بدأ يوم أمس بداية غير تقليدية، فقد إستيقظت فى صباح ملىء بالأمل و التفاؤل. كنت ذاهبة الى وزارة الصحة المصرية لقبول نقل تكليفى من تلك المحافظة البعيدة الى محافظتى التى اسكن بها مع والدى... كان الأمر أشبه بحلم فما كان نقلى ليحدث قبل مرورنا بتلك الفترة الغامضة المليئة بالأحداث المتسارعة التى إنتهت بفرحة الإنتصار و شوق الى مستقبل مفعم بالعدل و الحرية و المساواة. كان قرار نقل بعض زملائى قد صدر و لا يفصلنى عن قبول قرار نقلى سوى ذلك المشوار الثقيل الى مصلحة من مصالح الحكومة و الذى يذكرنى بالماضى القريب حين كنت أذهب الى أى مصلحة حكومية متسلحة بقدر كبير من الصبر و الروح الدعابيةالتى تقتضيها المواقف المختلفة لإنهاء أمر ما مع موظف سخيف بل و أيضاً ذلك الشعور البغيض بالمهانة و الظلم و الشحاتة.... ركبت السيارة، كان الطريق مزدحماً فى بعض المناطق، قمت بإدارةالراديو و إنبعث على الفور صوت بعض الشباب و الأطفال الذين يحلمون بمصر جديدة مختلفة عما إعتادوه و يصيغون أحلامهم فى جمل قصيرة أشبه بالحلم الذى أصبح الآن فقط من المشروع تحقيقه، فبالتأكيد قد دفع الثمن و أصبح المصريون جديرين بتلك الأحلام و إنتهت تلك الفقرة بتعقيب رائع "مصر بتتغير و إحنا كمان لازم نتغير" زاد أملى فى قضاء ذلك المشوار و بدأت أضيف من عندى بعض أحلامى لبلادى "بأحلم يا مصر ...............". وصلت الى شارع الفلكى و ركنت السيارة. رأيت الأمل و التفاؤل فى عيون المارة فى الشارع فى طريقى لداخل الوزارة.دخلت من الباب الكبير المؤدى لساحة واسعة ننتظر فيها المصعد. إنتظرت دورى للصعود للدور الثامن فهناك سوف التقى ب "مصرى الجديدة" ... لم يتغير شىء منذ أول مرة زرت المكان. نفس ذلك الشخص الظريف المسئول عن المصعد الذى يرصد أحداث الوطن و الوزارة بروح مصرية فكاهية و يحكيها مع الموظفين أثناء صعودهم و نزولهم بين طوابق الوزارة لإكمال أعمالهم خصوصاً بعد أحداث الثورة و التغييرات الوزارية المتلاحقة التى جعلته ما يكاد يحفظ إسم الوزير المسئول عن مكان عمله حتى يتغير مرة أخرى. وصلت الى الدور الثامن، كل شىء طبيعى غير اننى لاحظت عند مدخل الممر المؤدى للمكاتب جهازاً اسود صغير ملتصقة عليه ورقة صغيرة مكتوب عليها شىء بخط غير واضح... لم أهتم بها فقد كان يملأنى الحماس لقبول قرار نقلى فإندفعت مسرعة الى داخل الممر من أمام الجهاز... فى طريقى الى مكتب الموظفين لاحظت بعض الأوراق المعلقة على الحائط بأسماء الأطباء المنقولين و أسباب قبول نقلهم، و رغم عدم إقتناعى بوجود شروط لقبول النقل الا ان هذا هو كل ما إستطاعت دفعتى الحصول عليه بعد الكثير من الإجتماعات و الإعتصامات التى قام بها الزملاء لعدة أسابيع للحصول للبعض منا على بعض حقوقهم !!! إمتلأت يقيناً من قبول طلبى لأن حالتى مطابقة لكثير من الحالات المقبولة كما أن ملفى مدعم بالمستندات اللازمة. جلت بنظرى سريعاً مرة و مرات بين الأسماء و لكن لم أجد اسمى !!! ذهبت لمكتب الموظفين الذين استلموا منى الملف و هناك أفقت من احلامى على مشاهد اسوأ من الكابوس؛فهذا يقول لى: روحى مشوار و تعالى بعد ساعتين الدنيا تكون هديت ندور على ملفك برواقة طب يا أستاذ كمان ساعتين تكون الساعة 3 آه عادى ما إحنا بنقعد لحد 5 احاول إقناعه بالمساعدة فى البحث عن ملفى و لكن هذا هو الرد: الملف غير موجود هنا و لكن سنحضره أكيد لكن بعد الساعة 3!!! يا لها من بداية رائعة ليوم ملىء بالأمل و الإشراق... أثناء مرورى بالطرقة صادفت شخصاً لا أعلم بالضبط ما صفته و لكنهم ينادونه يا دكتور و يجتمع حوله عدد كبير من الأطباء و الطبيبات ليساعدهم فى إيجاد حلول لمشاكلهم، يعرضون عليه أوراقهم و يوجههم الى مقصدهم. وقفت أمامه لأسأل فإذا بى أشاهد مشهداً غريباً ذكرنى بذلك الموظف فى فيلم أرض النفاق الذى وقف أمام فؤاد المهندس ( مدير المصلحة ) و كان يقنعه بأنه يؤدى عمله بإخلاص و تفانى لأنه يتابع اللجان المشكلة - لجنة منبثقة من لجنة- فقد أكد السيد الدكتور على ضرورة عرض ملفى على اللجنة القادمة رغم إكتمال أوراقى و إنه عرض من قبل على اللجنة السابقة!!! و نصحنى بكتابة طلب جديد ليرفقه بالقديم و بعد مناقشة حادة حول جدوى او مبرر لتلك الخطوة قال لى : إكتبيه و إدخلى للوكيل و قولى له سأعيد الطلب لأن ورقى لم يكن كامل فى الملف الأول...!!!!! يا للهول و لااااااا تعليق... دخلت للوكيل و معى الطلب الجديد و صورة من الملف القديم الذى لم يبحث عن أصله موظف الساعة 3 بعد... و بعرض الطلب عليه أمر الموظفة المسئولة بالبحث فوراً عن أصل الملف و توجهنا الى نفس المكتب الذى إدعى موظف الساعة 3 انه مش موجود فيه! ووجدنا الملف فى 10 دقائق ومكتوب عليه تقرير منهم بأن شروط النقل مستوفاة!! دهشت الموظفة و رجعنا لمكتب الوكيل و هى لا تفهم ما حدث فى تلك اللجنة العجيبة السابقة. نظر السيد الوكيل الى الورق و بدأ بكتابة شىء ما " يعرض على اللجنة القادمة..." بدأت بالإعتراض: و لكن لماذا؟ ما الفرق بين اللجنتين و الملف اصلاً لم يختلف ولم يرفق به اى مستندات إضافية لأنه فى الأصل كامل؟؟؟ ايه انتى مش عايزة تمشى قانونى؟ قانونى؟؟؟!!!! ماشى... امرى لله خرجت من مكتبه بعد التأكد من موعد اللجنة القادمة. مشيت فى نفس الممر للعودة الى المصعد و أثناء مرورى من امام الجهاز الموضوع فى مدخل الممر شعرت بوخزة خفيفة... حفزنى الإحباط و الفضول لإستكشاف الجهاز فإقتربت بحذر و حدقت فى الورقة الملصوقة عليه و التى يبدو على خط من كتبها إنه يتعمد إخفاء شىء ما فلم يحسن الخط متعمداً و هالنى المكتوب : ( آلة الزمن هذا الجهاز يطلق اشعاعا يعيدك الى عهد ما قبل ثورة 25 يناير... نياهاهاها ) !!! نزلت الى الشارع و قد عاد كل شىء طبيعياً و الأمل مازال يملأ عيون المارة بطول الشارع. هطلت الأمطار فوق رأسى فى طريقى للسيارة و إنبعثت أغنية إزاى لمحمد منير من محل صغير على جانب الطريق صائحاً: أنا طفل إتعلق بيكى فى نص السكة و توهتيه... طبيبة أسنان/ ساندرا وجدى بباوى 4/4/2011