«ورد الجليد».. أحمد الخميسى يرصد لحظات الغربة

«ورد الجليد» هى أحدث المجموعات القصصية للقاص الكبير أحمد الخميسى، الصادرة عن دار مجاز، وتعد المجموعة الخامسة فى رحلته الإبداعية. تتضمن المجموعة ثمانى عشرة قصة قصيرة، تتنوع اهتماماتها ما بين التطرق إلى الهم الاجتماعى كما فى قصة «بيسا»، والهم النفسى كما فى قصة «تحرش»، والهم الثقافى كما فى قصة «غلطة لسان». وتتنوع أشكالها ما بين القصة الطويلة مثل «ورد الجليد»، والقصة القصيرة كما فى «وقت حلو»، والقصة القصيرة جدا كما فى قصتى «قدمان» و«الغنيمة».
و«ورد الجليد» هى تلك الزهور التى تنمو فى الصقيع تحت سطح الجليد الشفاف وتبدو مثل دانتيلا من زهور بيضاء، والتى تنمو فى مناطق روسية منها مدينة «دودينكا»، ففى هذه المناطق يمكن رؤية ورد الجليد، وأن تحس بأنفاسك وهى تتلاحق من الشعور الجياش بأن الحياة تنمو حتى فى العدم، وقد استخدمها صاحب المجموعة كرمز للتعبير عن لحظات الغربة بكل أبعادها، خاصة لحظاتها الأولى عندما يُخلى المغترب حياته مما كان ويفتحها لعالم آخر، فى إسقاط على جزء من حياة السيرة الذاتية للكاتب. ومن غربة روسيا إلى غربة أخرى، ولكن داخل قرية مصرية ريفية، يأخذنا الكاتب فى قصة «الغريب» إلى ذلك المزارع الذى ينطلق مع أهل قريته لمطاردة غريب حلّ على القرية فى جوف الليل، حيث تسلل بين البيوت والحقول ليسرق شيئاً ما، لكن بطل القصة رؤوف حمدان يتخلف عن الجماعة المتحفة لاصطياد الغريب، وعندما سمع دبيب الرجال نادى عاليًا عليهم، لكنه يصبح هو الغريب فى نظرهم، وأمام كلماتهم «لا تتركوه يفلت» يموت برصاصاتهم. وكدلالة على مفهوم الغربة ينهى الكاتب قصته بعبارة: «بحلول الصيف بزغ فى الأرض الخربة زهر غريب يتوهج بقسوة بين الأعشاب والثعابين، وينفث روحا وحشية تسبح فوق القرى». ومثلما يحدث فى واقعنا من خلق أشخاص من العدم، ليصبحوا نجوما خاطفين للأضواء، (مثل واقعة مُرشح وزارة النقل الوهمى وما تناقلته وسائل الإعلام من اقترابه من الوزارة مؤخرًا)، نرى فى القصة الأولى بالمجموعة «غلطة لسان»، كيف يمكن خلق كاتب كبير من العدم وهو غير موجود فى الواقع. فالكاتب العجوز يسأله صحفى عن أهم كتاب جيله، فيجيب «عبدالعال شعبان»، لكن بعد ذلك يتذكر أن اسمه «عبدالعاطى وهدان»، لكن الموت لم يمهله الوقت للتصحيح. وبين عشية وضحاها يصبح «عبدالعال شعبان»- غير الموجود أصلا- كاتبا مرموقا وراهبا للفكر، تُعقد له الأمسيات وتُكتب فى أدبه المقالات، كما يتطور الحدث ليحصل على جائزة الدولة التقديرية، ويكتشف شاعر من الجنوب أن الكاتب العبقرى المرحوم هو خاله، فيتسلم الجائزة نيابة عنه فى احتفال مهيب. يُذكر أن أحمد الخميسى هو أحد المخلصين القلائل لفن القصة القصيرة، ويقول فى ذلك: «القصة القصيرة بطبيعتها هى الأقرب إلى تكوينى، وأنا أتمسك بكتابة القصة القصيرة لأنها المجال الذى يلائم طبيعتى مثلما تتمسك السمكة بالحياة فى الماء، لأنه المجال الذى يناسب طبيعتها، وأعنى بذلك أن القاص يتمتع بطبيعة نفسية وعقلية ترى العالم بصفته ومضات، أو لحظات، بصفته قصة قصيرة. القاص يرى الأبنية الكبيرة من خلال أشياء صغيرة، بينما يرى الروائى الأشياء الصغيرة فى إطار بناء كبير». وصدر ل«الخميسى» 4 مجموعات قصصية سابقة، هى « قطعة ليل» فى 2004، و« كنارى» 2010، وقد فازت بجائزة ساويرس كأفضل مجموعة بين كبار الأدباء، ثم «رأس الديك الأحمر» عام 2012، «أنا وأنت» فى 2017، وقد فازت هى الأخرى بجائزة ساويرس كأفضل مجموعة فرع كبار الأدباء.