■ ليس المصريون وحدهم الذين يتمنون ألا تطول الفترة الانتقالية فى مصر. الأوروبيون أيضاً لهم الأمنيات نفسها.. هنا فى إيطاليا يتحدثون عن الفراغ الأمنى، كما يتحدثون عن توقف السياحة المصرية تماماً، وهو ما ينعكس على المشتغلين فى المجال السياحى بشكل سلبى، وهو يضر الاقتصاد القومى فى الوقت نفسه، وهو أمر يشغل المصريين بالطبع، لكنه يشغل حيزاً كبيراً من الاهتمام العالمى بوجه عام، والأوروبى بوجه خاص! ■ لاشك أن الثورات العربية كانت موضع نقاش مهم فى فعاليات الاتحاد من أجل المتوسط، فهناك تحولات نحو الديمقراطية، والحريات وحقوق الإنسان.. وهى المبادئ الجميلة النبيلة التى قام عليها الاتحاد، وهم يتمنون ما يحدث فى بلادنا من تحولات ديمقراطية وثورات، لاسيما أنهم كانوا ينظرون إلى تركيز السلطات بشكل غريب جداً، وكثيراً ما كانوا يتحدثون عن أهمية الانتخابات فى حياة الشعوب العربية! ■ لأول مرة أشعر بطعم معان عربية، منها الديمقراطية والانتخابات وحقوق الإنسان والحريات، والفضل للثورة المصرية العظيمة، فقد كنا هنا منذ عام نتحدث عن الانتخابات ولا نشعر بها، وكان عمدة برشلونة يقول «أنا معكم اليوم، لأننى منتخب من الشعب».. كان لديه شعور بالفخر، وكنا نشعر بالمهانة، لأن العمدة فى مصر معين، والعميد معين، ورئيس الجامعة معين، كل شىء كان بالتعيين، الآن أتذوق طعماً جديداً لهذه الكلمات بعد الثورة! ■ أتناقش هنا فى باليرمو مع بعض الأصدقاء الإيطاليين والتوانسة عن ثوراتنا العربية، لا تختلف الثورة فى مصر عن مثيلتها فى تونس، أسقطنا النظام، وحاكمنا رموز الفساد، وقررنا حل الحزب الحاكم، صورة بالكربون هنا وهناك، اللافت للنظر أننا نشكو فى مصر، كما يشكون فى تونس، من الاعتصامات والاحتجاجات الفئوية، لدرجة أن صديقى التونسى علق على نظافة وروعة باليرمو بأن عمال النظافة هنا يعملون، لكنهم فى تونس معتصمون، وضحكت لأن الحال من بعضه! ■ لا جو «باليرمو» كان حائلاً عن التفكير فى ثورة مصر، ولا ثورة تونس، ولا جو المناقشات بشأن المتوسط كان يجعلنى أنسى المقولة الشهيرة «عدالة السماء تنزل على باليرمو»، تذكرنا المعلق الشهير محمود بكر، وتحدثنا عن ذكريات كأس العالم، وتذكرنا الزمن الجميل فى الكورة، كما تذكرنا أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم، زمن الفن الجميل، لا أعرف لماذا كانت مصر معنا ونحن هناك، ربما لأننا نقارن طوال الوقت ونتمنى أن تصبح مصر أجمل بلاد العالم، فنحن نعشق ترابها مهما رأينا! ■ نحن نقارن كل شىء فى بلادنا بكل مكان فى العالم نذهب إليه، فى باليرمو الكورنيش لا يشبه كورنيش الإسكندرية، مع أنها فى الجانب المقابل تماماً، وعلى الضفة الأخرى كورنيش الإسكندرية أضخم وأكثر ثراء، لكنه فى باليرمو نظيف وهادئ وترى البحر بدون أى موانع، وبدون عوائق أسمنتية.. المتوسط للجميع، دون زحام ودون مزاحمة من عربات الذرة المشوى وأطفال الشوارع!! ■ فى المناقشات الجانبية كان خالد سعيد حاضراً، وكان محمد بوعزيزى أيضاً، كلاهما فجر الثورة فى مصر وتونس، والآن نسير فى طريق الديمقراطية نحو دولة مدنية، لا تسيطر عليها جماعة ولا يحتكرها حزب من جديد.. الأوروبيون يعترفون بأنهم لا يمكن أن يصدروا إلينا الديمقراطية، ونحن لا نريد أن نستوردها، نريد ديمقراطية تصدر عنا، وتكون على مقاسنا، وتليق بحضارتنا، وتليق بثورتنا أيضاً! ■ الرأى العام الغربى يهتم بأحوال العالم العربى، كما اهتم تماماً بنبأ مقتل أسامة بن لادن.. يتحدثون عن قصة اصطياده، وعن دور المخابرات فى العملية، تقريباً هو الخبر الأول فى كل وسائل الإعلام، والثورات العربية غيّرت انطباعات كثيرة عن العرب والمسلمين، وأخيراً سقط بن لادن، وسقط الإرهاب، لكن يبقى السؤال: هل يستريح العالم؟! وهل عدالة السماء نزلت على باكستان كما نزلت من قبل على استاد باليرمو؟!