بدأت فدريكا موجريني، ممثلة السياسة الخارجية الأوروبية، ونائبة رئيس الاتحاد الأوروبي، محاضرتها بالترحيب بالشباب للتأكيد على دورهم في تشكيل المستقبل، معربة عن سعادتها بوجودها بجامعة القاهرة منارة مصر عبر التاريخ والمنطقة العربية. وأضافت، خلال محاضرة لها بجامعة القاهرة، تحت عنوان «أوروبا وشباب العرب.. مشاركة التاريخ والمستقبل القادم» أن مصر تلعب دورا هاما في المنطقة، موضحة أن طاقة المستقبل هم الشباب الذين يلعبون دورا مهما. وجاء في نص كلمتها، في جامعة القاهرة، السلام عليكم.. أهلًا وسهلًا يا شباب مصر عذرًا سوف أنتقل إلى الحديث باللغة الإنجليزية، فهذه الكلمات هي كل ما أعرفه من اللغة العربية.. إنه لفخر لي أن أكون معكم في مدينة القاهرة، إحدى العواصم العظمى بمنطقة البحر المتوسط والعالم العربي، كما أنه لمدعاة للفخر أن أتواجد هنا بجامعة القاهرة، المؤسسة الثقافية ذات الطراز العالمي والمدرسة الأم لثلاثة من الحائزين على جائزة نوبل وهم (الكاتب الروائي نجيب محفوظ، والرئيس الراحل ياسر عرفات، والدكتور محمد البرادعي). إنه لمن دواعي سروري أن تسنح لي الفرصة كي أتقابل اليوم مع هذا العدد الكبير من الشباب، وأن أمثل الاتحاد الأوروبي فيما بينكم. إنها لأوقات عصيبة تمر بها المنطقة بل والعالم أجمع، فمرٍة أخرى نواجه قوى تحاول التفرقة فيما بيننا حيث تزعم بوجود حرب دائرة بين الإسلام وسائر أرجاء العالم، مؤكدة أن أوروبا أو «روما» أو ما يُطلق عليه الغرب هم أعداء للإسلام والعرب. هؤلاء الأشخاص لا يتحدثون صدقًا بل كذبًا، فهم يكذبون علينا جميعًا، عرب وأوروبيين على حد سواء. وأضافت: دعوني أتحدث إليكم صراحًة فإن ما يُطلق عليه «الغرب» له نصيب من المسؤولية في هذا الصدد. ففي داخل أممنا يوجد الكثير ممن دعموا قصة الصراع بين الحضارات، وهو الأمر الذي ثبت خطأه لأسباب عدة. فاليوم تتبنى داعش فكرة الصراع بين الحضارات، ويشجع هؤلاء الإرهابيون الفكر الطائفي بُغية الإتساع بنطاق قوتهم، كما يستغلوا الشِقاق لأجل أغراضهم الخبيثة، فهم يسيئون تمثيل الإسلام باستخدامه كذريعة لحربهم غير المقدسة. وتابعت: إن دحض هذه القصة لأمر عائد إلينا. إذا ما نظرتم إلى تاريخنا وقيمنا ومستقبلنا ستجدون الكثير من الأمور التي تجمع بيننا وتوحدنا. وهذا هو التحدي الحقيقي، هل سنركز على الأمور التي تفرقنا أم التي تجمعنا؟ وإذا ما استمرينا في السماح للإختلافات بتعريف علاقتنا سوف يسود دعاة الحروب. والجدير بالذكر أنه توجد أسباب عديدة تستدعي وقوفنا مع بعضنا البعض كما تتواجد الكثير من الأمور المشتركة بيننا. وهذا هو الحافز وراء وجودي معكم اليوم، إنه الأمل في مستقبل مشترك لأوروبا والعالم العربي. وواصلت: إنني أؤمن بوجود اسباب وجيهة حتى يحدونا الأمل. سوف أقص عليكم حكاية توضح ذلك: كانت مدرستي الثانوية في روما، وفي مكان ليس ببعيد عن مدرستي كان يتواجد موقع لبناء مسجد جديد. ولقد تم الإنتهاء من بناء هذا المسجد بعد بضعة أعوام من إتمامي للإختبار النهائي لهذه المرحلة، وبناءًا عليه شهدت المسجد وهو في طور البناء، وهو اليوم أكبر مسجد في منطقة الإتحاد الأوروبي والعالم «الغربي». وإنني لشديدة الفخر بهذا الأمر، حيث أن روما التي تحتضن الكنيسة الكاثوليكية هي نفسها التي تحتوي على الكثير من المسلمين، وما من تعارض بين هذا وذاك. لسنوات وأوروبا تضم المسيحيين والمسلمين واليهود وغير المؤمنين، وعليه فإن الإسلام جزء من تاريخ أوروبا بل جزء من أوروبا نفسها. وأكدت «نحن نتقاسم في الكثير من الأمور التاريخية والثقافية. ولا يتطلب الأمر منك أن تكون عالم تاريخ حتى تلاحظ ذلك. إذهب إلى محل للحلويات في جنوبإيطاليا أو أسبانيا وسوف تنبهر برؤية الكثير من الحلويات»العربية«. ولقد قيل لي أن هناك بضعة كلمات من لغتي الأم والتي استطيع سماعها تتردد هنا في القاهرة، فاعتقد أنكم تفهمونني عندما أقول كلمات مثل لوكندا أو جونيلا أو روبابكيا. كما كتب أحد المفكرين المصريين العظماء والذي تعرفوه جميعًا وهو الأديب طه حسين قائلًا»البحر المتوسط ليس بحاجز أمام الحضارات ولكنه بمثابة جسر يربط بينها. فنحن مرتبطين باليونان وإيطاليا وفرنسا مثل إرتباطهم بنا وأثرنا فيهم وتأثرنا بهم، ومن الطبيعي لنا أن نحافظ على مثل هذه الروابط.« وأضافت إن تاريخ منطقة البحر المتوسط بحق هو أيضًا تاريخ ملئ بالحروب. فلطالما وقعت حروب بين الدول الواقعة على شاطئي البحر المتوسط على نفس منوال الحروب التي دارت داخل أوروبا. بيد أنه حتى إبان الحملات الصليبية، والتي تعتبر من الفترات المُظلمة في علاقتنا، جاء إلى مصر القديس فرانسيس الإسيزي وهو إيطالي أيضًا مثلي، وذلك لمقابلة السلطان. وهذا إن دل يدل على أنهم في وقت الحرب كانوا يتحدثون عن السلام والإيمان، فقد اختاروا التركيز على ما يجمعهم عوضًا عما يفرقهم. أشارت إلى أن الأشياء التي نتقاسم فيها أكثر صلابة من القوى التي تحاول التفرقة بيننا. فنحن نؤمن بالشئ ذاته ألا وهو أن البشر كافة متساوون فجميعهم «أولاد آدم» مثلما يشير إليهم القرآن الكريم. كذلك يوجد لدينا جميعًا الرغبة نفسها في تحقيق الديمقراطية والرخاء والسلام. وبناءًا عليه فإن هذه الأمور تجعلني أعتقد بأننا لا نتشارك في تاريخ طويل فحسب وإنما أيضًا نتقاسم مستقبل مشترك. وقالت إنه بالنظر إلى العالم حولنا اليوم يتضح أن لكل من أوروبا والعالم العربي نفس المصالح. فنحن نريد منطقة سلام في الشرق الأوسط، ونريد القضاء على الإرهاب والحياة بدون خوف، كذلك نريد تحقيق العدل والكرامة في مجتمعاتنا. لهذا يوجد لدينا نفس جدول الأعمال والأولويات، وتتوفر لدينا كل الأسباب المنطقية للوقوف معًا ومواجهة الأزمة الراهنة سويًا. ومرورًا بالوضع الليبي إلى اليمني والسوري يتضح أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تمر بأوقات عصيبة. هذه الأوقات تتطلب منا جميعًا في المنطقة والمجتمع الدولي أن نبذل كل ما أوتينا من قوة لمواجهتها. وتحقيقًا لذلك ينبغي علينا ألا نغفل الفرص المتوفرة أمامنا، ويعتبر الإتفاق الذي توصلنا إليه مع إيران الصيف الماضي من ضمن هذه الفرص. فقد وافقت إيران على عدم تطوير قنبلة ذرية «تحت أي ظرف من الظروف». هذا الإتفاق يجعل المنطقة برمتها أكثر أمنًا بل ومن الممكن لهذا الإتفاق أن يمهد الطريق لعلاقة أفضل ما بين إيران وكل جيرانها. على المدى المتوسط قد يساعدنا ذلك في تناول الأزمة الراهنة، وعلى المدى الطويل يزودنا بالأمل في الإمكانية الفعلية للوصول إلى منطقة شرق أوسط أكثر سلامًا. شرق أوسط خاٍل من أسلحة الدمار الشامل هو الحلم الذي راود جيلي والذي من الممكن أن يتحقق لأجيالكم. ولكن قبل الحديث عن الأزمة الراهنة أود الإشارة أولا إلى صراع أكثر قدمًا، وهو الصراع الذي يجب علينا دومًا وضعه في الإعتبار حتى مع إغفال وسائل الإعلام الدولية له. يجب علينا بذل كل ما في وسعنا لإنهاء الصراع ما بين الفلسطينيين والإسرائليين. إن إنهاء العنف هو أمرًا مُلحًا غير أنه لن يكون كافيًا، حيث أنه فعليًا سيتحقق السلام فقط مع قيام الدولتين. للشاب الإسرائيلي في مثل عمركم الحق نفسه في أن يعيش حياة آمنة بلا خوف. وفي ذات الوقت ينبغي أن يتمتع الفلسطينيون جميعًا بكافة الحقوق وسُبل تحقيق الرخاء. بالإضافة إلى ذلك يستحق مواطنو غزة أن ينعموا بحياة طبيعية وظروف أكثر انسانية، وسوف يصبح ذلك في الإمكان مع قيام دولة فلسطينية راسخة وقوية وينتشر السلام في ربوعها. رجع الأمر إلى القيادات الإسرائلية والفلسطينية أن يطووا هذه الصفحة ويختاروا أن يعم السلام، وهذه هي الرؤية التي يؤمن بها للغاية الإتحاد الأوروبي. إلا أننا جميعًا نستطيع المشاركة لمساعدتهم في إتخاذ القرار الصحيح في هذا الشأن. ولهذا السبب إتجه الإتحاد الأوروبي إلى دعوة دول عربية رئيسية لأجل الإنضمام إلى اجتماعاتنا الرباعية. فإن القوى الإقليمية جمعاء يشتركوا في الإهتمام نفسه المعني بإنهاء هذا الصراع لا سيما في الوقت الحالي حيث تشهد منطقة الشرق الأوسط بأسرها اضطرابات كبرى. وأوضحت: «تأتي التوترات التي تشهدها الأماكن المقدسة في مصلحة الإرهابين على اختلاف انواعهم، مع التعرض لخطر استغلال مثل هذه التوترات من خلال قوات داعش. وإن هذه الظروف تساعد في خلق فرص للتطرف والتجنيد، كما باستطاعتها الترسيخ لمزاعم الحرب الدينية». على الجانب الآخر فلنفكر فيما قد يخلفه السلام في الأراضي المقدسة. ولنتخيل السلام يعم مدينة القدس لتضم كل أبناء سيدنا ابراهيم ولتصبح عاصمة لدوليتن. ما أحلى هذا الأمر ويالها من رسالة قوية تتجه لمنطقة الشرق الأوسط ككل. ولفتت إلى أن التنوع هو ما يجعل منطقة الشرق الأوسط غاية في الثراء والتفرد. من هنا تريد داعش تدمير كل ذلك وتضفي ألوانًا باهتة على المنطقة وتحويلها إلى اللون الأسود الداكن. لهذا يقع على عاتقنا مهمة الحفاظ على هذا التنوع ومساعدة كل الأقليات على البقاء في أراضيهم. فلطالما عاش المسيحيون العرب هنا لقرون، والأقباط هم جزء من التاريخ الجميل لهذه الدولة. وينطبق نفس الأمر على الأكراد واليزيديين والدروز وكذلك الشيعة والسُنة. وللحفاظ على هذا التنوع نحتاج إلى محاربة داعش، ولكن هزيمتها الفعلية سوف تصير في الإمكان فقط إذا ما أقمنا مجتمعات وديمقراطيات تشمل الجميع، وينطبق ذلك على سوريا والعراق وكذلك ليبيا. وفقط من خلال قيام العمليات السياسية وتحقيق المصالحة سوف يسود السلام ويطغى على الإرهاب. لازال الأمر لا يتعلق بالسياسية فحسب، فإنه يرتبط أيضًا بالثقافة والإيمان. فإن داعش تحاول على نحو منقطع النظير تحريف الإسلام. لقد وصف الإعلام الغربي داعش باعتبارها «حركة من القرون الوسطى»، إلا أن هذا الوصف لا يوضح حقًا طبيعة التهديد الذي نواجهه. فإن داعش شئ جديد تمامًا، فهي حركة حديثة تقوم بإعادة تفسير الدين بشكل جديد ومتطرف. وإنها حركة بدلًا من أن تقوم بالمحافظة على الإسلام تريدنا أن نلقي جانبًا قرون من الثقافة الإسلامية تحت مُسمى ما يقدمون من اعمال وحشية. إن داعش هي ألد أعداء الإسلام في عالمنا اليوم، وضحاياها أولا وآخرًا من المسلمين بل ويقع الإسلام نفسه ضحية لها. وأوضحت أن مواجهة فكر داعش يعتبر بمثابة تحد جوهري يواجه كل من الهيئات الدينية والثقافية. ويلعب الأزهر دورًا هامًا في هذا الشأن وإنني لممتنة للغاية بهذا الدور. ولكن يرجع الأمر أيضًا لكم لا سيما ضمن الأجيال الأصغر سنًا. وحسبما جاء على لسان الملك عبدالله ملك الأردن في الأممالمتحدة في شهر سبتمبر الماضي «فلنعظم من صوت الإعتدال». لا نستطيع أن نسمح لداعش بأن تكون الفكر المهيمن في وسائل الإعلام الإجتماعي. إنكم في هذه الدولة تعرفون جيدًا كيفية الإستفادة القصوى من قوة الفيسبوك وتويتر، وهو الأمر الذي برهنتم عليه خلال البضعة اعوام الماضية. لقد حان الوقت لإستثمار هذه القوة لصالح الإسلام الصحيح والمجتمعات المفتوحة والسلام. وشددت على إنها معركة قلوب وعقول على وجه الخصوص للشباب، حيث يبلغ متوسط العمر في مصر 25 عام بينما في أوروبا يصل إلى حوالي 40 عام. إن دولتكم دولة شباب في منطقة للشباب، فتوجد إمكانيات كبرى للتغيير والتطوير أضف إلى ذلك الكثير من الطاقة. من ثًّم يكمن التحدي الفعلي هنا في كيفية الإستفادة القصوى من هذه الإمكانيات. وأوضحت أنه إذا ما لم نوفر مستقبل لشبابنا فإنهم قد يسعوا وراء من يعدهم بمستقبل بديل. وبالتالي يعتبر توفير فرص للعمل وللمعيشة جزء من كيفية تغلبنا على الشعور بعدم الآمان والقضاء على الإرهاب. يستطيع الإتحاد الأوروبي مساعدة دولكم في هذه المجهودات ومساندة اقتصادياتكم حتى تنتعش. نستطيع توفير الدعم لعمليات الإصلاح الإقتصادي التي تتأكد من عدالة قواعد اللعبة. فخلال الأعوام الثلاثة المنصرمة قمنا بتوفير مليون يورو لرواد المشاريع من الشباب وللمشاريع المبتدئة في مصر ولبنان وفلسطين. لقد وفرنا للمئات منهم الفرص ليعيشوا أحلامهم، ويوجد هنا المزيد من العقول المبدعة في هذا المسرح وفي شتى أنحاء المنطقة. كما حرصت المسؤولة الأوروبية على الإجابة على تساؤلات الطلبة والشباب حول دور الشباب في الفترة المقبلة، معربة عن سعادتها بتوجيه سؤال حول الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، وكيفية تحقيق السلام، قائلة: «نحن كمسؤولين أوروبا نولي اهتماما لهذه القضية، ونعلم جيدا أن هناك صراع بين الجانبين، ولكن علي طرفي الصراع أن يجلسا معا على مائدة واحدة، والمنطقة العربية عليها أيضا دور في الوصول إلى تحقيق السلام أيضا من أجل مصلحة الفلسطينين». وحول كيفية الاستفادة من التجربة الأوروبية في زيادة نسبة مشاركة الأحزاب في العملية السياسية، قالت المسؤولة الأوروبية: إن «أوروبا استفادت من التاريخ بضرورة مشاركة كافة الأطراف في العملية السياسية، وأصبح لديها قيم مشتركة تقوم عليها الدول الأوروبية الموجودة في الاتحاد الأوروبي من احترام حقوق الإنسان المحافظة على حقوق المواطنين وغيرها من المبادئ، وعلى الدول العربية أن تسعي للتعاون في هذا الصدد، وزيادة التوعية بضرورة المشاركة في العملية السياسية».