بيروت حزينة

ذهبت إلى بيروت منذ ما يقرب من أسبوعين، وهالنى ما شاهدته. فقد تحولت هذه المدينة المعروفة بالبهجة إلى بلدة كئيبة، وتغيرت ملامحها الجميلة إلى أخرى تعيسة، بل وعادت رياح الطائفية تهزها ثانية بعد أن رحلت لأعوام غير مأسوف عليها كل هذا فى خضم أزمة اقتصادية تعتصرها وتعتصر أهلها معها.
للأسف عام جديد يأتى علينا إلا أن بيروت تستقبله بحزن كبير. فى مثل هذه الأوقات تزين المدينة كلها بالزينة، وتتلألأ فيها الأنوار لتزيد جمالها جمالا، ولا تجد إلا قليلا من المنازل أو المقاهى من دون هذه الزينة المبهجة. أما هذه المرة فرأيت بيروت مبتئسة، لا زينة فى الأماكن العامة، ولا حتى فى الأماكن الخاصة، وكأن لا نفس أو لا قدرة على وضعها.
تتميز بيروت بالحياة الليلية المزدهرة، فتجد المقاهى فى منطقة الحمراء وأمام الروشة وغيرها، صاخبة، مزدحمة بالسكان والسياح معًا، تعلو فيها أصوات الموسيقى والضحك والسعادة. أما هذه المرة فرأيت أغلبها خاليا. المحال التجارية أيضا خاوية رغم العروض والخصومات الكبيرة. تخيل أن تتحول شوارع بيروت ليلا إلى شوارع أشباح بعد ما يقرب من الساعة الثامنة مساءً!
عرفت بيروت كمدينة ترحب بالسياح وتحب المصريين كثيرًا. فما إن تصل إلى المطار حتى يبدأ العاملون به فى التحدث إليك باللهجة المصرية للترحيب بك، وما إن تستقل التاكسى حتى يبدأ السائق فى لعب دور المرشد السياحى فقط حبًا فى التحدث معك، وما إن تجلس فى أحد المقاهى حتى يتسارع العاملون به لخدمتك خاصة لو عرفوا من لهجة حديثك أنك مصرى. أما هذه المرة، فكان شعور الململة والإرهاق هو المسيطر على الجميع، تكفى نظرة واحدة فى العين حتى تدرك أن القلب حزين ومثقل، وأن الأمل تقريبًا مفقود.
الأزمة الاقتصادية طاحنة لا يشعر بها إلا من تطأ قدماه المدينة، خاصة أن البنوك لا تمنح المواطنين سوى مبالغ دولارية صغيرة محددة كل أسبوع. شبح الطائفية خرج مرة أخرى من القمم، وتجلى فى حرق خيام المعتصمين فى وسط المدينة، وفى محاولات البعض لغلق الطرقات على أسس ولأسباب طائفية وليست سياسية أو اجتماعية.
سيقول البعض: «ده اللى خدته البلد من الثورة». والحقيقة هى أن انتفاضة أو ثورة لبنان هى نتاج طبيعى لسوء إدارة الطبقة الحاكمة التى دمرت هذا البلد الجميل. فقبل التأفف من العرض عالجوا المرض وإلا ظهر ثانية وثالثة ولو بعد حين.
e-mail: nadine.abdalla1984@gmail.com