كم فرحنا بثورتنا المجيدة وكم شعرنا بجمال الحرية بعد سنين طويلة من العبودية والحرمان. تخيلنا لوهلة اننا انتقلنا من زمن إلى زمن جديد واننا فجأة سنتطهر مماا علق بنا من شوائب لنتحول فجأة الى اشخاص جدد نسوا كل ما عاشوه من خضوع وذل وتحولوا الى مواطنين على درجة عالية من الوعي وحب الوطن والايثار والوطنية. تصورنا ايضا ان من كان يثور على الظلم في التحرير يمثلون عينة ممثلة للشعب المصري واننا بالتأكيد سنجد في بيوتنا المصرية نسخ مكررة من هذا الشباب الابي الرائع. استيقظنا وللأسف من حلم الثورة على كابوس الواقع المخيف. لقد كشفت الثورةعن كثير من عيوبنا الضامرة وثقافتنا المتهتكة وقيمنا التي نالت منها عصور القهر والطغيان. لقد ظلت كل هذه العورات مكبوتة ومستترة لزمن طويل تحت وطأة القهر وقلة الحيلة والخنوع ولكن آن الاوان ان تتكشف لتبدو جلية بشكل لا يخطئه ناظر. اكتشفنا ايضا ان من قام بالثورة لا يمثلون بالضرورة كل الشعب المصرى. فما اعتنقه هؤلاء الشباب من قيم جميلة وسامية ساعدتهم على العبور بنا الى بر الامان وتحقيق نصر معجز يختلف كثيرا عما يؤمن به الاخرون ممن وقفوا على الحياد من اول وهلة. ويظهر هذا جليا في كثير مما نشاهده اليوم من ازمات داخلية وليست خارجية كما يدعى البعض.عيوبنا التي تكشفت في ظل مناخ من الحرية اصبحنا نستمتع به ونمارس ما كبتناه من افكار ومشاعر ورؤى مريضة ومغلوطة ومقلوبة يتمثل في مظاهر باتت جلية في مجتمعنا الجديد وليد الثورة. أولا: الانانية الشديدة واختفاء قيمة الوطن باعتباره أولوية تسبق غيرها من الاولويات. وتمثلت هذه الانانية في المظاهرات الفئوية التي بالغت في طلبات خاصة جدا رغم علمنا جميعا ان مصر لا تمتلك في الوقت الحالي من الثروات مايمكن ان يمدنا بما نحتاج اليه من حقوق اساسية او فرعية. فالصحف تطالعنا بمحاولات الحكومة المستمية لاشباع حاجاتنا الاساسية عن طريق الاقتراض من بعض الدول الميسورة ومع هذا فسياسة لوى ذراع الدولة مستمر. ثانيا:السلبية الفظيعة في التعامل مع الوضع الراهن. فهناك فئة من المصريين فضلوا الصمت والتفكير فقط فيما يخصهم من امور تاركين الوطن والقومية العربية ونصرة بلادنا- كما اعتادوا دائما- للاخرين فهذا لا يخصهم وهم غير مستعدين ولا يملكون الدافعية للمشاركة الجادة في اتخاذ القرار السياسي. ثالثا: النقد السلبي والمتواصل لما حققه الثوار والرغبة الدفينة في الرجوع الى عصر بائن كانوا يشعرون فيه بنوع من الأمان والاستقرار المزيف ويستمتعون بسلبيتهم واناماليتهم وتحقيق مصالحهم على حساب اي شئ. هؤلاء يحقرون ويقللون قيمة ما تم انجازه ويعملون كمعول هدم يحطم روحنا المعنوية مثلهم تماما مثل الاعداء في اوقات الحروب. رابعا: التشدد الدينى والذي تبدى في اراء متطرفة جدا ونظرة متدنية لذوى الديانات الاخرى وقلب هرم الاولويات بحيث يتم الانشغال طوال الوقت بسفاسف الامور وترك جوهر الدين والواجب المنوط بنا لبناء الوطن والتفكير في كيفية اللحاق بركب الحضارة والتقدم. كما تمثل ايضا في التعبير العنيف عن كره الاخر وعدم تقبله والاستماتة في النيل منه حتى ولو كان على حساب المصالح العامة والاوراح البشرية . خامسا: الجهل وقلة الوعي وعدم القدرة على الاستماع للاخر وتغيير وجهة النظر بالشكل الذي يخدم مصالحنا ويساعدنا جميع على اتخاذ قرارات مصيرية سوف تحدد قطعا مسقبل وطننا. هذا الجهل لا يقتصر على الاميين فمنهم الكثير ممن يفوقونا جميعا عقلا وحكمة ولكن هذا الجهل السياسى والثقافى امتد ليشمل اشخاص في قمة الهرم العلمى يفتقدون الى الف باء الوطن والسياسة والانتماء. واخيرا اتساءل اي اجندات خارجية تلك التي ننسب اليها ما يحدث في مصر. ممالا شك فيه ان العدو لن يتحول لحبيب فجأة ومن المؤكد انه يتربص بنا . فهذا امر مفروغ منه ولكن... اتساءل هل يمكن للعدو ان يؤثر فينا اذا كنا نملك الروح والوعي والحب الذي بدأ به شباب الثورة البواسل. اذا كان النسيج الداخلى ضعيف ومنظومة القيم مقلوبة فماذا نتوقع؟؟؟؟؟ امامنا الكثير والكثير لنتمكن من اعادة بناء الانسان المصري. واذكركم اننا لا نريد ان نصل في النهاية الى نتيجة مفادها ان النظام القديم كان الاصلح للتعامل معنا وان كبت الحريات هو افضل ما يصلح للتعامل مع الشعوب العربية جمعاء!!!!!