بسم الله الرحمن الرحيم بداية حمدا لله الذي أرسل رسل رسله وأنبيائه بمهنة واحدة ورسالة واحدة ، فكانوا أول معلمين عرفتهم البشرية ، ثم إنني أصلي وأسلم على من قال عن نفسه :" إنما بُعِثْت ُ معلما ً " . إن الله عز وجل جعل أنبيائه معلمين للبشرية ، فعلموا الناس الخير والشر ، وكان أول ما نزل من القرءان " اقْرَأ " ، وفي هذا إشارة واضحة إلى دور العلم والمعلم ، ونجد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول :" إن الله وملائكته حتى النملة في جحرها والحوت في البحر ليصلون على معلم الناس الخير " ( رواه الترمذي ) ، ونجده أيضا كما أسلفنا في المقدمة أنه ( عليه الصلاة والسلام ) ما بُعِث إلا معلما ؛ إذن فالمعلم مهنة ورسالة سماوية ، ومهنة نبوية ، ورسالة لها قدسيته وسموها من الله - عز وجل - ، وقديما قرأت أن أفلاطون وصى بأن يكون للمعلم حالة خاصة ، وكادر يحوطه ولا يخرج منه ؛ فينظر الناس إليه من خلال كادره باحترام ؛ فلا يخالط الناس ولا يظهر في الأماكن العامة ، ولا يتواجد في الحانات ، قريب من هذا المعنى الذي رمى إليه أفلاطون هو معنى النبوة ، وإنني رأيت المعلم هكذا له قدسيته واحترامه ، لنفسه أولا . هذه هي مهنة التعليم كما فطرها الله ووصى بها ، ونحن اليوم - كمعلمين - نجد أن التعليم هي أحط مهنة ، بل قالوا عنها :" مهنة من لا مهنة له " ، ووجدنا أن المجتمع ينظر إلى المعلم بعين الإعلام - كما صورها - المنتهز ، مهلهل الثياب ، أكول ، لا مبدأ له ، يجري وراء المال أنى رآه ، فهان المعلم في عين المجتمع كله - اللهم إلا قليلا - ، وأمام تصور الإعلام عن المعلم الذي راح يبثه في مسلسلاته وأفلامه ، استشرى في المجتمع تلك النظرة المهينة للمعلم ، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى ، كانت نظرة الدولة إلى المعلم نظرة ظالمة فحرمته من أبسط حقوقه وأهمها ؛ وهي حياة الآدميين ؛ الحياة الحرة الكريمة ، التي لا تُلجأ المعلم إلى أن يمد يده إلى غيره ليتقوت باقي الشهر ، فأعطت غيره بلا حساب ولا عتاب ، وراحت تكيل له بميزان حساس للغاية ، يأبى أن يعطيه أكثر من حقه - في تصور الدولة أن هذا حقه - إذا ما طمع الميزان إذا يعطيه أقل من حقه ، هان المعلم على حكومته ، أعطته الحكومة مرتبا شهريا لا يكفي لمصاريف أولاده اليومية ، بل قل لو عانى أحد أفراد أسرته وذهب للطبيب لاستخرج الطبيب مرتب المعلم في كشف واحد ، حتى في الأيام الأخيرة إذا ما أرادت الحكومة أن تعين معلمين جددا وضعت قيودا على تعيينهم فشهادة ( ICDL ) واختبار كادر - وكأن كلية التربية غير معترف بها في عرف الحكومة - ودبلومة مهنية ... إلخ والمعلم مع كل هذا لا حل له إلا أن يتحلى بالصبر ، ينظر بعين المترقب أن يأتي أحد وينادي بتحسين وضعه ، فلا يجد إلا عمال البنوك الذين يتقاضون الآلاف وغيرهم من موظفي البريد والبترول والكهرباء يحتجون على أوضاعهم المتدنية فتقوم لهم الدنيا ولا تقعد ، يلبون لهم مطالبهم ، يرفعون الأجور ، يجعلون حوافزهم خارج حساب العقل ، والمعلم يتابع بحرقة وحسرة ما يجري حوله ، ينظر كأنه من عالم آخر ، وكأنه عبد ذليل في هذه الدولة ، مربوط بقيد من حديد ، مكبل اليدين معصوب العينين ، ولكن إلى متى ؟ إلى متى يقف المعلم موقف المتفرج ؟ موقف التحسر على حاله ، يظل فقط يستمع إلى نداءات الاستعطاف بأننا معلمون ولنا كرامتنا ومربون للأجيال ، ولا يصح لوضعنا أن نتظاهر أو نعتصم أو نضُضْرِب عن العمل ، لا يا سادة ، لقد سلكنا أكثر من مرة القنوات الشرعية في التعبير عن مطالبنا ، أرسلنا الشكاوى والفاكسات والإيميلات ، عقدنا المقابلات مع السيد الوزير ، وماذا حدث ، تجاهل ، وعود براقة ... إلخ . إننا يا سادة أفضل وزارة منتجة - إذا ما نظرنا إلى الهيئات المنتجة وغير المتجة - إذ أننا يخرج من تحت أيدينا الطيار والمهندس والطبيب والكيميائي ، الجميع يخرج من تحت أيدينا ، نعلم القيم ، نكسب النشء الثقافات والمعلومات ، نربي من غير صلة الأبوة أو الأمومة ، ثم إنكم كيف سلمتمونا أطفالكم نربيهم ونعلمهم ؟ أليس ثقة منكم بنا ؟ نجد المهتمين بحال الدولة - بعد الثورة - يعول الإصلاح على التعليم ،ويقول الجميع - في جميع وسائل الإعلام - إن التعليم هو دوره الأوحد في إصلاح البلد وتقدمها ونشأتها نشأة حضارية ، الجميع يتشدق بهذا ، ولم أشاهد واحدا من هؤلاء يقول لا بد أن نحسن أوضاع المعلم ، ولا نجعله يلجأ إلى دروس خصوصية ولا غيره ، يحارب المجتمع المعلم على أنه انتهازي بإعطائه الدروس الخصوصية ، ولم أجد أحدا تكلم عن الطبيب الذي يترك عمله بالمستشفى - وطيفته - ويكشف في عيادته الخاصة . اللهم إن شكوانا لله وذلنا له ، علينا متطلبات لمجتمعنا سنؤديها بإذن الله ، وعلى المجتمع أن يفتح أذنيه لنا ، ولا بد عليه ، يا سادة ستجدون معلمين بشكل آخر يعبرون عن أنفسهم يدافعون عن حقوقهم ، ستجدون للمعلم صوتا يُسمع ، ونبضا يُحس ، مضى عهد المسكنات .