مصر بعيون معرفية.. «المنظومة التعليمية»

أطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائى، بالتعاون مع مؤسسة محمد بن راشد للمعرفة، النسخة الثانية لمؤشر المعرفة العالمى لعام 2018 خلال شهر ديسمبر الحالى بمدينة دبى، ويتبنى المؤشر المفهوم الواسع للمعرفة كإطار مركب متعدد الأبعاد يتجلى عبر عدد من القطاعات المترابطة هى التعليم قبل الجامعى، والتعليم التقنى والتدريب المهنى، والتعليم العالى، والبحث والتطوير والابتكار، والاقتصاد، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والبيئات التمكينية.
ويُعنى مؤشر المعرفة العالمى بقياس المعرفة على المستوى العالمى والإقليمى والوطنى كمفهوم شامل وثيق الصلة بمختلف أبعاد الحياة الإنسانية المعاصرة، من خلال الاستناد إلى رؤية فكرية تُؤكد تلازمية المعرفة والتنمية، لتتحول الدول بمقتضاها من منظور التنمية المُعتمدة على الموارد المادية والطبيعية إلى تنمية قائمة على المعرفة والابتكار.
وقد أظهرت النتائج التحليلية لمؤشر المعرفة الدولى أداء متواضعًا لمصر على كافة الأصعدة، فقد تراجعت مرتبة مصر على مستوى المؤشر العام للمعرفة من الدولة رقم (95) عالميًا فى العام (2017) إلى المرتبة (99) فى العام (2018). كما احتلت مصر المرتبة الحادية عشرة عربيًا. وقد قدم قطاع التعليم العالى أفضل أداء لمصر حيث حقق المرتبة (59) عالميا فى العام (2018). ويعود ذلك أساسًا إلى مؤشرات الالتحاق المرتفعة بالجامعات التى احتلت المرتبة (37) عالميًا، كنتيجة لسياسة الحكومات المصرية المتعاقبة فى مجال إتاحة التعليم بالاعتماد أساسًا على الجامعات العامة والدور المتزايد للجامعات الخاصة والأهلية لاستكمال طاقته الاستيعابية. كما مثل المؤشر الفرعى لنسبة الباحثين المتخصصين فى مجال تطوير وتعزيز قدرات التعليم العالى المرتبة (29) عالميًا. ويعود ذلك إلى تبنى سياسات رامية إلى تحديث وتعزيز قدرات منظومة التعليم بشكل عام منذ صياغة الخطة الاستراتيجية للتعليم العالى والبحث العلمى فى العام (2000). بيد أن تواضع مؤشر متوسط عدد الطلاب لكل معلم الذى رصد المرتبة (96) بحكم تضخم عدد الطلاب فى العلوم الإنسانية والاجتماعية، وارتفاع معدلات البطالة فى أوساط القوى العاملة الحاصلة على تعليم متقدم التى مثلت المرتبة (121) عالميًا...
... والقصور فى التعاون البحثى بين الجامعات وقطاعات الإنتاج السلعى والخدمى، قد نتج عنه احتلال مصر للمرتبة (59) فى قطاع التعليم العالى، وهى تعد مرتبة وسيطة بين دول العالم.
كما كانت مؤشرات مصر عن التعليم قبل الجامعى مخيبة للآمال بشكل عام؛ فقد احتل التعليم قبل الجامعى المرتبة (110) على مستوى دول العالم، والمستوى الثانى عشر عربيًا. وبرغم أن مصر حصدت عالميًا المرتبة (40) فى مؤشر الالتحاق الإجمالى بالتعليم الأساسى، فإن معدلات التخرج من هذه المرحلة التعليمية تراجعت فى الترتيب إلى الدولة رقم (60). وتوضح المؤشرات أن سياسات مصر الموجهة إلى تعزيز البيئة التمكينية التعليمية لم تحقق مستوى الطموح المرغوب، حيث احتلت مصر المرتبة (115) عالميًا فى هذا المجال. ويعود ذلك إلى تواضع أداء مؤشرات الإنفاق على التعليم (المرتبة 113)، والقصور فى برامج الطفولة المبكرة (المرتبة 104) والبيئة المدرسية التى تختص بنسبة المعلمين المدربين، ومتوسط عدد الطلبة لكل معلم بمراحل التعليم قبل الجامعى (المرتبة 103 عالميًا).
وكما هو متوقع فقد جاء أداء مصر فى التعليم التقنى والتدريب المهنى منخفضًا بشكل ملحوظ عن المتوسط العالمى (احتلت مصر المرتبة 113). ويعود تدنى الأداء المصرى فى هذا المجال إلى مؤشرات التدريب المهنى المتخصص للعاملين، والنقص فى عدد الشركات التى تقدم التدريب المهنى بشكل منتظم، كما تساهم محدودية الإنفاق على التعليم التقنى وتراجع جودة برامجه إلى تدنى الأداء فى هذا القطاع.
يخلص مؤشر المعرفة العالمى إلى أن المنظومة التعليمية والتدريبية المصرية، المتضمنة التعليم قبل الجامعى، والتعليم التقنى والتدريب المهنى، والتعليم العالى، لا ترقى إلى المستوى المرغوب من أجل انتقال مصر إلى مجتمع المعرفة واقتصاده الذى يتمثل فى تلازمية المعرفة والتنمية، وهو ما يتطلب مراجعة للسياسات العلمية والتكنولوجية فى ضوء استراتيجية التنمية المستدامة. وبرغم عوامل القصور فى تركيبة المؤشر، والنقص فى بعض البيانات التى ارتكز عليها، ووجود شكوك فى درجة اتساقها وجودتها، فإن الأمر يتطلب اهتمام صانع القرار وراسم السياسة المصرى بنتائجه وتحليل جوانبها العلمية، والمعرفية، والإنمائية.
د. معتز خورشيد
وزير التعليم العالى والبحث العلمى الأسبق
أستاذ بجامعة القاهرة