قبل العام تقريبًا وفى أواخر 2018، كان الفنان، الدكتور محسن سليم، مدرس النحت بكلية الفنون الجميلة بجامعة أسيوط، يستعد للعمل على تشكيل تمثال من «الطين الأسواني» للدكتور مجدى يعقوب، جراح القلب العالمى، صاحب مؤسسة مجدى يعقوب لأمراض وأبحاث القلب. جهز «سليم» أدواته وذهنه لنحت تمثال يليق بالبروفيسور المصرى العالمى، بتكليف من محافظ أسوان السابق، اللواء أحمد إبراهيم، لكنه تساءل عدة مرات: «كيف يمكن نحت تمثال لرجل بقيمة (يعقوب)، الإنسان الذى اعتاد رسم الابتسامة على شفاه المرضى الكادحين؟». كانت «ضحكة الكادحين» هى الفكرة التى استقرت فى رأس «سليم»، بعد أيام من التفكير، كما يقول ل«المصرى اليوم»: «أحضرت طينًا أسوانيًا وبدأت العمل على التمثال، عملت قالبًا أو نسخة استغرق شهرًا، وبعدها استخدمت مادة الفايبر جلاس، وحدّدت أبعاد التمثال 130 سنتيمترًا»، وبالفعل بعد شهرين أو ما يعادل 100 ساعة من العمل تقريبًا، أنجز «سليم» التمثال كاملًا ومُزينًا بابتسامة «يعقوب» الصافية، منتظرًا إزاحة الستار عن التمثال. ووسط ميدان مصر للطيران بأسوان، استقر تمثال «يعقوب» ليتغير اسم الميدان إلى اسم الجراح العالمى، ويتجمع أهالى المدينة الهادئة حول التمثال المنحوت بلون طمى النيل ليُزاح عنه الستار، مساء أمس الأول، بعد عام كامل من الانتظار، دونما معرفة أسباب: «التمثال خلص من سنة، لكن تم تأجيل وضعه بسبب الروتين وتأخر المحليات». وإذا كانت الأساطير الشعبية ترى أن التماثيل ترفع شأن أصحابها، فإن محبة أهل أسوان وضعت «يعقوب» على الأعناق ليصير هو «ملك القلوب»، يبتسمون كلما رأوه فى أى مكان أو سمعوا عن إنجازاته المتكررة فى قلوب الأطفال، كما يروى «سليم»: «الفرحة كانت عارمة فى أسوان، وكان تجمع كبير، ماعرفتش أوصل لدكتور مجدى من كتر الزحام، كان سعيد فى لحظة إنزال الستار، أجمل حاجة ان الإنسان يتكرم وهو حى على قيد الحياة». «الناس كانوا منبهرين بالتمثال»، يحكى «سليم» عن اللحظات الأولى التى رأى فيها أهل أسوان تمثال البروفيسور، الذى وقف صامتًا برفقة ابنته «ليزا» وباقة الورود التى أحضرتها له: «بعد إزاحة الستار، رُحنا مع دكتور مجدى مركز القلب، الراجل ده مابيتكلمش كتير، لكن السعادة كانت باينة عليه، قالِّى جملة واحدة، هفضل فاكرها طول حياتى: (أنا سعيد جدًا، أشكرك)». أهدى «سليم» عمله الفنى الخالد إلى جامعة أسيوط، التى استضافت مراحل تصميم وتنفيذ التمثال، موجهًا شكره إلى إدارة الجامعة وكلية الفنون الجميلة لما توفرانه من دعم ورعاية يسهمان فى إنجاز أعماله الفنية على نحو مُشرِّف ولائق. يُذكر أن الفنان، الدكتور محسن سليم، نحت العديد من التماثيل طوال سنوات حياته لشخصيات شهيرة، منها عمر مكرم وجمال عبدالناصر ومحمد منير وعمرو دياب والدكتورة رتيبة الحفنى، لكن يبقى لتمثال «يعقوب» لديه، حسب قوله، «مكانة خاصة فى قلبه». فى سياق موازٍ، أشاد الدكتور طارق الجمال، رئيس جامعة أسيوط، بإنجاز «سليم» المتميز فى تصميم وتنفيذ تمثال العالِم الكبير، مؤكدًا حرصه على دعم ورعاية جميع العناصر المتميزة والنابغة من شباب أعضاء هيئة التدريس، الذين يسهم عملهم وجهدهم فى الارتقاء بمستوى الإنجاز داخل الجامعة بشكل عام وتعزيز مكانتها ورفع اسمها عاليًا.