تتميز التجربة البرلمانية فى مصر بالعراقة والثراء أيضا، فقد قاربت قرنين من الزمان حيث بدأت إرهاصاتها الأولى فى عهد محمد على باشا، وتبدت ملامحها الواضحة فى عهد حفيده الخديو إسماعيل ورغم أن نظام الحكم فى عهد محمد على باشا كان يكرس لحكم الفرد، إلاَّ أن محمد على كان يميل إلى مشاورة مستشاريه، ومن هنا جاءت فكرة المجالس أو الدواوين التى أسسها، وأنشأ المجلس العالى ثم أعقبه إنشاء مجلس المشورة فى 1829 ثم أسس إسماعيل أول مجلس نيابى فى 1866 ومن أوجه الثراء فى التجربة البرلمانية تلك الأحداث الساخنة التى شهدتها الحياة النيابية سواء بعقد البرلمان أو حله أو النزاع الحزبى أو ميلاد دساتير جديدة أو صدامات بين الجبهات الوطنية والأنظمة المتعاقبة أو اندلاع مظاهرات وثورات كان من توابعها ميلاد جديد للبرلمان أو الدستور بين فترة وأخرى أيضا. ونحن هنا نستعرض المحطات الرئيسية للمسيرة النيابية الطويلة وما صاحبها أو سبقها من دراما وأحداث فارقة بدءا من عهد محمد على باشا وصولا إلى الحياة البرلمانية بين ثورتين: ثورة 23 يوليو وثورة 25 يناير. محمد على باشا.. «المشورة» بداية المجالس التشريعية محمد على باشا ظل نظام الحكم فى عهد محمد على باشا يكرس لحكم الفرد، غير أن الفرق بينها وبين ما كانت عليه فى عهد المماليك أن محمد على وضع نظاما لإدارتها، فحل هذا النظام محل الفوضى والارتباك، كما أن محمد على كان يميل إلى مشاورة مستشاريه، ومن هنا جاءت فكرة المجالس أو الدواوين التى أسسها، وفى 1829 أنشأ محمد على مجلس الشورى وقد ذكرت الوقائع المصرية نبأ انعقاد مجلس الشورى الذى أمر محمد على بتشكيله لأول مرة فى عصر يوم 2 ربيع الأول من هذه السنه «2 سبتمبر وفى قصر إبراهيم باشا (القصر العالى بجاردن سيتى) وتحت رئاسته ونشرت الوقائع أسماء أعضاء هذا المجلس البالغ عددهم 156 عضواً منهم 33 من كبار الموظفين والعلماء و24 من مأمورى الأقاليم و99 عضواً منهم 33 من كبار الموظفين والعلماء و24 من مأمورى الأقاليم و99 من كبار أعيان القطر المصرى. وعلى الرغم من أن جميع الأعضاء قد اختيروا بالتعيين وليس بالانتخاب فإنه من الممكن اعتبار مجلس المشورة، نواة المجالس النيابية فى مصر إلا إذا اعتبرنا الديوان الكبير الذى أنشأه نابليون هو هذه النواة ولقد أصدر مجلس المشورة قراراً بإنشاء معهد لتخريج الكتبة اللازمين لإدارة مصالح الحكومة فى أنحاء البلاد كما نجد فى قراراته اختيار مائة غلام من كل قسم من أقسام القاهرة وبولاق ومصر الجديدة وعددها عشرة فتكون الجملة هى ألف غلام، لتشغيلهم بالأجرة فى فابريقات الحكومة وقرار آخر يجمع الصالحين من المتسولين (الشحاذين) للالتحاق بهذه الفابريقات على أن ترتب لهم أثناء التدريب أرزاق يومية، وبعد تعلمهم الصنعة ترتب الأجور اليومية المناسبة. المزيد إسماعيل باشا.. انطلاق النظام الدستورى فى الحكم الخديوي إسماعيل - صورة أرشيفية توفى سعيد باشا سنة 1863 وكان شريف باشا وزيرا للخارجية فى عهده فاحتفظ بمقامه، بل زادت منزلته فى عهد إسماعيل، إذ كان الخديو يقدر صفاته الممتازة منذ زامله فى الدراسة، فعهد إليه بوزارتى الداخلية والخارجية معا، ولما سافر إلى الأستانة فى يوليو سنة 1865 جعله «قائم مقام» عنه مدة غيبته، وهو مركز رفيع لم ينله أحد من قبل من غير العائلة المالكة.المزيد الخديو توفيق.. الثورة العرابية تسقط وزارة رياض وتشكل «النواب» الخديو توفيق كان شريف باشا رئيسا للوزارة، حينما تم خلع إسماعيل، فاستقال من الرئاسة عقب ولاية توفيق باشا اتباعا للعادة المألوفة عند تغيير ولى الأمر، وعهد إليه الخديو توفيق تأليف الوزارة فألفها، وكانت ثانية الوزارات التى رأسها ولم يكن توفيق ليرضى عن نزعة شريف الدستورية، ولم يكن إبقاؤه إياه فى الوزارة عند ولايته العرش إلا لتمر الأيام الأولى من حكمه فى هدوء وطمأنينة، فلما انقضت تلك الفترة، بدا على توفيق أنه لا يرغب فى بقاء شريف باشا، وظهر الخلاف بينهما على نظام الحكم، فإن شريف طلب إلى الخديو تشكيل مجلس النواب، فرفض طلبه، واستقالت الوزارة فى أغسطس 1879.المزيد الملك فؤاد.. وثلاث محطات برلمانية ساخنة الملك فؤاد من 1923 إلي 1924 أول انتخابات برلمانية رئيس الوزراء ووزير الداخلية ومنظم الانتخابات يحيي ابراهيم باشا يخسر أمام مرشح الوفد فى منيا القمح تألفت وزارة يحيى باشا إبراهيم فى الخامس عشر من مارس عام 1923، بغير برنامج، وسميت «وزارة إدارية» وسلكت مسلك سابقتها «وزارة توفيق نسيم باشا» حتى إن خمسة من أعضائها كانوا فى وزارة نسيم بل وحذت حذوها فى التمادى فى السكوت على ما أسقطته وزارة نسيم فى المواد الخاصة بالسودان وارتفعت أصوات الاحتجاجات على تشويه الدستور والعبث به ومن هذه الاجتماعات خطاب مطول جداً بعث به عبدالعزيز فهمى باشا إلى رئيس الوزارة الجديدة يحيى إبراهيم باشا طالبه أن يعلن عن الدستور دون بتر وتشويه وأتبعه بخطاب آخر له فى نفس الصدد. المزيد رؤساء البرلمان منذ تأسيسه الملك فاروق - صورة أرشيفية عهد الخديو إسماعيل باشا