مرت مائة يوم أو يزيد على الثورة.. وبات ممكناً تحليل مواقف بعض الأطراف الرئيسية دون انفعال.. وربما بات ممكناً أيضاً الكشف عن معلومات وأسرار، كان الظرف التاريخى يحول دون تناولها على نطاق واسع.. وإذا اتفقنا على أن ثورة 25 يناير كانت انفجاراً كاسحاً، له تراكمات وتفاعلات تكونت على مدى السنوات الخمس الأخيرة، فإن جميع الأطراف التى صنعت الحدث لم تتصرف على الأرض بدافع اللحظة أو الفعل العشوائى، وإنما بنت مواقفها على أسس ومفاهيم تشكلت وترسخت بداخل كل منها، فوصلت إلى مرحلة «العقيدة»..! هذا المدخل، ربما يقودنا إلى فهم موقف القوات المسلحة، الذى لايزال غير واضح لدى البعض، لاسيما أن المؤسسة العسكرية- بفعل طول عهد مبارك - تحولت إلى صندوق مغلق لا نعلم عنه الكثير، وظلت هذه الخصوصية حاكمة لصورة الجيش حتى عصر يوم 28 يناير، مع ظهور أول مدرعة فى ميدان التحرير.. ساعتها لم يقطع أحد بقدرته على التنبؤ بموقف القوات المسلحة من الثورة: هل تحمى النظام الحاكم بفعل ولائها التاريخى للرئيس السابق، مهما كان الثمن.. أم تنحاز إلى الشعب باعتبارها جزءاً من نسيجه؟.. وبصرف النظر عن الطبيعة النظامية للجيش المصرى، التى تمنعه من توجيه سلاحه ضد الشعب، فإن ثمة عوامل أخرى كثيرة دفعته إلى تجاوز مساحة الحياد إلى حماية الثوار، بل دعم مطالبهم باعتبارها «مطالب مشروعة»، كما جاء فى بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة.. هذا البيان حسم موقف الجيش، وفهمه «مبارك» ومن حوله جيداً..! فهم مبارك أن القوات المسلحة كانت تمنحه الفرصة للإصلاح الكامل بشرط موافقة الشعب، ولكنها لن تقمع المتظاهرين، بل لن تسمح بقمعهم فى ظل وجود أفرادها بينهم.. وفى تلك اللحظة تحول الصراع من ثنائية النظام الحاكم ضد الشعب.. إلى ثنائية أكثر تأثيراً وقوة: النظام الحاكم فى مواجهة الشعب والجيش.. يومها سقط مبارك فعلياً، ونجحت الثورة فى تحقيق هدف كنا نراه قبل 25 يناير مستحيلاً..! هذا التماهى بين الشعب والجيش لم يكن الأول تاريخياً.. ففى «صفحة تاريخ مصر» سنجد أن أخطر وأهم الأحداث والتحولات كانت قائمة على شراكة كاملة بين الطرفين، وإن تبادلا موقع المبادرة والمبادأة.. ففى عام 1952 تصدى الجيش لمهمة التخلص من النظام الملكى، ثم التف حوله الشعب، وفى أكتوبر 1973، استمدت القوات المسلحة إرادة تحرير الأرض من إجماع شعبى جارف، واستعداد لدفع أى ثمن للتخلص من الهزيمة.. وفى يناير 2011 بادر الشعب بالثورة ضد الاستبداد والفساد، وانصهر بداخله الجيش.. وكأن الإرادتين اتفقتا على هدف واحد.. وكأن أحدهما كان لابد أن يبدأ على أن ينضم إليه الآخر..! والحق.. إننى لا أستند فى هذه القراءة إلى التحليل فحسب، وإنما فى «جعبتى» معلومات توافرت لى بطبيعة عملى، قد تفيد الآن فى كتابة تاريخ الثورة.. هذه الحقائق خرجت فرادى من «صندوق الجيش المغلق».. وأصارحكم القول بأنها كانت الدافع الأقوى وراء دخولى قبل عامين رهاناً كبيراً مع صديق مهتم بالشأن السياسى.. يومها أقسمت له إن مخطط التوريث لن يتم، بينما كان يجزم بأن جمال مبارك سيحكم مصر بعد والده.. كان صديقى يقرأ من دفتر السلطة ومخططات الحزب الوطنى.. بينما كنت أقرأ من «الصندوق المغلق».. وكسبت الرهان لأننى أدركت أن «صندوق» الجيش المصرى لم يخرج يوماً عن «حضن الشعب».. وغداً.. سنقرأ سوياً أسراراً مهمة ظلت لسنوات طويلة داخل «الصندوق»..! [email protected]