام دمشق»، ويصف هذه العقوبات بأنها «مجرد ذر للرماد فى العيون، فعلى الرغم من الانتقادات التى يوجهها الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة لسوريا، فإنهم لا يريدون رحيل نظام الأسد، خوفا من المستقبل والبديل المقبل». ويقول الكاتب الصحفى أرون ديفيد ميلر فى مقال له بمجلة «فورين بوليسى» إن إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما «قلقة من تدهور الأوضاع إلى ما هو أسوأ فى حال سقط الأسد»، راصداً 3 سيناريوهات محتملة وصفها ب«المروعة» إذا ما حدث ذلك، وهى قيام حرب أهلية أو استيلاء الأصوليين السنة على الحكم، أو وجود ثورة جديدة لتنظيم «القاعدة». وعلى عكس رد الفعل الدولى الحازم تجاه المعارك فى ليبيا، فإن احتمالات التدخل العسكرى الدولى فى سوريا تبدو ضعيفة، حيث أوضحت روسيا والصين معارضتهما لأى تحرك من جانب مجلس الأمن ضد سوريا. وتوقع مراقبون أن تكون تلك العقوبات الغربية أيضاً رد فعل عكسى، يتمثل فى زيادة حملة القمع التى تستهدف المحتجين ليرسل النظام السورى للعالم رسالة مفادها أنه لا يتأثر بأى ضغط خارجى، لا سيما وأن دمشق تعتمد على حليفتها إيران، وعلى دعم كل من روسيا والصين. ويقول «لانديس»: «تأتى العقوبات فى وقت متأخر جداً كى تعطى زخما لحركة الاحتجاج ربما تطيل أمد الاحتجاج، لكنها لن تطيح بالنظام».