دراسة تكشف: كيف تختار الجماهير الفائز بالانتخابات؟

يبقى إقناع الناس بدعم مرشح أو حزب معين اختبارً أساسيًا لأى حملة سياسية، فذلك هو الهدف الرئيسي لجميع الدعايا المحيطة بالشخص الراغب في الترشح، ولم يكن معلومًا على وجه التحديد كيف يقتنع المصوتون باختيار مرشح ما، فالنظريات السياسية التقليدية تقول إن الأشخاص عمومًا يختارون من يتفق مع وجهات نظرهم الأساسية؛ إجتماعية كانت أو سياسية، فالديموقراطيون؛ على سبيل المثال، سيعطون أصواتهم ل«هيلارى كلينتون» في الانتخابات الأمريكية القادمة والمزمع إجرائها في عام 2016، حتى وإن كان المرشح المنافس -المنتمى إلى الحزب الجمهورى- أفضل منها، فالانتماءات الحزبية الخاصة تطغى في الغالب -وحسب النظريات التقليدية- على المصلحة العامة.
«الفاعل المنطقي Rational actor» هي تلك النظرية التي تقول إن البشر يسلكون طرق واحدة في الاختيار، وينزعون إلى التعصب لحزب ما، فكرة ما أو رؤية ما طوال حياتهم، كنتيجة لقدرتهم المحدودة على تحسين خياراتهم، فالشخص الذي يفضل تناول طعام من نوع ما، يظل؛ في الغالب، يميزه حتى نهاية حياته، حتى وإن ظهر لذلك الطعام تأثيرًا جانبيًا خطيرًا، إلا أن تلك النظرية تبقى غير كاملة، حيث أنها لا تستطيع تفسير سبب التغير الحادث في اراء الناخبين، والتى تحولهم من نقيض إلى نقيض.
ربما حان الآن موعد انتهاء صلاحية نظرية الفاعل المنطقي لتفسير جنوح الناخبين تجاه مُرشح ما، فاعتمادً على بحوث علمية نفسية أجريت على مدار سنوات طويلة، تمكن فريق بحثي مكون من علماء سياسة بجامعتي هارفارد وستانفورد من التوصل إلى نتيجة جديدة تمامً فيما يخص طريقة الأشخاص في اختيار المرشحين.
ففي البحث المنشور على موقع جامعة «هارفارد»، يقول العلماء إن المواقف السياسية للشخص ليست نابعة من إيمانه بقضية ما، إذ تؤكد الورقة البحثية الجديدة أن تغير المواقف السياسية عند البشر يُمكن أن يُفهم في سياق نظرية«التنافر المعرفي Cognitive Dissonance» وهي إحدى نظريات علم النفس السلوكي التي تصف الشعور الذي ينتاب الإنسان بعدم الراحة النفسية عندما تتزاحم في عقله عدة أفكار عكس بعضهم البعض فتتولد لديه رغبة قوية في تقليل هذا التنافر الموجود بين الفكرتين للحد من الانزعاج النفسي، وبالتالى؛ يختار الشخص المرشحين بناءً على الموقف الأكثر ملاءمة لراحته النفسية، والأكثر قدرة على جعله متكيفًا مع سلامته الداخلية، وليس بناءً على موقفه السياسي أو تحيزه لحزب ما.
أستاذ السياسة بجامعة هارفارد «ماثيو بلاكويل» يقول إن تفضيلات البشر أثناء إجراء عمليات الاقتراع تتحكم فيها مجموعة كاملة من نظريات علم النفس الاجتماعى والاقتصاد السلوكي، مشيرًا إلى أنه، وزملاؤه، حاولوا تقديم إطارً جديد لفهم أصول المواقف والخيارات السياسية لدى الجمهور، وهو ما قادهم إلى أن البشر يقومون بضبط ميولهم السياسية من أجل التقليل من التنافر المعرفي، وهذا يعنى أن تلك الميول تتغير مع مرور الوقت، وبحسب «بلاكويل»، تُعطى نظريتهم الجديدة الكثير من الأفكار حول كيفية تكوين الرأي السياسي، وأسباب تغير المواقف الشعبية «وهو ما قد يجعلنا نبني نموذجَا لمعرفة كنهة الرسائل الانتخابية والاستراتيجيات اللازمة التي تجعل الأشخاص ينتخبون شخصًا ما».
ويقول «بلاكويل» إن النتائج تُقدم أول نظرية رسمية تؤطر عملية تغيير الموقف السياسي في سياق نظرية التنافر المعرفي، وتقدم فهمًا جديدًا قادرًا على الإجابة عن مجموعة متنوعة من الاسئلة التي تشمل أسباب التحزب السياسي والعداء العرقي والعنصري، وكيف أن التعاطف مع العلاقات الاجتماعية الرئيسية فعال جدًا في تحويل وجهات النظر السياسية للأشخاص.