لن أخوض في تبريرات أو شرح للموقف القطري إذا فرضنا جدلاً أنه كان يمثل إهانة للدكتور عصام شرف، لكني سوف أدخل مباشرة في صلب الموضوع الذي هو من وجهة نظري الموقف المصري. على مدى ما يقرب من نصف قرن و نحن نتباهى دومًا بمكانة مصر و تاريخها و حضارتها و جميعها أشياء نتفق جميعًا عليها كمصريين و ربما يتفق الأخوة العرب معنا في ذلك لكن على استحياء و غيرة مشروعة، لكني أستحلفك بالله يا سيدي و أستاذي الفاضل أن ننسى معًا بعد ثورة 25 يناير تلك المكانة و ذاك التاريخ لمصر و نقف لحظة لنفكر في الأمر و نسأل أنفسنا ماذا أضفنا لتاريخها و مكانتها و حضارتها من سنواتٍ و سنوات؟ لما لا نعمل على صناعة تاريخ شاركنا فيه لنتباهى بعدها بما صنعنا و ليث بما ورثنا من أجداد الأجداد ليكون وقتها "هاند ميد" مثل ثورتنا تمامًا فتعلو قيمته. كل ما أخشى هو أن نظل معتمدين على ماضينا بلا حاضر يمنحنا الأمل في مستقبل ربما نلحق به أو يدركه أبناؤنا، فتظل نبرة التعالي تكسو ألسنتنا بلا مبرر واقعي لما نحن فيه بالنظر لما يحدث من حولنا، فحين ننظر لدولة صغيرة مثل قطر و نجدها تنفق كل ما تملك من جهد و مال لتصنع تاريخًا من العدم بينما لا نزال نحن ننظر بكل إعجاب لتاريخٍ لم نضف شيئًا له، تمامًا مثلما كنا نسخر من الهنود و الصينيين من قبل على طريقة "إنتَ شايفني هندي أو صيني"، و يا ليتنا نفيق لنلحق بهم. ولأن تلك النبرة في التعالي ليست وليدة اللحظة وتكاد تكون أحدى عاداتنا السياسية الخاطئة التي ورثتها أنظمة الحكم تباعًا فيما بعد ثورة يوليو 52 والتي رسَخت الكراهية والحقد في أعماق جميع الأنظمة العربية الشقيقة لأجيال و أجيال و لهم كل الحق في ذلك لأننا نكرههم أيضًا لأسباب مشابهة، مما كان –من وجهة نظري- سببًا رئيسيًا في سوء معاملة يصل أحيانًا لدرجة الإذلال للعمالة المصرية في غالبية الدول العربية سواء من قِبل جهة العمل أم من قِبل مواطني هذا البلد في تعاملاتهم اليومية مع المصريين على أرضهم، ليبقى السؤال عالقًا بلا إجابة حتى الآن؛ لماذا تتبع الشعوب العربية حكوماتها في خلافاتها السياسية بينما غالبية تلك الشعوب لا تتفق مع أنظمتها أساسًا و تقف موقف المعارض لسياساتها الداخلية !! و لكي أكون أنا الآخر "أمينًا" يجب أن أعترف لكم بأن مرجعيتي في تكوين هذا الرأي أتت من خلال مناقشات كثيرة حول نفس الموضوع مع أصدقاء من الكتاب و الناشطين و المثقفين من عدة دول عربية شقيقة و كان هناك شبه اتفاق على ضرورة النضج في الحوار السياسي لمصر سواء على الصعيد العربي أم الإفريقي لخلق فرص حقيقية لريادة مصرية مستحقة و ليست شرفية للوطن العربي و ربما أفريقيا أيضًا بشرط أن تقبل مصر النزول قليلاً من سماء التاريخ لأرض الواقع، و أن الذين نجحوا من أبنائها في إسقاط النظام خلال ثورة الخامس والعشرين من يناير لم يكن أحدًا منهم ينتمي إلى العصر الفرعوني و لذلك هم أصبحوا أكثر جدارة من الفراعنة لصنع التاريخ و لندعهم يكملوا عملهم في صمت.