ربما بدا المفكر اللليبي الراحل الصادق النيهوم، متبصرا إلى حد بعيد، عندما كتب في مجلة الناقد اللبنانية، في نهايات القرن الماضي في معرض نقده للإسلاميين: «تصير الأمة مجرد (رعية) ويتبنى القضاء شريعة الراعي، حتى يصبح الذبح والسلخ والحلب وجز الصوف، أشغالاً حكومية.. وبعد ذلك يسود الهلع». الهلع الذي تحدث عنه «النيهوم» يعيشه الشعب الليبي مثل طقس يومي، آخره ما حدث في العاصمة طرابلس، إثر مواجهات دامية منذ 17 أغسطس بين اللواء السابع مشاة بمدينة ترهونة، وميليشيات في طرابلس، أدت إلى مقتل العشرات ونزوح الآلاف من السكان. فيما تسود الآن حالة من الهدوء المشوب بالحذر في العاصمة اللليبية بعد إعلان البعثة الأممية التوصل لوقف إطلاق النار، الثلاثاء الماضي. وقال غسان سلامة، المبعوث الأممي إلى ليبيا، إن البعثة تركز جهودها على مجالين، هما: مراجعة الترتيبات الأمنية في طرابلس بغية الحد من تأثير المجموعات التي تلجأ للسلاح لتحقيق أهداف شخصية، ومعالجة القضايا الاقتصادية التي تشكل أساس الأزمة، مشيرًا إلى أنه لن يكون هناك أي فرصة للإصلاحات الاقتصادية، والعملية السياسية، إذا لم يتم وضع حد لعمليات النهب. فيما قال القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، إن تحرير العاصمة الليبية طرابلس وفق خطة مرسومة يعد خيارا لا مفر منه. وأضاف حفتر في لقاء مع ممثلي القبائل الليبية أن الجيش الوطني لا يتحرك إلا بحسابات دقيقة، مضيفا أن الجيش سيتحرك لطرابلس في الوقت المناسب، حسبما أفادت قناة (سكاي نيوز) الخميس، مؤكدا أن 85% من أهالي العاصمة طرابلس مع الجيش الوطني الذي يسيطر على مناطق كبيرة في شرق ليبيا وعلى رأسها مدينة بنغازي، مشيرا في الوقت ذاته أن الجيش الليبي تجاوز أكثر من 200 معركة لم يخسر واحدة منها، لافتا إلى أن الجيش الليبي دخل مجازفة محسوبة ولم يدخل للانقلاب على السلطة، مؤكدا أن الجيش الليبي سيواجه الإرهابيين القادمين إلى ليبيا من عدة بلدان. ويرى كامل عبدالله، الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية الاستراتيجية، أن وضع الذي تواجهه حكومة الوفاق «حكومة طرابلس» شريك فيه المجتمع الدولى المتمثل في البعثة الأممية، التي أوصت الحكومة بدعم المجموعات المسلحة المؤيدة للاتفاق السياسي «الصخيرات» المبرم عام 2015، وإخراج المجموعات المعارضة له، ما أدى لوجود ترتبات أمنية وسيطرة ميليشيات على العاصمة، تعد أبرزها «كتيبة ثوار طرابلس» «كتبية النواصي أو القوة الثامنة» «الأمن المركزي أبوسليم» «قوة الردع الخاصة»، فيما يشكل «كارتيل طرابلس» بحسب ما ذكر «عبدالله». وأوضح الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية الاستراتيجية، أن تلك المواجهات جاءت على خلفية هيمنة المجموعات المسلحة في طرابلس على القرار السياسي والاقتصادي للدولة اللليبية، لافتا إلى أن ذلك الوضع حفز اللواء السابع على التحرك من ترهونة التي تبعد 88 كيلو عن العاصمة تحت شعار فضفاض، وهو تحرير طرابلس من الميليشيات، للحصول على موطئ قدم فيها، ودخول كشريك، موضحا أن موقف اللواء يشوبه الكثير من الغموض «فهو لا يعارض المجلس الرئاسي، لكنه يعارض الميليشيات». بينما توقع محمود جمال عبدالعال، الباحث بالمركز العربي للبحوث والدراسات، أن تشهد الأوضاع مزيد من التدهور، خاصة مع سعي الأطراف لحسم الصراع عسكريًا بدلًا من اللجوء إلى أدوات السياسة السلمية، في ظل ضبابية المسار السياسي وتأجيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وفشل مجلس نواب طبرق في إقرار مسودة الدستور خاصة بعد الاستقالة المفاجئة لرئيس لجنة صياغة الدستور «نوح عبدالسيد» في أواخر يوليو الماضي. أما عن تأثير تلك النزاعات على شرعية حكومة الوفاق أمام المجتمع الدولى، فرأى «عبدالله»، أن شرعية حكومة الوفاق لن تتأثر فهى مستمدة من الاتفاق السياسي المدعوم دوليا «الصخيرات»، ومعزز من قبل مجلس الأمن الدولى. ورأى كامل عبدالله، أن أزمة طرابلس الأخير ستؤول لسيناريوهين أحلاهما مر، فإما التغول في القرار السياسي من قبل الميليشيات الأربعة في طرابلس حال هزيمة اللواء السابع، أو دخول اللواء السابع لطرابلس، ما يحفز أخرون على مهاجمة العاصمة لوضع مؤطى قدم بها أملا في تحقيق مكاسب سياسية. واستبعد أن يكون الحل النهائي في ليبيا حل عسكري، نظرا لأن كل تيار لديه ظهيره الشعبي وذراعة المسلح وداعمه الخارجي، مشددا على أن إحياء الحوار السياسي وتوسيع المشاركة من كافة الأطراف فيه هو الحل الوحيد للخروج من الأزمة. فيما اعتبر «عبدالعال»، أن إعلان المبعوث الأممي «غسان سلامة» عن هدنة لوقف إطلاق النار في ليبيا بعيدًا عن أي دور عربي سواء للدول العربية أو الجامعة العربية يعني «أن الأزمة الليبية باتت مسؤولية أممية». وعن مسار لحل الأزمة، أشار «عبدالله»، أن التفرقة بين الميليشيا والجيش والمفاهيم الأمنية بشكل عام محل خلاف على المستوي الوطنى، واستطرد: «يتوجب على الأممالمتحدة وضع استراتيجية للتعامل مع المجموعات المسلحة، ووضع هيكل تنظيمي لها، لاستيعاب تلك المجموعات عن طريق قطع مصادر تمويلها التي تتمثل في أربع مصادر رئيسية القبلية ومؤسسات الدولة والحليف الخارجي والجهة السياسية. واختتم كامل عبدالله: «المجموعات المسلحة والميليشيات هي عرض لمرض، المرض هو الانقسام السياسي» *ينشر هذا الموضوع بدعم من البرنامج التدريبي ل«المصري اليوم»