كتبت، أمس الأول، مدخلاً تحليلياً اجتهادياً، لفهم موقف القوات المسلحة فى ثورة 25 يناير.. وقلنا إن هذه المؤسسة ظلت لثلاثة عقود كاملة صندوقاً مغلقاً، لا نعلم عنه شيئاً.. ولكن هذا الصندوق تخلى عن طابعه السرى فى اللحظة الأولى لظهور أول مدرعة فى ميدان التحرير يوم 28 يناير الماضى.. ولأنه خارج للتو من مساحة السرية والانغلاق إلى فضاء العمل السياسى والإمساك بزمام الأمور، كان طبيعياً أن تثار أسئلة كثيرة حول نوايا الجيش تجاه السلطة، ومدى انحيازه لفكرة الدولة المدنية، وقدرته على قراءة المشهد السياسى، والتعامل مع القوى المختلفة على الساحة! وحتى نصل إلى إجابات واضحة وحاسمة.. ربما يكون مناسباً أن نعرف ما الذى كان بداخل هذا «الصندوق المغلق» قبل 25 يناير.. فالمؤكد أن المؤسسة العسكرية جسدت معضلة كبيرة أمام النظام السابق خلال السنوات الخمس الأخيرة.. فالمؤسسة كانت الورقة الوحيدة التى تقف عائقاً، ولو على المستوى النظرى، أمام حسنى مبارك فى الفعل والإرادة.. «الفعل» الذى نقصده هنا هو ممارسات النظام الحاكم على الأرض، التى جنحت خلال السنوات الأخيرة نحو تكوين طبقات مصالح متراكمة حول الحاكم، سواء رجال الرئيس التاريخيون «أمثال صفوت الشريف، وزكريا عزمى، وفتحى سرور»، أو رجال جمال مبارك الجدد «أمثال أحمد عز، وبعض الوزراء من رجال الأعمال».. هذه الطبقات كانت تتحرك فى تحقيق مصالحها الاقتصادية الجامحة من اقترابها الشديد من الرئيس السابق ونجله، وكلاهما - مبارك وجمال - وفرا لمئات الشخصيات مظلة حماية بلا مراجعة أو محاسبة أو حتى نقاش..! أما «الإرادة» فهى تتعلق بالملف الأخطر الذى كان يدار فى كواليس النظام بين حفنة محدودة للغاية من رجال مبارك - الأب والابن - ملف التوريث وإعداد «جمال» للرئاسة، بحيث يصل فى النهاية إلى خيار وحيد، يحظى بدعم كل مؤسسات الدولة، ويمر بموافقة شعبية، حتى لو لم تصل إلى الموافقة الكاسحة التى كان والده يحصل عليها مع كل تجديد رئاسى..! غير أن «الفعل والإرادة» لم يخضعا لذات القواعد فى لعب النظام مع الجيش والعكس.. «الفعل» باعتباره ممارسات فاسدة تجرى على الأرض، خضع لمواجهات مباشرة ولكنها كانت دائماً «مكتومة».. مواجهة تدار فى كواليس الطرفين - الرئاسة والجيش - وكانت الوقائع مذهلة، إذ كثيراً ما لجأ المستفيدون ل«مبارك الأب» بعد اصطدامهم بالقوات المسلحة، .. فلا أحد سواه بمقدوره تمرير الصفقات وانتزاع الأراضى من الجيش، وكان مبارك يتدخل دائماً.. وكانت المؤسسة العسكرية تصاب بالغضب دائماً..! وإذا كان «الفعل» محل شد وجذب مباشر، فإن «إرادة التوريث» كانت تخضع لقواعد «الصندوق المغلق».. فلا أحد فى مصر كان بإمكانه الجزم بموقف الجيش تجاه تولى «جمال» الرئاسة خلفاً لوالده.. ولم يكن لمبارك أن يطمئن أو يأمن جانب العسكريين فى «لحظة التنفيذ».. فما بالنا وهو يقرأ تقارير تفصيلية عن أحاديث قادة الجيش فيما بينهم عن «التوريث» وفساد مجموعة «جمال» فى الحزب الوطنى..؟! فى الملفين - الفعل والإرادة - تفاصيل كثيرة قد تُسهم فى فهم ما كان يجرى.. وما قد يجرى خلال الأشهر المقبلة.. ونواصل..! [email protected]