كلنا نشعر اليوم بأننا قد تحررنا ..صرنا نشعر بذواتنا ونشمخ بأنفسنا ونعتز بارائنا ..فما هى تلك " الحرية " التى خلقتنا بشرا جديدا وأعادت الدماء الحرة الأبية الى شراييننا ؟ يقول فيلسوفنا المصرى الجميل زكى نجيب محمود : " الانسان هو وحده دون سائر الكائنات جميعا , قد كتب عليه أن توضع الأمانة بين يديه أمانة الحرية وعليه تقع التبعية بعد ذلك , ولو سلب واحد من الناس هذه الأمانة التى وكلت الى نوعه لارتد من فوره " شيئا " من الأشياء بعد ان كان انسانا " ..والحرية بمفهوم أحمد لطفى السيد : " حريتنا هى نحن , هى ذاتنا ومقوم ذاتنا , هى معنى أن الانسان انسان .. ان حريتنا ما هى الا وجودنا ,وما وجودنا الا الحرية " ..أى أن الحرية ليست فقط التحرر من استعمار أجنبى أو حاكم فاسد أو قانون جائر بل هى أن نحقق ذواتنا ونصنع وجودنا وحاضرنا ونساهم فى تشكيل غدنا ومستقبلنا ..فلا يكفى أن نثور ونحتج على أوضاعنا السيئة وأحوالنا المهينة بل يجب علينا أن نعرف ماذا علينا بعد ذلك .. ما هى خطوتنا التالية ..هل نكتفى بطرد الفساد ورموزه ونتشفى فيهم و تظل سلوكياتنا فى مجتمعنا كما هى ..تظل أنانيتنا وحبنا لأنفسنا يغلب حبنا لتراب بلدنا وشوارعها وأزقتها وناسها البسطاء الطيبين !! لو فكر كل واحد منا فى فكرة صغيرة يساعد بها مجتمعه الصغير الذى يعيش فيه لوجدنا أن مصرنا الجميلة يتغير وجهها ويتغير ابناءها ..الافكار الصغيرة مع النوايا الصادقة تصنع الكثير والكبير من التغيير .. لو انتظرنا أن تقوم الحكومة بكل الأشياء فسننتظر طويلا كما انتظرنا حكومات متعاقبة لم تقدم لنا الا الفساد والرشوة والاحتكار وسرقة قوتنا .. ان الشعوب هى التى تغير الأوطان وليس الحكومات.. الحكومات هى مجرد كيان يختاره الشعب ليقوم نيابة عنه بما يحقق مصالحه .. وقد اختار الشعب المصرى بثورة 25 يناير أن يلغى الحكومة ويسقط الحاكم لفسادهما.. رأى المصريون ببصرهم وبصيرتهم أن الطريق التى يسير فيها الوطن هى طريق الخراب والوبال والهاوية .. عرف الشعب كيف يوقف النغمة النشاز ويعزف مقطوعته الحالمة ..فوجئنا كلنا أن الثورة قد أخرجت أجمل ما فينا فصرنا نراعى خاطر بعضنا ..نعتذر لمن أخطأنا بحقه ..نساعد من يحتاج منا المساعدة ..بل ضبطنا أنفسنا نبتسم ونبش فى وجوه بعضنا البعض .. التحية صارت بابتسامة وود لمن نعرف ولمن لا نعرف .. ملأنا التفاؤل بالمحبة وغشيتنا الثورة بالايمان والسكينة .. ان الأيام والشهور تمر بعد الثورة سريعة كدأبها قبل الثورة .. وها نحن ننتظر كل يوم اخبار المحاكمات لرموز الفساد ونمنى النفس بحصولهم على أحكام قضائية بالسجن الطويل عقابا على سنوات طويلة اضاعوا فيها الوطن وضيعونا معه .. نعم ان تحقيق العدل والقصاص مطلوب ومشروع ..لكن غير المطلوب هو أن نوقف حياتنا ونرهن أوقاتنا وأيامنا على انتظار نهايات الفاسدين واللصوص .. ان حياة جميلة تنتظر منا أن نصنعها وأيام رائعة ترومنا أن ننسجها ونغزل منا واقعا ومجتمعا مصريا جديدا ..طريق طويل ينتظر خطواتنا ويشتاقها ..طريق نحو مجتمع أرقى وأجمل وأكثر تقدما وتحضرا .. قضايا كثيرة تحتاج سواعدنا وعقولنا وارادتنا ..أولها وأهمها قضية الأمية التى بسببها ارتمت مصر طويلا فى أحضان سلطة فاسدة لحاكم متجبر .. ان الجهل وقلة الوعى وانعدام الثقافة والاطلاع هو اعدى أعداء التقدم والحرية..فكيق لمن هو أمى ان يكون حرا .. الجهل يجعل الانسان أعمى يحتاج لمن يقوده .. لابد أن نعمل جميعا على محو أمية ملايين المصريين لنضمن أن مصر لن تحتاج بعد نصف قرن أخر الى ثورة أخرى تحررها .. ان فعل بسيط واحد لكل فرد منا نحو مجتمعه المتواجد فيه سيخلق دائرة من النور ستتسع وتتسع حتى تنير مصر كلها .. اختر لك قضية وحلم وأمل بتغيير واقع بسيط تراه لا يليق بمصر ما بعد الثورة .. أعمالنا ستكتب لنا وستعرض علينا وتشفع لنا.. الخير يبقى ويعلو ويسمو بصاحبه ..فهلا كنا من أصحاب الخير لمصرنا ولنا .. لا تنتظر طويلا هناك ما تستطيع فعله الآن فلا تتقاعس واقدم ..فلابد أن نغير وجه الوطن ..وجه أجمل الأوطان وأعزها ..وجه مصر .. بحبك يا مصر يا بلدى