بلد يغرق

تعرضت مصر، يوم الثلاثاء الماضى، لكارثة إنسانية حقيقية بسبب هطول الأمطار. ورغم أن نزولها فى هذا التوقيت من السنة هو أمر متكرر، بل أعلنت عنه «الأرصاد الجوية» منذ فترة غير قليلة، تعامل المسؤولون معه باعتباره مفاجأة هبطت من السماء، أو قدرًا أتى من حيث لا نحتسب.
وكانت النتيجة مآسى إنسانية توالت لعدة ساعات، فى مشهد يدعو إلى الألم والحسرة على وضع الإدارة والتخطيط فى هذا البلد: أطفال صغار يعودون فى أتوبيس المدرسة فى المساء، بعد ساعات متواصلة من «الزنقة»، بلا طعام أو شراب أو حتى فرصة لدخول الحمام، طلاب جامعة يتركون المواصلات العامة (أو حتى الخاصة)، سائرين إلى بيوتهم لمدة ساعات متواصلة فى شوارع غارقة بالمياه، عجائز يسرن على قطع من الخشب، فى شوارع مُبلَّلة، فيختل توازنهن ويسقطن، مسافرون إلى المطار تفوتهم الطائرة بسبب إغلاق الشوارع، سيارات إسعاف محبوسة فى هذا الزحام، وعيون الأهالى تنظر فى يأس إلى السماء طلبًا لمعجزة، المياه تنقطع عن مناطق بأكملها لعدة ساعات، وأخيرًا، ولتكتمل هذه التراجيديا السوداء، تُصعق طفلة بريئة بالكهرباء فتلقى مصرعها.
مَن المسؤول عن هذا الكم من المعاناة؟ ولماذا يغرق البلد فى شبر من المياه؟ الحقيقة هى أن الاستعداد لمواجهة الأمطار يحتاج إلى وقت وترتيبات، أى إلى تخطيط، لتلافى هذه الأزمة المتكررة. فى العام الماضى غرقت طرق ومبانٍ ومحال، أما عن أصحاب هذه المبانى أو المحال فهم وضعوا الخطط المناسبة لتلافى هذه الكارثة، ولكن ماذا عن الدولة؟ أمور عدة تمت خصخصتها، ابتداءً من التعليم والسكن حتى الجمال والمتعة، لكن ماذا عن البنية التحتية؟ أليس من الأبجديات أن تطويرها وإصلاحها هو دور الدولة؟
أخيرًا، ترى المدرسة «الوظيفية» فى علم الاجتماع والسياسة أن لمؤسسات الدولة والمجتمع أدوارًا ووظائف لابد أن تقوم بها، وأن الاختلال فى إحداها يؤدى إلى اختلال التوازن فى النظام برمته، فالحاضر الغائب هنا هو دور المجالس المحلية، التى لم نسمع عنها أو عن انتخابات لتشكيلها منذ ما يقرب من ثمانية أعوام، على الرغم من أن الأخيرة لها وظيفة فى النظام السياسى، ولها دور تمثيلى فى المجتمع، فهى التى تضطلع بالضغط على السلطات المحلية للتأكد من أن مصالح أهالى كل منطقة سكنية مستجابة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالبنية التحتية ومتطلباتها، فأين هى؟ هل من مجيب؟