لبناء جيل مبتكر ومبدع.. جامعة أسوان تطلق مبادرة «بناء إنسان.. طالب متميز»    12 عضوًا بمجلس إدارة غرفة الصناعات المعدنية لدورة 2025–2029    توفيت أمام طلابها في طابور الصباح.. محافظ أسوان ينعي معلمة لغة ألمانية    روسيا تعرب عن قلقها إزاء انتهاكات حقوق الإنسان في الفاشر بالسودان    بتروجت يتقدم على الأهلي في الشوط الأول بالدوري الممتاز    المنتخب الوطني تحت 17 عاما يتدرب على مرحلتين استعدادا لكأس العالم    القصة الكاملة لجريمة الهرم.. الزوج يروي مأساة «زيزي» وأولادها والمحامي يكشف تفاصيل انتقام المتهم    ضباب وأمطار.. حالة الطقس غدًا الخميس 30-10-2025 في السعودية    مصدر أمني ينفي غلق بعض الطرق تزامناً مع افتتاح المتحف المصري الكبير    رحمة محسن تثير الجدل وتتصدر التريند.. لهذا السبب    فيلم «هرتلة».. رحلة منع العرض وموافقة الرقابة وإشادات النقاد    الصحة تكشف عن إنجازات تحققت في تمكين المرأة صحيًا واقتصاديًا    رئيس جامعة القاهرة يهنئ أساتذتها بقرار رئيس الوزراء باللجنة العليا للمسئولية الطبية    اختتام دورة تدريبية بمركز بحوث الصحراء بمطروح حول الإدارة المستدامة للمياه والتربة بمشاركة دولية    وزير خارجية الصين: مستعدون لتعزيز التعاون مع الجزائر    هل يجوز للزوجة التصدق من مال البيت دون علم زوجها؟.. أمين الفتوى يجيب    السفير الفرنسي بالقاهرة يثمن جهود مصر في وقف إطلاق النار بقطاع غزة    وزير العمل: الدولة لا تتهاون في تطبيق الحد الأدنى للأجور وحماية الطرفين داخل منظومة العمل    كيف أتخلص من التفكير الزائد قبل النوم؟.. أستاذ طب نفسي يُجيب    وزير خارجية إستونيا: بوتين يختبر الناتو ولا نتوقع اجتياح ليتوانيا    وزيرة الخارجية الفلسطينية: نحاول توجيه البوصلة الدولية حول ما دار في مؤتمر نيويورك    افتتاح قصر ثقافة الطفل بسوهاج    مصطفى قمر يطرح أولى أغاني ألبومه الجديد بعنوان "اللي كبرناه"| فيديو    الشيخ خالد الجندي: الغني الحقيقي هو من يملك الرضا لا المال    مجلس الزمالك.. لقد نفد رصيدكم!    الإمام الأكبر يخاطب المفكرين والقادة الدينيين فى مؤتمر السلام العالمى بروما    الإسكندرية تستعد ب22 شاشة عملاقة لنقل احتفالية افتتاح المتحف المصري الكبير    مؤتمر إقليمى لتفعيل مبادرة تمكين بجامعة العريش    سقوط نصاب الشهادات المزيفة في القاهرة بعد الإيقاع بعشرات الضحايا    باسل عادل: المتحف المصرى الكبير نقطة تحول حضارية فى مسار الوعى الوطنى    شاشات بميادين كفر الشيخ لنقل حفل افتتاح المتحف المصري الكبير    رئيس الوزراء القطري: نحاول الضغط على حماس للإقرار بضرورة نزع سلاحها    آرسنال يخطط للتجديد مع ساكا ليصبح الأعلى أجرًا في تاريخ النادي    انطلاق الاختبارات التمهيدية للمرشحين من الخارج في المسابقة العالمية للقرآن الكريم    خلال ساعات.. موعد إلغاء التوقيت الصيفي 2025 في مصر وتأخير الساعة 60 دقيقة    أول مسلة معلقة فى العالم على عملة المتحف المصرى الكبير التذكارية.. صور    مدافع النصر السعودي يغيب عن لقاء الفيحاء    محافظ شمال سيناء يستقبل عدداً من مواطني إزالات ميناء العريش    مصر تشارك في اجتماع مصايد الأسماك والاستزراع المائي بالاتحاد الإفريقي في أديس أبابا    محافظ الدقهلية يتابع من مركز سيطرة الشبكة الوطنية محاكاة التعامل مع مياه الأمطار وحركة المواقف ومستوى النظافة    «الخطيب أخي وأوفينا بما وعدنا به».. خالد مرتجي يزف بشرى لجماهير الأهلي    انتشال جثة شاب لقى مصرعه غرقا في بحر شبين بالمحلة    تعديل موعد مباراة برشلونة وأتلتيكو في الدوري الإسباني    «نرعاك في مصر» خدم أكثر من 24 ألف مريض من 97 دولةً بإيرادات تجاوزت 405 ملايين دولار    كليتى العلوم وتكنولوجيا التعليم ببنى سويف يحصلان على جائزة مصر للتميز الحكومى    مصرع طفلة صدمتها سيارة أثناء عودتها من الحضانة فى البدرشين    حبس المتهم بقتل شاب بسبب معاكسة الفتيات ببنها في القليوبية    "أتوبيس الفن الجميل" يصطحب الأطفال في جولة تثقيفية داخل متحف جاير أندرسون    بينها «طبق الإخلاص» و«حلوى صانع السلام» مزينة بالذهب.. ماذا تناول ترامب في كوريا الجنوبية؟    أسقفا الكنيسة الأنجليكانية يزوران قبرص لتعزيز التعاون الإنساني والحوار بين الكنائس    "ADI Finance" توقع اتفاقية تمويل إسلامي بين البنك الأهلي لدعم أنشطة التأجير والتمويل العقاري    الداخلية تكشف حقيقة فيديو سائق سوزوكي طمس لوحات سيارته في البحيرة    كيف تُعلّمين طفلك التعبير عن مشاعره بالكلمات؟    الدكتور أحمد نعينع يكتفى بكلمتين للرد على أزمة الخطأين    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29-10-2025 في محافظة الأقصر    الخارجية تشكر الرئيس السيسى على ضم شهدائها للمستفيدين من صندوق تكريم الشهداء    مصر تتسلم رئاسة المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية «الإنتوساي» ل3 سنوات (تفاصيل)    ناجي حكما لمباراة الزمالك والبنك في الدوري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جمهورية قصر العينى.. التنصُّت أثناء الجراحة
نشر في المصري اليوم يوم 27 - 02 - 2016

حضر رجل فى أوائل الثلاثينيات من عمره إلى عيادة القلب بمستشفى قصر العينى يعانى من هبوط مزمن فى القلب، بدأ حسب وصفه بعد جراحة استئصال البواسير الشرجية فى عيادة خاصة لأحد الأطباء. وكانت مناقشة حالته فى المرور الأسبوعى العلمى لها مسار متشعب وشديد الجدل. فالكشف الطبى والأبحاث اللازمة أثبتت أنه يعانى من جلطة حديثة بالقلب. وعنصر الاهتمام بهذه الحالة أن المريض كان صغير السن ولم يعان من أى شكوى سابقة تدل على أنه كان يعانى من أعراض قصور الشرايين التاجية أو ارتفاع ضغط الدم أو مرض السكر، وكانت نسبة كوليسترول الدم فى حدود المعقول. وهو لم يكن مدخناً، وعمله يستدعى حركة ونشاطاً بدنياً يومياً دائماً. وكانت الأسئلة المتشعبة من الحاضرين من الأطباء هى: هل هذا نوع من أعراض مرض غريب يطلق عليه «مرض الموت المفاجئ»؟ وهو مرض نادر يصيب فى الكثير من الأحيان الشباب، وأعراضه الأولى والأخيرة هى الموت المفاجئ لإنسان سليم تماماً وغالباً أثناء النوم!! ولم تُكتشف أسباب علمية مؤكدة لحدوثه حتى الآن، ويبدو أنه فى حالة هذا المريض لم تكتمل الأعراض إلى آخرها أو الموت المفاجئ، ولكننا فى حالته نشاهدها الآن بشكل جلطة فى الشريان التاجى لم تؤد لحدوث الوفاة. وأثار أحد الأطباء سؤالاً مهماً: ولماذا لم تحدث الجلطة أثناء جراحة البواسير والمريض مخدر وغائب عن الوعى فلم يشعر بأعراضها من ألم شديد بالصدر.. والأعراض الأخرى؟
مقالات متعلقة
* قصر العينى صرح يحتاج إلى دعم عاجل
* «الجنزورى» يعود لقصر العينى
وكان جمع الحاضرين فى هذا المرور العلمى لقسم القلب يتكون من عدة أساتذة، ومدرسين وطلبة الدراسات العليا، فأخذت المناقشة صبغة علمية مطولة عن: ما هى أدوية التخدير التى قد تسبب اختلال ضربات القلب؟.. أثر إقلال نسبة أكسجين الدم، اختلال نبض القلب.. توقف القلب.. علامات الجلطة القلبية.. وخلافه.
وقال المريض إنه كان يشعر بالإرهاق، وذكر ما كان يعانيه من أعراض هبوط القلب التى مر بها، وذلك بعد الجراحة بأيام، وعندما عاد للجراح ليسأله بعد العملية عن أسباب هذه الأعراض فأخبره أنها مجرد عملية جراحية صغرى ويمكن إجراؤها فى العيادات المتخصصة، وأنه لم يتعرض لمشاكل خلالها، وكانت نصيحة الجراح الأخيرة له مقتضبة بأنه يجب أن يستشير طبيباً باطنياً. وتوقف المريض ليفاجئنا بسؤاله: هل كان يكذب ولم يقل لى أى تفاصيل عن حالتى العامة أو أى مشاكل حدثت لى مع التخدير أثناء الجراحة؟ وأكمل: كيف لى أن أعرف، لقد كنت مخدراً، ومهما يكن قد حدث فأعتقد أنهم تنفسوا الصعداء بعد أن تمكنوا من إفاقتى وإرسالى إلى منزلى!!
فقال أحد الأطباء ضاحكاً: يجب أن يكون هناك جهاز تسجيل فى حجرة العمليات، فهو فى هذه الحالة يشابه الصندوق الأسود المتواجد فى كل الطائرات، وهو جهاز تسجيل صوتى مستمر، وفائدته سماع كل ما قيل قبل الكارثة وتحطم الطائرة لمعرفة أسباب هذه الكارثة وإذا كانت من خطأ شخصى من الطيار ومساعده أو من خطأ فنى فى أجهزة ملاحة الطائرة. وتساءل أحد الحاضرين: ولماذا لا يكون هناك جهاز تسجيل «صوت وصورة» فى حجرة العمليات مثل الصندوق الأسود فى الطائرات؟ فنحن كأطباء نهتم بمناقشة الحالات المرضية الصعبة والمشاكل التى صاحبتها أو حتى موت مريض فى حجرة العمليات لنتعلم طرق تلافيها فى المستقبل، ويكون مثل هذا التسجيل مادة علمية دسمة تطرح للمناقشة وأيضاً أن يكون من حق المريض أو أهله أن يطلعوا عليها إذا كانوا يشكُّون فى خطأ مهنى من الطبيب المعالج؟!
فقال أحد الأساتذة: ماذا تقولون؟.. كأنكم تقترحون فتح أبواب جهنم.. قطعاً سيرفض الأطباء تسجيل كل حركاتهم وأقوالهم أثناء الجراحة، ولهم كل العذر، وسيفقد الجميع تركيزهم أثناء الجراحة خوفاً من قول أو عمل أى شىء قد يؤخذ عليهم. وسترفع آلاف القضايا ضد الأطباء بدعوى الإهمال الطبى.. وسيكون رأى الخبراء بعد الكثير من الجدل العلمى وغير العلمى فى 99 بالمائة من هذه القضايا أن حالة المريض الصحية هى السبب فى عدم استفادته القصوى من هذا الإجراء الجراحى.. وهل تعلمون أن القانون لا يسمح بتسجيل الصوت أو الصورة إلا بموافقة الطرفين، ولا يعتد به كقرينة فى أى محكمة إلا إذا تم بموافقة الطرفين، ولكن فى حالات معينة مثل الإبلاغ عن رشوة أو التخطيط لجريمة ما، فيجب موافقة القاضى الجزئى للسماح بالتسجيل الصوتى دون علم الأطراف المعنية.
ولكن الإعلام الأمريكى تابع باهتمام شديد قصة الرجل الذى ربح نصف مليون دولار بعد أن كسب قضية رفعها على الأطباء بناء على تسجيل صوتى لأقوالهم أثناء تخديره. وكان الرجل وعمره 48 سنة قد توجه لعمل منظار للقولون، وحسب تسلسل الأحداث، فإنه رغب فى أن يتذكر تعليمات الطبيب له قبل وبعد التخدير، فقام بوضع تليفونه المحمول فى وضع التسجيل الصوتى داخل ملابسه. وخلع جميع ملابسه ليلبس رداءً خفيفاً من الورق، وتُركت الملابس معلقة فى نفس حجرة المناظير. وتم تخدير المريض ونام عارياً على وجهه على سرير مخصص ليرفع مؤخرته للأعلى لعمل المنظار من فتحة الشرج. وبعد أن تم عمل المنظار بنجاح حضر مساعد الطبيب بعد إفاقته من التخدير ليخبره أنه لم يعان من أى أمراض أو أورام بالقولون ولكنه مصاب بدوالى شرجية لا تستدعى علاجاً الآن.
وعاد الرجل سعيداً بهذه النتيجة إلى منزله، ولكنه تذكر تليفونه المحمول، وتذكر أنه يجب أن يستمع لإرشادات الطبيب التى قد يكون قد ذكرها له ولم تعلق فى ذهنه لصعوبة الموقف الذى تعرض له. ومع بدء سماع التسجيل فوجئ المريض بسيل من التجريح والشتائم موجه إليه وهو فاقد الوعى من أثر التخدير. ودفعته بذاءة الكلمات التى قيلت عنه للتوجه إلى محام لرفع قضية ضد هؤلاء الأطباء تحت أى مسمى يراه، مطالباً بتعويض مالى كبير مساوٍ للإهانات التى تعرض لها دون أى ذنب ارتكبه.
وفى قاعة المحكمة استمع القاضى والمحلفون إلى التسجيل الصوتى الذى بدأ بصوت طبيبة التخدير وهى تقول: انظروا إلى وجه هذا الرجل القبيح.. كم أتمنى أن ألطمه وأبصق عليه! وقبل البدء فى عمل المنظار نظرت إلى مؤخرته وخصيتيه، وكان هناك طفح جلدى بسيط (بسبب السمنة والتعرق) وقالت لزميلتها: احذرى، فهذا النوع من الرجال يصاب عادة بمرض «الزهرى»، وردت زميلتها: أعتقد أن سببها الإصابة بمرض «السل».. ليحذر الجميع من لمس مؤخرته!! وطوال إجراء المنظار كانت تصفه بألفاظ تحقر من شأنه مثل هذا المتخلف عقلياً، القذر، هذا الكائن.. وغيره. وعند انتهاء الاختبار كذب الطبيب عندما قال لمساعده: كل شىء كان طبيعياً ولكن اكتب فى التقرير أنه يعانى من «بواسير شرجية»، لنعطى لأنفسنا مصداقية طلبنا منه إجراء المنظار. ودافع محامى الأطباء بأنه ليس من حق المريض تسجيل أحاديث الأطباء إلا بعد موافقتهم، وأنهم لم يرتكبوا جريمة خطأ مزاولة المهنة فى هذه الحالة. ولكن محامى المريض أثبت حسن نيته فى استخدام جهاز التسجيل، وأنه يطالب بتعويض للسب والتشهير الذى تعرض له المريض، خاصة أن أكثر من ثلاثة من العاملين بالمستشفى قد سمعوا مثل هذه الشتائم ولم يكونوا يعملون بحجرة المناظير. وتعاطف القاضى والمحلفون مع المريض، وأصدر قراره بتعويض نصف مليون دولار تقسم على الأطباء المشاركين فى القضية، وقال: أرجو أن يكون هذا الحكم المشدد عبرة لغيرهم وهو ليس لجريمة «خطأ فى مزاولة المهنة»، ولكنه لخطأ الإهانة والتشهير بمريض استأمنهم على حياته وعاملوه أسوأ معاملة، ولم يكن فى مقدوره الرد أو الدفاع عن نفسه.
وزلزلت هذه القضية المجتمع الطبى بالخارج، حتى إن مجلة The Lancet الأمريكية الطبية وواسعة الانتشار كتبت فى مقالة افتتاحية فى الشهر الحالى وعنوانها: «علامات هذا الزمن: احذر فيما تقوله فى غرفة العمليات»، وملخصها أن طبيب تخدير آخر لاحظ انبعاجاً بسيطاً خلف «شراب» أحد المرضى المخدرين، وكان هناك جهاز تسجيل صغير من النوع الذى يستخدم فى التجسس وكان الجهاز فى وضع التسجيل!! ويرفض كاتب هذه المقالة تواجد أجهزة التسجيل للأسباب التالية (1) هذه الأجهزة قد تتعارض مع الأجهزة المتعددة والموجودة بحجرة العمليات. (2) قد يسجل الجهاز حديث الأطباء عن مرضى آخرين، وهذا يتعارض مع أخلاقيات المهنة. (3) قد يفهم المريض ملاحظات الطبيب عن حالته بطريقة خاطئة.
وأطالب جميع الأطباء، كما يسألون المرضى قبل العملية ألا يرتدوا أى حلى، وخلع الأسنان الصناعية وما يشابهها، بأن يطالبوهم بتسليم تليفوناتهم المحمولة وأى أجهزة تنصت قبل بدء الجراحة!
ولكن، مع كل هذه المحاذير، إذا سألتنى وبصفتى طبيباً هل أرغب فى سماع كل ما قيل أثناء جراحة ستجرى لى شخصياً؟ فأنا آسف أن أقول نعم، وقد أخفى جهاز تسجيل لأعرف حقيقة ما كان يقال ولم يُذكر لى، ولكنى لا أعلم أين سأخفيه وأنا عارٍ تماماً؟!!
* أستاذ القلب – جامعة القاهرة
[email protected]
اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.