محمد منصور تزايدت مؤخرا وتيرة الترشح لإنتخابات الرئاسة المصرية، وتزايد معها إهتمام المصريين بهوية المرشحين المحتملين لمنصب الرئاسة ومدى كفاءتهم ومقدرتهم على تحقيق مطالب الشعب بعد ثورتة العظيمة. وعلى الرغم من أهمية الإنتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها قبل الإنتخابات الرئاسية نهاية العام الجاري، إلا أنني أود تناول الأخيرة فقط في هذا المقال، حيث فرض ظهور ذلك العدد الكبير من المرشحين نفسة على الساحة السياسية في مصر، بما ينبيء بتنافس ديمقراطي شديد على منصب الرئاسة لا مثيل له في تاريخ مصر كله قبل الخامس والعشرين من يناير. أعلم أن الشعب المصري يتكون من طوائف متعددة وتيارات مختلفة يجمع بينها إنتماء كبير لمصر، ولكنني في هذا المقال سأفرق مرشحي الرئاسة - بناءا على مواقفهم من الثورة - إلى ثلاثة فرق رئيسة، أتصور أن يخرج من أحدها رئيس مصر القادم. الفريق الأول: هم مرشحون ينتمون وطنيا إلى تيار التغيير من الشعب الذي نادى بالثورة وأشعل شرارتها وقاد حركتها وما زال يكافح بها من أجل مصر حتى هذا اليوم. ويشمل هذا الفريق عدة طوائف (شبابية، دينية، ليبرالية، وغيرها)، جمع بينها أنها كانت المعارضة الحقيقية للنظام السابق، وكانت تحاول دائما مقاومة الفساد وإصلاح مصر بكل السبل الممكنة حتى قدر لها أن تشعل الثورة. هذا الفريق بمرشحيه هم الذين وقفوا بشجاعة ضد القهر والفساد في وقت لم يكن أحد يجرؤ فيه على مجرد تصور فعل ذلك - ناهيك عن القيام بثورة لإسقاط النظام. ومعظم هؤلاء قد قام بعديد من التضحيات و دفع الثمن غالياً، بداية من تحمل التخوين والإتهام، مرورا بالسجن والإعتقال، وإنتهاء بالإصابة أوالشهادة. الفريق الثاني: هم مرشحون مستقلون فكريا عن تيار التغيير الذي أحدث الثورة، وإن كان لهم دور هام فيها سابقا ولاحقا، هؤلاء كانوا كارهين لنظام الفساد، ولكنهم كانوا غير قادرين على مواجهته أو تقويمه علنا، وكانوا يؤثرون الإنضمام إلى الغالبية الصامتة من الشعب المصري وتجنب المواجهة مع الفساد في منهجهم للإصلاح. بطبيعة الحال كانت لهم مجهودات كبيرة ومؤثرة في مجالات الدعوة والتربية والأخلاق، ساهمت - لا إراديا، بشكل أو بآخر - في تهيئة معظم الشعب للمشاركة في الثورة عندما أتى وقتها، ومعظم هؤلاء انضموا لمساندة الثورة متأخرين، وذلك غالبا بسبب خوفهم من بطش النظام السابق وعدم إستعدادهم لمواجهته. الفريق الثالث: هم مرشحون ينتسبون نفعيا إلى النظام السابق، كانوا جزءا منه وموالون له بصورة كاملة، وكانوا من أشد الناس دفاعا عنه وإنحيازا له في أول أيام الثورة - بل طوال فترة حكمه، ثم بدأوا تدريجيا - أو فجأة - في التحول ضده عندما تبين لهم أنه قد إنتهى، وأن فرصتهم ستنتهي معه إن استمروا في تأييدية. وبذلك تحولوا خلسة وعلنا إلى تيار الثورة للمشاركة فيها وتأييدها والاصطفاف وراءها - أو في مقدمتها - متحججين بحقهم في الترشح للرئاسة لكونهم مواطنين مصريين. بعد هذا التقسيم المبني على مواقف فرق المرشحين من الثورة لا بد أن نسأل: أي من هذه الفرق الثلاثة ستفرز المرشح الذي يستحق أن يشغل منصب رئيس الجمهورية؟ ولكن ينبغي أولا طرح مجموعة أخرى من الأسئلة تتعلق بهذا التقسيم وتحتاج إلى إجابات واضحة من شأنها أن تلقي الضوء على فهم أسباب الإختيار: - هل نجحت الثورة؟ - ما هو معيار نجاح الثورة؟ - هل الشعب متفق على الثورة ونتائجها؟ - هل يجب أن يأتي رئيس مصر القادم من رحم الثورة؟ الهدف من هذه الأسئلة هو التشجيع على التفكير في مسوغات إختيار الرئيس القادم وعلاقة ذلك بالثورة، أما تحديد الإجابات فمتروك لكل مواطن بما يتراءى له. أما عن رأيي الشخصي في الفريق الذي يجب أن يخرج منه رئيس مصر القادم، فهو بدون شك الفريق الأول الذي قام بثورة عظيمة ضد الفساد، لم يهدأ غبارها حتى الآن. وسبب إختياري ليس فقط لأنهم أصحاب الفضل فيها، ولا لأن تضحياتهم تدل على وطنيتهم الحقة، ولكن لأنه قد تبين أنهم أصحاب أفضل رؤية يمكنها أن تقودنا جميعا لإكمال الطريق نحو النهضة المرجوة. والمنطق يقول: إن ثورة كهذه، كما أسقطت نظاما لابد وأن تأتي بنظام جديد، وكما رفعت الرأس لابد وأن تأتي بالرئيس. أما الفريق الثاني الذي إنضم للثورة متأخرا، فلا يمكن إنكار أن لهم الحق أيضا، وخاصة أنهم يمثلون الغالبية الصامتة والتي بدأت تستيقظ، وسيكون أمرا مفهوما أن يأتي الرئيس القادم بإختيار هذا الجزء الكبير من الشعب بالرغم من أن طموحاته تقل عن طموحات الثورة كثيرا. أما الفريق الثالث، فلا يعقل صراحة أن يخرج لنا هذا الفريق رئيسا يستطيع أن يمثل الثورة أو يعبر عن مطالب شعب عاش في معانة من فساد هذا الفريق ذاته لسنوات طويلة.. فكفى بالله عليكم؛ إرحموا هذا الشعب وابتعدوا عن القيادة لفترة تراجعون فيها أنفسكم وتصححون فيها أخطاءكم عسى الله أن يغفر لكم.. أما عن القوات المسلحة، فبالإضافة إلى كونها جزءا من الشعب - وتشمل هذه الفرق الثلاثة - إلا أن المجلس العسكري قد أعلن صراحة أنه يمهد إلى الإنتقال بمصر إلى النظام المدني وأن المؤسسة العسكرية ستؤيد حق الشعب في إختيار الرئيس القادم بصورة ديمقراطيه كاملة دون أي تدخل منها. وأخيرا، لم أري داعيا لمناقشة أسماء مرشحي الرئاسة في هذا السياق لأن الهدف هنا هو طرح وجهة نظر عامة في كيفية إختيار الرئيس، وستكون هناك فرصة لاحقا للحديث عن المرشحين وعن برامجهم لإصلاح مصر والنهضة بها إن شاء الله .. http://masryyat.blogspot.com/