يعد أمير الصحافة المصرية محمد التابعي أحد ضحايا حرية الرأي والموقف الصحفي الجرىء والمشرف، ولم يخش في الحق لومة لائم ولم يضع اعتبارا للعاقبة والضريبة وإن أدي به موقفه في النهاية إلى «قرة ميدان». لقد كتب التابعي يقول :«رسالتي الصحفية أن أحارب الظلم أياً كان وأن أقول ما أعتقد أنه الحق ولو خالفت في ذلك الرأي العام«وكان أن ذهب إليه الأخوان مصطفي وعلي أمين وكانا يعملان معه في «آخر ساعة» ليطلبا منه وقف حملته ضد على ماهر لأن الرأي العام والطلبة معه، وقالا له: إن الاستمرار في ذلك سيؤثر عليه وعلي مجلته، لكن التابعي رفض وقال: إن الرأي العام مخدوع فيه وفي سياسته، وأنه سيكشف ذلك للرأي العام، وأضاف بعصبية: أنا لا أسكت على الحال المايل، والصحافة تستطيع أن توجه الرأي العام، لا أن تتملقه أو تكتب ما يسره ويرضيه هكذا كان التابعي لا يأبه بعواقب رأيه الحر، وهكذا كان نهجه مع كل الوزارات بما في ذلك وزارة ثعلب السياسة المصرية إسماعيل صدقي. وهناك واقعتان أساسيتان في محطات التصادم بين التابعي والسلطة، بدأت إحداهما مبكراً منذ أيامه الأولي في مجلة «روزاليوسف» رغم أنه كان موظفاً في الحكومة آنذاك، إلا أن هذا لم يمنعه من أن يهاجم الحكومة ورئيسها، فشن حملة صحفية ضد ملوك وملكات أوروبا، مما دفع به مبكراً إلى قاعات المحاكم وحكم عليه بالسجن ستة أشهر مع إيقاف التنفيذ، وحينما كتب التابعي مقاله الشهير في هذا السياق، الذي كان يحمل عنوان «الحياة الخاصة لملوك وملكات أوروبا تحت جنح الظلام» كانت فاطمة اليوسف في فرنسا، وكان إبراهيم خليل هو رئيس التحرير بالنيابة، ولأن المقال كان بدون توقيع فقد ضغطت النيابة على إبراهيم خليل الذي اعترف أن كاتب المقال هو محمد التابعي، غير أن هذا لم ينقذ إبراهيم خليل، بل أودع نفس الزنزانة مع التابعي. وظل التابعي وخليل رهن الحبس أربعة أيام على ذمة التحقيق إلى أن أحيلت القضية للمحكمة التي حكمت عليهما بستة أشهر مع إيقاف التنفيذ، وكانت هذه القضية السبب في شهرة التابعي وفقدانه وظيفته الحكومية. أما المواجهة الثانية للتابعي مع السلطة فكانت متعلقة بقضية «الحصاينة» وكان نفر من رجال الإدارة قد ذهبوا إلى قرية «الحصاينة» مركز السنبلاوين وعطلوا «وابور» ماكينة الطحين ومضرباً للأرز يملكهما الشيخ طلبة صقر الذي كان من الوفديين المعروفين، ورفع الشيخ دعوي أمام المحكمة ضد صدقي باشا، فأرسلت الإدارة البوليس لكي يمحو معالم ما أفسده قبل أن تثبت المحكمة الحالة. وتصدي الشيخ صقر وأنصاره للبوليس فأطلق البوليس النار وسقط ثلاثة قتلي والكثير من الجرحي، وحوصرت القرية أياماً طويلة، وتم الزج بالكثير من أهلها في السجون، وترتبت على هذه الإجراءات القمعية أزمة في وزارة العدل، وحققت النيابة في الموضوع، وكتب النائب العام تقريراً يطلب فيه الإفراج عن الأهالي، ورفع الدعوي أمام مأمور المركز بتهمة التزوير في أوراق رسمية. من جانبه تصدي التابعي لما حدث من ممارسات بوليسية قمعية وكتب في «روزاليوسف» تعليقاً ساخراً قال فيه: "إن وزير العدل أحمد باشا على قرأ تقرير النائب العام ثم هز رأسه وقال نفرج عن الأهالي معلهش أما أن نحاكم المأمور بتهمة التزوير فلا وأسبل القانون رمشه فصرف النظر عن الموضوع"، وفي مذكراته الجميلة التي كان يكتبها التابعي في «آخر ساعة» كتب في 3 يوليو 1968 عن ذكرياته بخصوص هذه القضية وقال: انتهي التحقيق بتوجيه تهمة القذف والسب في حق وزير الحقانية والعدل وفي حق النائب العام غير أن المحكمة قامت بتبرئة التابعي من تهمة السب والقذف في حق وزير العدل والنائب العام، ولكنها أدانته بالقذف في حق مأمور مركز السنبلاوين وصدرالحكم ضده بالحبس أربعة أشهر في سجن «قرة ميدان» بدءاًمن 22مايو 1933، وفي السجن التقي التابعي بكل من عباس العقاد ومحمد توفيق دياب.