براكزيت؟

خرجت بريطانيا فى آخر يناير من الاتحاد الأوروبى، بعد صولات وجولات ومحاولات للخروج دامت ما يقرب من ثلاث سنوات، فى إطار أزمة سياسية طاحنة هددت الاستقرار السياسى ولو نسبيًا فيها.
والحقيقة هى أنه لا يمكن فهم ما حدث هناك إلا فى إطار رصد أوسع لموجة اليمين المحافظ الذى اجتاح العالم؛ والذى صعد فى البلاد الأوروبية الكبرى، بل فى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث عزز فوز ترامب فرص انتشاره. وللتذكرة السريعة، اليمين المحافظ هو توجه سياسى ارتبط صعوده تاريخيًا بالتعرض لهزائم أو أزمات كبرى، وبما أنه يحتقر قيم العدالة والمساواة، ويبالغ فى الاعتداد بالوطنية، فهو يكره المهاجرين ويعادى التنوع والحداثة.
وهو ببساطة الذى جعل فى بريطانيا من الاتحاد الأوروبى «بعبع»، فصوّره الكيان المهيمن الذى ينتقص من سيادتها؛ وهو الذى جعل من المهاجرين «شماعة» يعلق عليها كل مشكلات البلاد الاقتصادية. وهنا تظهر المشكلة لأنه يشعل قلوب الجماهير الأقل وعيًا، معتمدًا على حلول سطحية لمشكلات معقدة ومركبة. ففى أكثر من 30 منطقة فى بريطانيا تتميز بقلة خريجى الجامعات، 28 منطقة صوتت لصالح ترك الاتحاد الأوروبى، علمًا بأن 73% ممن هم فى سن 18 إلى 24 عامًا (وهم طلبة فى أغلبهم) صوتوا لصالح البقاء داخل الاتحاد الأوروبى.
ولكن هل يعنى ذلك أن بريطانيا استقلت بالفعل عن الاتحاد الأوروبى؟ الإجابة هى لا. وهو ما يوضحه مقال جميل منشور فى مجلة «فورين بوليسى» بتاريخ 3 فبراير بعنوان «براكزيت هو خبر واهٍ». فحتى آخر عام 2020 ستظل هى جزءا من الاتحاد الأوروبى، بما يعنى أن قوانينها ستخضع لمحكمة العدل الأوروبية التى طالما اتهمت بانتهاك سيادة بريطانيا، كما ستظل حرية الحركة مكفولة لمواطنيها داخل أوروبا (بما يعنى أن الأبواب ستظل أيضًا مفتوحة للمهاجرين الأوروبيين). ومع ذلك ستحرم بريطانيا بموجب خروجها من الاتحاد الأوروبى من التصويت فى كل من البرلمان الأوروبى والمجلس الأوروبى خلال هذه الفترة الانتقالية المستمرة حتى آخر عام 2020. كل هذا علمًا بأنه يمكن أيضًا تجديد الأخيرة لمدة تصل إلى عامين جديدين.
وأخيرًا، يبقى سؤال التجارة مع أوروبا مفتوحًا، فعلى الرغم من أن رئيس الوزراء البريطانى وعد بعقد اتفاق «مبهر» مع الاتحاد الأوروبى فيما يخص العلاقات التجارية بينهما بنهاية عام 2020، إلا أن شكوكًا حقيقية تحيط بقدرة بريطانيا على تجاهل القواعد التنظيمية المقيدة التى تضعها بلدان الاتحاد الأوروبى وتلزم بها كل شركائها التجاريين.