ضاعت مصر، لأن كل واحد كان بيحل فى ورق اللى جنبه.. وانهار النظام السياسى، لأن مطبخ الرئاسة كان يدار بطريقة «عندنا إيه النهارده».. لا أحد يقوم بعمله.. ولا أحد عنده رؤية.. من أول الرئيس.. وانتهاء بالعصابة الحاكمة.. كل واحد عينه على غيره، وليس على شغله.. لا يديرون دولة وإنما يديرون عزبة.. يهتمون فيها بصاحب العزبة، ويدلعون ابن صاحب العزبة! فهمت هذه المعانى وغيرها، من الحوار الذى أجراه الزميل محمود مسلم مع اللواء صبرى العدوى، قائد الحرس الجمهورى، محافظ الإسماعيلية الأسبق، وتوقفت عند أمرين غاية فى الخطورة.. أولهما أن الرئاسة لم يكن لها مطبخ سياسى، تصنع فيه القرارات.. وبالتالى كانت الدولة تمشى بالبركة.. ثانيهما أن كل المحيطين بالرئيس يحلون فى ورق اللى جنبهم.. فسقط الجميع! ولك أن تتخيل أن الرئاسة بلا رؤية، وبلا مطبخ، وبلا عقل.. وكان ذلك يكفى حتى ينهار بلد بحجم مصر، ويتراجع فى كل المجالات، ويتقزم بحدوده الأربعة.. وربما ينكفئ على نفسه أيضاً.. وكنا إذا تحدثنا عن تراجع الدور الإقليمى.. عربياً وأفريقياً.. يقولون لا تراجع ولا دياولو.. إنتوا بس بتشوفوا نصف الكوب الفارغ.. والآن كل أبناء النظام يقولون ما هو أبشع مما كنا نقول! الواضح أننا حين كنا نكتب لم تكن لدينا معلومات، فقط طراطيش.. والواضح أن الفساد السياسى والمالى كان من الحنكة ومن الدقة، بحيث يصعب اختراقه.. والواضح أن كل ما كتبناه لم يكن عن نصف الكوب الفارغ، بل كان عن الكوب المليان.. بعد أن انفجر تسونامى الفساد، وبعد أن عرفنا أن العصابة خطفت البلد كله.. ولهذا لم يكن أحد يحل فى ورقته.. كما يقول «العدوى»! ترجع أهمية ما قاله العدوى إلى أنه عاش فى قلب الحدث.. وكان ظل الرئيس.. وليس لأنه كان محافظاً.. هو نفسه يعرف أنه لم ينجح كمحافظ، وهو نفسه يعرف أنه لم يكن مقتنعاً، ولا يعرف ماذا يفعل فى الإسماعيلية؟.. لكن وجوده كقائد للحرس أتاح له أن يعرف مبارك الرئيس.. ويعرف الذين تعاملوا معه كصاحب عزبة.. يهتمون بالسيدة حرمه أكثر من الدولة.. ويهتمون بابنه على أنه الوريث! ولا أظن أن «العدوى» قال ما عنده لأن فى نفسه غصة لطريقة خروجه من الحكم.. ولا لأنه لم يكن مثل الشغالة أم حسن، التى ذكرها زميله المحافظ أستاذ الجامعة، ولا لأنه كان ينتظر الاعتذار.. فمازال يذكر مقولة زميله: «يا سيادة اللواء لما تبقى الصبح مش عايز أم حسن، تيجى تنضف الشقة، تقول لها يا أم حسن ماتجيش بكره، وإحنا بنيجى مكاتبنا ومش عارفين.. إيه قلة القيمة دى»؟! لا شىء من ذلك، ولا مجال لتصفية الحسابات.. فقد ذهب كل شىء، وذهب الرئيس، وذهب النظام، وذهب الشريف وعزمى وسرور وجمال وعز وغيرهم إلى سجن طرة.. أتصور أن اختيار «العدوى» كان موفقاً.. فقد كان شاهداً على عصر مبارك.. ويعرف أن الدولة كانت تدار كمحلات البقالة.. يطلع الصبح يرش الواد بلية المية.. ثم يقول يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم! معنى هذا أن القرارات لا تخضع لدراسة.. ولا يحكمها عقل.. ولا تقوم على رؤية ولا بصيرة.. أدت بنا إلى حالة من العشوائية.. سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.. وهى التى عجلت بنهاية عصر مبارك.. وبثورة لم تكن فى حسابات أحد.. لا فى الداخل ولا فى الخارج.. لا مؤسسة الرئاسة، ولا أجهزة المخابرات!