امرأةٌ واحدةٌ بصيغة مُنتهى الجموع

عندما تحب تصغى الأرض لك، وتمنحك السموات آذانها من دون أن تطلب، ويصير كل ما على الأرض مشحوذًا متعاليا مرتفعا، ومُسْتنفَرًا ومتوهجًا ومتوَّجا وحارًّا وحُرًّا وفى دهشةٍ.
ومهجوسٌ أنا منذ طفولتى المبكرة وأنا فى قريتى كفر المياسرة بفكرة ترسيخ الحُب فى قلوب البشر وعقولهم معًا، إيمانًا منى بأن الحُب هو الباب الأول والأساسى للدخول إلى كل شىء وأى شىء، وتزداد حماستى شخصيًّا وموضوعيًّا يومًا بعد يومٍ فى الكتابة عن وفى وحول الحُب شعرًا ونثرًا، للوصول إلى الارتقاء والتسامى بالذات.
وقد لاحظتُ أن عقود الأربعينيات والخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، قد شهدت صدور كتب ودراسات علمية ناقشت ودرست ظاهرة الحُب فى تاريخ العرب، بينما بدأت التآليف تقل أو تتراجع أو تختفى بعد ذلك؛ كأن الأكاديميين فى الجامعات رأوا الحُب عيبًا، وهو غير جديرٍ بالدراسة والبحث والتحقيق والتقديم داخل أروقة الجامعة.
والعاشق الحق ليس قانصا أو صائدا؛ لأن العاشق أسمى من أن يبحث عن طريدة أو فريسة، ولابد له من أن يتسم بالكرم والفروسية والتحابّ، وأسوأ الرجال هم المُطارِدُون؛ لأن القنص فيه توحش وفحش وتهجم وافتراس، وغدر وقتل وذبح.
ومثلى لا يرى المرأة كائنًا مفردًا ذا دلالة واحدة، بل أنظر إليه باعتباره مفردًا له صيغة الجمع، بل صيغة منتهى الجمُوع التى تدل على الكثرة، ولا أبالغ إذا قلت إن المرأة اسم جمعٍ لا واحد له من لفظه، مع أن ذلك ضد أعراف وقواعد اللغة، لكن المرأة بكل ما فيها هى ضد أى قانون، ونقيض أى عُرف، إذ المرأة فى عين العاشق كثيرةٌ ومتعددةٌ ومتنوعةٌ، وكل يومٍ هى فى شأن، أى هى نساءٌ كثيراتٌ فى امرأةٍ واحدةٍ، وعلى المرأة أن تدرك كُنهها، وتعرف حالها، وتفقه طاقاتها الروحية والنفسية والجسدية، وما تحمله من إعجازٍ وإيجازٍ، وقديمًا قال قيس بن ذُريح، الملقَّب بقيس لُبنى (625– 680 ميلادية) مخاطبًا لُبناه:
(أُحِبُّكِ أَصْنَافَاً مِنَ الحُبِّ لَمْ أَجِدْ لَها مَثَلاً فى سَائِرِ النَّاسِ يُوصَفُ
فَمِنْهُنَّ حُبٌّ لِلْحَبِيبِ وَرَحْمَة ٌ
بِمَعْرِفَتِى مِنْهُ بِمَا يَتَكَلَّفُ
وَمِنْهُنَّ ألّا يَعْرِضَ الدَّهْرَ ذِكْرُهَا
على القلبِ إلاَ كادتِ النَّفسُ تَتلَفُ
وَحُبُ بَدَا بالجِسْمِ واللَّوْنِ ظاهِرٌ
وَحُبٌّ لدى نَفسى مِنَ الرُّوحِ ألطفُ
وَحُبٌّ هو الداءُ العياءُ بِعَينهِ
لَهُ ذِكَرٌ تَعدو عَليَّ فأدنّفُ
فَلاَ أَنَا مِنْهُ مُسْتَرِيحٌ فَمَيِّتٌ
وَلاَ هُوَ عَلَى مَا قَدْ حَيِيتُ مُخَفَّفُ
فَيا حُبَّها، ما زِلْتَ حَتَّى قَتَلْتَني
وَلاَ أَنْتَ، إنْ طَالَ البلاء لِيَ مُنْصِفُ).
ahmad_shahawy@hotmail.com