الدكتور حازم محمد صالح، أستاذ جامعى، لم يفكر يوماً فى أى شىء يسىء إلى بلده، ولكن بلده فى المقابل يسىء إليه كل يوم، ويسبب له إزعاجاً فى حياته فى كل لحظة! والحكاية أن الرجل اشترى شقة من حر ماله، فى برج سكنى فى ميدان المساحة بالدقى، وهو حين اشترى الشقة كان على أساس أنها سكنية، وأنها «سكن»، وليس أى شىء آخر، ومن طبيعة «السكن»، كما هو واضح من اسمه، أنه يحقق لصاحبه الهدوء، والطمأنينة فى يقظته وفى نومه! وبمجرد أن أقام الدكتور صالح فى شقته، اكتشف أن خُمس عدد شقق البرج قد تحول تحت عيون القانون إلى سكن إدارى، ومع مرور الوقت تحول البرج السكنى إلى صورة أخرى من مجمع التحرير، فالموظفون والسُعاة والعمال يملأون المصاعد نزولاً وصعوداً، ويسببون لها إهلاكاً على مدار اليوم، ولا أحد فى الإدارة المحلية التى يتبعها البرج قد فكر، ولو للحظة، فى إنقاذ مواطنين اشتروا شققهم على أساس أنها سكن، وسكن فقط، فتبين لهم أنهم يقيمون فى صخب أقرب إلى ما يحدث فى الموالد! يقول الدكتور صالح فى رسالته إن هناك قرارات تصدر من السلطات المختصة، لكن القائمين على تنفيذها تتم «ترضيتهم» من جانب أناس يعرفون كيف «يخلّصون» الأمور، بعيداً عن سيادة القانون!.. ويقول إن البرج به شركات يترأسها مسؤولون سابقون، يتصورون أن حصانتهم السابقة تجعلهم فوق القانون، بل وفوق البشر! ثم يسأل أستاذ الجامعة سؤالاً موجعاً، ويقول: هل ينتصر محافظ الجيزة لسيادة القانون، وينقذ السكان الذين ينشدون الراحة، وهل تتم ترضية أصحاب الحق لا أصحاب المصالح؟! وبطبيعة الحال فإن ما يشكو منه الدكتور صالح، ليس حالة فريدة من نوعها، بدليل أن البرج الذى يقيم فيه إذا كان يضم 50 شقة مثلاً، فإن عشراً منها قد أصبحت مقاراً لشركات، ومن هذا البرج إلى الأبراج والعمارات الأخرى، على امتداد الجيزة، ثم القاهرة، سوف يتضح لنا عند استعراض ما فيها أنها كلها تعانى المرض ذاته، وأن هذا المرض هو أساس مُعضلة المرور فى العاصمة، وأن مسؤولينا إذا لم يكن يهمهم راحة كل مواطن فى شقته، فيجب أن تهمهم صورة العاصمة وشكلها، وشكل شوارعها، أمام زوارنا، وأمام السائح، الذى إذا جاءها، وهى على هذا الحال، فسوف يتوب عنها وعن المجىء إليها! والمسألة لا تتعلق فقط بالسائح، ولا بالزائر للقاهرة من عاصمة أخرى، ولكنها تتعلق فى أساسها بالبيئة فى القاهرة، وما إذا كنا راغبين حقاً فى أن تكون عاصمة بلدنا صديقة للبيئة، أم أنها مدمرة لها فى كل لحظة وتتعلق المسألة فى بُعد آخر لها بالأمن، لأنك تستطيع قطعاً أن تتحقق من شخصية أى شخص يدخل عمارة، يقيم فيها عدد من السكان يعرفهم البواب واحداً واحداً، ولكن المهمة تصبح مستحيلة فى برج تمتلئ غالبية وحداته السكنية بالشركات، ويصبح أمن كل ساكن بالتالى فى خطر! إجلاء كل هذه الشركات والمكاتب إلى خارج القاهرة على مدى مهلة زمنية مدتها خمس سنوات من الآن، سوف يحل جميع هذه المشاكل بقرار واحد، وسوف يواجه قضية المرور من جذورها، وسوف يسهل على الدولة، وقتها، حصر الضرائب المستحقة على مثل هذه الشركات لأنها، والحال كذلك، سوف تكون معروفة، وسوف تكون أماكنها محفوظة ومكشوفة، بدلاً من أن تتخفى فى الشقق! الموضوع بصراحة شديدة ليس فى يد المحافظ، أى محافظ، ولا فى مقدوره، مهما كانت قوته، ولكنه فى يد حكومة يجب أن تكون مشغولة بمستقبل البلد، وعاصمته، ثم تتصرف على هذا الأساس!