أخذت الثانوية العامة بعد أن أخذت إسرائيل سيناء وكنت فى مدرسة «محرم بك» الثانوية، وكنا نعتقد أن الثانوية العامة مرحلة منتهية لأن المدرسة تقع فى نهاية خطوط الترام حيث يتجمع السائقون والكمسارية لتحديد مصير الركاب وإثبات أن ركوب الترام يعلم الصبر أكثر من صيد السمك أو انتظار خطاب التعيين، وقد استفدنا من «عبقرية المكان» فى تأجير «كمسارى» يقوم بدور ولى الأمر كلما طلبت الدرسة منا إحضار ولى الأمر بسبب الغياب، وكان رجلاً لبقاً، فعندما لاحظ «الناظر» أنه نفس «الكمسارى» سأله (هيه المدرسة كلها لها ولى أمر واحد؟) رد عليه (ما هى المدرسة كلها لها ناظر واحد!) وكأننا فى برنامج ساعة «لقلبك» وساعتين علشان «نعدلك».. واليوم كان المفروض أن أحضر ومعى ولى أمرى بسبب غيابى أمس دون عذر، لكننى لا أجد «كمسارى» فى «الثمانين» يصلح أن يكون ولى أمرى، فهم يموتون مبكراً من شدة النفخ فى «الصفارة» ومناشدة الجماهير أن يطلعوا من على السلم ويتركوا الوادى الضيق ويدخلوا العربة والادعاء بأن «جوه فاضى» ويرحب بالاستثمار والحقيقة ليست كذلك.. سافرت فجأة إلى القاهرة وعدت مساء الاثنين فى القطار رقم (927)، الذى يبدأ تحركه فى السابعة مساء ويبدأ قذفه بالطوب والزلط فى السابعة والنصف بعد نجاحه فى عبور «شبرا الخيمة»، فأصابتنى طوبة فى رأسى، أما الفتاة الجالسة بجوارى فقد امتلأت عيناها بزجاج النافذة وقامت تصرخ.. وأنا كعادتى فى كل المحن من أيام ثانوى قمت أبحث عن «الكمسارى»، فوجدته ممدداً يتأوه ويبحث عن ولى أمره.. وقال لى رئيس القطار إن بعض الكمسارية مثل المرحوم «زكريا ثابت» يموتون من ظاهرة قذف الطوب ولا أحد يسأل فيهم، فالحكومة تعبر عن «نبض» الشارع، خصوصاً الحتة «المتسفلتة» ثم أقسم لى بأنه كان رئيساً لقطار أبوقير وقرب محطة سيدى بشر يتجمع الطلبة فى الفسحة لقذف القطار بالطوب، فتجمع الكمسارية وتوجهوا إلى الناظر وبعد أن استمع إلى شكواهم شتمهم وطردهم فلم يعد الناظر هذه الأيام يحترم الكمسارية مثل أيامنا، فبين ناظر مدرسة «محرم بك» وناظر مدرسة «سيدى بشر» ثلاث محطات وأيضاً ثلاثة عقود من زمن الطوارئ. [email protected]