المعركة فى «الإنترنت»

فى الأسبوع الماضى، حضر الرئيس فعاليات الندوة التثقيفية ال 24 للقوات المسلحة؛ حيث تم التركيز على التحديات الخطيرة التى تواجهها الدولة فى سيناء فى إطار «الحرب على الإرهاب»، كما جرى استعراض مخاطر تلك الحرب، وتكاليفها، وبعض صور التضحية، وقصص الأبطال، الذين يبذلون أرواحهم هناك من أجل الذود عن شعبهم وحماية دولتهم.
مقالات متعلقة
* «تويبلوماسى»
* «سحرة فرعون» و«الأقل نزاهة».. الإعلاميون!
* كيف نحدّ من التطرف فى التعليم الجامعى؟
لم يعد هناك خلاف على خطورة التحدى الإرهابى، وقدرته على تقويض الدول، وإذلالها وإهانتها، لكن ثمة خلافات كبيرة على طرق التصدى لهذا التحدى.
البعض يرى خطورة الاستسلام لفكرة أن الحرب على الإرهاب هى حرب نظامية، يمكن أن تكسبها الدولة باستراتيجيات الحرب التقليدية وأدواتها، ويؤكد باحثون متخصصون أن أولى خطوات حسم المعركة مع الإرهاب تتعلق بإدراك التباينات بين الحرب النظامية، التى تتصارع فيها الجيوش التقليدية، والحرب اللامتماثلة التى يخوضها جيش نظامى ضد ميليشيات أو عصابات مسلحة.
فى تلك الحرب الأخيرة يتزايد الاعتماد على الدعاية ووسائل الإعلام والأدوات الاتصالية الحديثة، ليس فقط كأداة من أدوات «الحرب المعنوية»، ولكن أيضاً كأداة «قتال، وتجنيد، وتعبئة، وحشد، واتصال» رئيسة.
وفى حربنا ضد الإرهاب فى سيناء، يجب أن نعلم أن «الإنترنت» سلاح رئيس لدى «داعش»، وأنه لن يكون بوسعنا هزيمة هذا التنظيم، وأعوانه، وحلفائه، من دون أن ننتصر فى معركة «الإنترنت».
فى أكتوبر من العام 2014، حل الجنرال جون آلين، المنسق الأمريكى للتحالف الدولى ضد «داعش»، ضيفاً على الكويت، لحضور اجتماع بين دول التحالف، بشأن تنسيق الجهود ضد الدعاية الإعلامية للإرهابيين.
ومن بين ما قاله الجنرال الأمريكى على هامش هذا الاجتماع أن دول التحالف نجحت فى تكبيد «داعش» خسائر كبيرة على مستوى العتاد والأفراد، لكنها أخفقت فى مواجهته فى ساحة «الإنترنت»، بعدما اعتبر أن هذا التنظيم يمتلك «ماكينة دعائية رهيبة».
فى منتصف شهر أغسطس من العام 2016، نشرت مؤسسة «راند» الأمريكية بحثاً تحت عنوان «دراسة شبكات مؤيدى ومعارضى تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام على تويتر»؛ وهى الدراسة التى اهتمت بتتبع التغريدات التى تؤيد «داعش» أو تعارضها على موقع «تويتر»، فى الفترة من أول يوليو 2014، وحتى 30 إبريل 2015، حيث أمكن رصد 23 مليون تغريدة، صادرة عن 771 ألف حساب.
يعتقد الباحثون الذين أجروا الدراسة أن أسباب فاعلية التغريدات المؤيدة تكمن فى وتيرتها، وسبل الترويج الإلكترونى لها، عبر استخدام التقنيات الحديثة، وفى هذا الصدد وجدت الدراسة أن الحساب المؤيد يصدر نحو 60 تغريدة يومياً فى المتوسط.
يمتلك «داعش» استراتيجية إعلامية متكاملة، وتلك الاستراتيجية تحول القدرات الاتصالية التى يمتلكها التنظيم إلى «أداة قتال رئيسة»، ويمكن القول إن تلك الأداة بالذات هى الأكثر فاعلية ونجاعة بين الوسائل المختلفة التى يستخدمها لتحقيق أهدافه.
أوضحت دراسات عديدة حجم المنظومة الإعلامية/ الدعائية التى يستخدمها «داعش»، وتنوع وسائلها، وبات من المعروف أن تلك المنظومة تشكل آلية للدعاية، والاستقطاب، والتجنيد، والاتصال الميدانى، والتعبئة، والتدريب، وإصدار التكليفات، وصولاً إلى تنفيذ العمليات الإرهابية.
يقول الخبيران الدوليان «فيليب سيب»، و«دانا جانبك»، فى كتابهما «الإرهاب العالمى والإعلام الجديد»، إن عدد المواقع الإلكترونية التى تخدم الجماعات الإرهابية فاق 50 ألف موقع، وأن تلك المواقع لا يقتصر دورها على الاستقطاب والتجنيد، ولكنها تقوم أيضاً بالتنسيق الميدانى، والتدريب، وجمع المساعدات المالية، فضلاً عن أنشطة الدعاية.
وتتفق دراسات غربية عديدة على أن 80% من الأعضاء الذين يتم تجنيدهم للانضمام إلى «داعش» فى أوروبا يأتون عبر «الإنترنت».
ويذهب جيف باردين، الخبير فى قضايا الإرهاب الرقمى، إلى ما هو أبعد من ذلك؛ إذ يؤكد أنه قام بدراسة الأنشطة الإلكترونية لمجموعات إرهابية على مدى ثمانى سنوات، ليخلص إلى أن «داعش» يجند شهرياً أكثر من 3400 عنصر عبر حملات إلكترونية.
ويفسر نيك أوبرايان، الرئيس السابق لوحدة مكافحة الإرهاب فى الشرطة البريطانية، أسباب النجاح الباهر ل «داعش» فى استخدام وسائل التواصل الاجتماعى، بقوله: «إنها وسيلة تكنولوجية رخيصة الثمن، ويسهل التحكم فيها، سواء من مغارة فى جبال أفغانستان، أو من أى مقهى فى أى مدينة، قرب حاسوب مرتبط بالأقمار الاصطناعية... فالتغريدة لا تكلف شيئاً».
إن الحرب التى تواجهها مصر ضد الإرهاب ليست هناك فى هذا النطاق المحدود بين رفح والعريش والشيخ زويد، ولكنها حرب باتساع العالم، لأن أحد أهم أسلحتها الرئيسة هو «الإنترنت»، وهى حرب لن يمكن أن نربحها من دون أن نعرف كيف نجرد الإرهابيين من قدرتهم على استخدام الشبكة بفاعلية لصالح مشروعاتهم الشريرة.
اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة