متابعة تنظيمية وأمنية مكثفة لسير العملية الانتخابية بالدقهلية    القليوبية الأزهرية تحصد المركز العاشر بملتقى ضمان جودة التعليم    أحمد موسى يشيد بافتتاح منفذ التموين بمدينة الإنتاج الإعلامي: الأسعار أرخص من السوق    الأوقاف: سعر الإيجار الجديد لأراضي الوزارة أقل من السوق 10-15%    إيران ترفض شروط واشنطن وتتهمها بمحاولة إضعاف البلاد    كأس ملك إسبانيا، ريال مدريد يتقدم على تالافيرا بثنائية في الشوط الأول    إيكيتيكي: لم أصل لأفضل مستوياتي مع ليفربول    شيكو بانزا كلمة السر في إيقاف قيد الزمالك الجديد    باريس سان جيرمان يتوج بطلا لكأس إنتركونتيننتال    السجن 7 سنوات للمتهمين بالاتجار في المواد المخدرة بقنا    جار الفنانة نيفين مندور يروى اللحظات الأخيرة في حياتها (فيديو)    أخبار الفن اليوم: وفاة الفنانة نيفين مندور.. انفصال الفنان مصطفى أبو سريع وياسر جلال يتدخل لحل الأزمة.. وعودة تامر حسني للمسرح بعد أزمته الصحية.. ومحمد رمضان يحتفل بالحكم عليه بسنتين    مفتي الجمهورية يودع الوفود المشاركة في الندوة العالمية الثانية للإفتاء    نظام غذائي صحى ومتوازن ينقص وزنك 7 كيلو فى الشهر    متحدث الصحة عن دليل الاشتراطات الصحية للمنشآت التعليمية: ليس الأول.. وهناك متابعة دورية    جامعة الإسكندرية تستقبل رئيس قسم الهندسة الحيوية بجامعة لويفل الأمريكية    اقتحام الدول ليس حقًا.. أستاذ بالأزهر يطلق تحذيرًا للشباب من الهجرة غير الشرعية    اندلاع حريق في حظيرة ماشية بالوادي الجديد    القاضى أحمد بنداري يدعو الناخبين للمشاركة: أنتم الأساس فى أى استحقاق    وزارة الداخلية: ضبط 40 شخصاً لمحاولتهم دفع الناخبين للتصويت لعدد من المرشحين في 9 محافظات    نتنياهو يعلن رسميًا المصادقة على اتفاق الغاز مع مصر بمبلغ فلكي    31 ديسمبر النطق بالحكم فى الاستئناف على براءة المتهمين بقضية مسن السويس    وكيل تعليم القاهرة في جولة ميدانية بمدرسة الشهيد طيار محمد جمال الدين    إطلاق حملة لدعم الأشقاء فى غزة خلال الشتاء ضمن جهود التحالف الوطنى    عرض حفلات الأوسكار على يوتيوب بدءا من عام 2029    رسالة مفاجئة من ياسر جلال لمصطفى أبو سريع بعد انفصاله عن زوجته    نجوم الفن فى عزاء إيمان إمام شقيقة الزعيم أرملة مصطفى متولى    رئيس إذاعه القرآن الكريم السابق: القرآن بأصوات المصريين هبة باقية ليوم الدين    السلاح يضيف 7 ميداليات جديدة لمصر في دورة الألعاب الإفريقية للشباب    ما حكم حلاقة القزع ولماذا ينهى عنها الشرع؟.. أمين الفتوى يجيب بقناة الناس    رسميًا.. إنتر ميامى يجدد عقد لويس سواريز حتى نهاية موسم 2026    وزير الإسكان: الأحد المقبل.. بدء تسليم قطع أراضي الإسكان المتميز للفائزين بمدينة بني سويف الجديدة    بين الحرب والسرد.. تحولات الشرق الأوسط في 2025    حين تغرق الأحلام..!    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الجامبي سبل تعزيز العلاقات الثنائية    إسرائيل تفرج عن 12 أسيرا من سكان قطاع غزة    خالد الجندي: من الشِرْك أن ترى نفسك ولا ترى ربك    جلسة صعود وهبوط: 6 قطاعات فى مكسب و10 قطاعات تتراجع    السيسي يرحب بتوقيع اتفاق الدوحة للسلام الشامل بين حكومة وتحالف نهر الكونغو الديمقراطية    البنك الزراعي المصري يسهم في القضاء على قوائم الانتظار في عمليات زراعة القرنية    مستشار رئيس الجمهورية: مصر تمتلك كفاءات علمية وبحثية قادرة على قيادة البحث الطبى    أرفع أوسمة «الفاو» للرئيس السيسى    جامعة الدول العربية تطلق المنتدى العربي الأول للإنذار المبكر والاستعداد للكوارث    التموين تنتهي من صرف مقررات ديسمبر بنسبة 73%    الصحة: إجراء جراحة ميكروسكوبية دقيقة لطفل 3 سنوات بمستشفى زايد التخصصى    تأييد حبس الفنان محمد رمضان عامين بسبب أغنية رقم واحد يا أنصاص    الداخلية تضبط 3 أشخاص لتوزيعهم أموال بمحيط لجان المطرية    باسل رحمي: نحرص على تدريب المواطنين والشباب على إقامة مشروعات جديدة    مكتبة الإسكندرية تشارك في افتتاح الدورة العاشرة لملتقى القاهرة الدولي لفن الخط العربي    أسوان تكرم 41 سيدة من حافظات القرآن الكريم ضمن حلقات الشيخ شعيب أبو سلامة    18 فبراير 2026 أول أيام شهر رمضان فلكيًا    اليونيفيل: التنسيق مع الجيش اللبناني مستمر للحفاظ على الاستقرار على طول الخط الأزرق    اتجاه في الزمالك لتسويق أحمد حمدي في يناير    ضبط 8 متهمين في مشاجرة دندرة بقنا    إقبال على التصويت بجولة الإعادة في انتخابات مجلس النواب بالسويس    المحمدي: تعرضت للظلم في الزمالك.. وهذا هدفنا الموسم الحالي    الدخان أخطر من النار.. تحذيرات لتفادى حرائق المنازل بعد مصرع نيفين مندور    «كامل أبو علي»: أتمنى فتح صفحة جديدة وعودة العلاقات مع الأهلي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في مديح الناجيات
نشر في المصري اليوم يوم 15 - 08 - 2018

قبل أن ألتقيها، كنت قد قرأت لها عدة أعمال، وصنّفتها واحدة ضمن قلة من الكاتبات العربيات الناجيات، كما أحب أن أطلق عليهن، هؤلاء اللاتي نجون بكتاباتهن النقية من أسر ماكينات الترجمة الغربية، تلك الماكينات المبرمجة لالتقاط والتهام كل رواية وكل ديوان وكل مقالة تكتبها امرأة عربية تغازل فيها الصور النمطية عن الشرق والعرب في أعين الغرب، تلك الصور الخارجة من بين صفحات ألف ليلة وليلة بجواريها وغلمانها وحيل نسائها من أجل البقاء على قيد الحياة، مثلما فعلت شهرزاد مع شهريار.
هي، بالنسبة لي، كانت واحدة من هؤلاء الناجيات، اللواتي نجون بإبداعاتهن من آتون تلك المحرقة، وهي محرقة يتوهج بفعلها الاسم وينهمر من وسائل الإعلام حتى يزور الناسَ في مناماتهم، ثم يكتشف، من قُدّر له أن يقرأ، أن الأمر لم يكن يستحق حتى عناء زيارة المكتبة لشراء الكتاب.
هي، بالنسبة لي، كانت واحدة من هؤلاء الناجيات، تملك ما تقوله، وتقوله بلغة تملكها، رائقة عذبة ولها روح.
هي، بالنسبة لي على الأقل، واحدة من هؤلاء الناجيات، لأن شهرتها ليست صنيعة محرقة الترجمة، إنما هي شهرة من ذلك النوع الذي تأسس بهدوء وعلى مهل، محمولاً على أعناق نجاحات متراكمة، إنها شهرة مشفوعة بتاريخ من الفعل الحقيقي.
كانت فاتحة دخولي إلى عالمها، مصادفة طريفة، ففي عام 1997م، كنت أختبر الطيران للمرة الأولى، في رحلة قدومي إلى دولة الإمارات للعمل، وبعد أن انتهت المضيفات من استعراضهن لإرشادات الأمان، وكيفية التصرف في حالات الطوارئ، وجهننا إلى إمكانية الحصول على المزيد من معلومات الأمان في الجيب الخلفي للمقعد المقابل للراكب.
بفضول الطائر المبتدئ، مددت يدي متلمساً ذلك الجيب، لم أجد بطاقةً للأمان، إنما وجدت نسخة من رواية، كانت مؤنستي طوال الرحلة، أنستني طيراني الأول وحملتني في جولة على متن لغة حية ونابضة، يمتزج فيها الأسطوري بالتاريخي بالمتخيل، فتكاد لا تفصل بينهم. خلطة أسعدتني، بيد أنها أثارت في ذهني تساؤلات عدة حول حدود الكتابة في الروايات التي تستلهم التاريخ، وإلى أي حد يمكنها التأثير على تصورنا للتاريخ، كان ظني أن لغة راقية كتلك من شأنها أن تعلق في أرواحنا كالعطر، فتصبح مصدراً لتاريخنا، بينما تسقط لغة التاريخ بجفافها كما تسقط أوراق الشجر في الخريف العاصف، الكارثة أن ذلك كله سوف يتم على حساب المعلومة والحقيقة؟.
هذا السؤال الذي انزرع في ذهني وأنا أتصفح رواية (تقاسيم الحياة، شجرة الفهود) للروائية الأردنية سميحة خريس، هو السؤال نفسه الذي افتتحت به حواري معها عندما أسعدني الحظ بأن تكون ضيفتي في برنامج تواقيع في أبوظبي.
ورغم أن الأسئلة عادة لا تبقى هي نفسها بعد مرور السنين، إلا أنني كنت راغباً في أن يظل هذا السؤال –تحديداً- هو السؤال ذاته الذي نبت في ذهني قبل خمسة عشر عاماً بينما أتجول بين صفحات الروية على متن طائرة مصر للطيران المتوجهة من القاهرة إلى الشارقة.
كانت خريس، التي لم ألتق بها من قبل، تتداخل في مخيلتي بشخوص رواياتها، كما يتداخل عندي كل كاتب أحبه بشخوص رواياته أو بأطياف ما قرأته له من أعمال، كنت أراها خارجة من ذلك النسيج الاجتماعي النابض بالحياة الذي تمرره في كتاباتها، وتلك الصراعات الصغيرة التي تسربها فيه لتمنحه إنسانيته، وتلك الصراعات المريرة التي تقول لنا إنها تنزع عنه كينونته.
بعيداً عن كل صورها في وسائل الإعلام وهي تجيب عن أسئلة الإعلاميين أو تتسلم جوائزها، كنت أرى سميحة خريس خارجة من متون كتبها، حتى تلك اللحظة التي صافحتني فيها ببسمة أمومية حنون، وأخذت مكانها في المقعد المقابل لي على المنصة، كنت أخاطب تلك المرأة التي صنعتُها في مخيلتي من كلمات هي كتبتها، امرأة تختلط فيها الأسطورة بالتاريخ بالمتخيل، امرأة تصنع قصصاً من تلك النوعية التي تبقى في الذاكرة.
تحدثت عن دور الروائي الذي يختلف عن دور المؤرخ، فإذا كان الأول يتكئ على التاريخي ليصنع روايته ويبلغ رسالته، فإن الأخير باحث عن روايات التاريخ يقتفي آثارها ويتتبع خطاها، لم تشاركني خريس مخاوفي من انعكاس ظلال الرواية على التاريخ، حتى لو تمتعت الأولى بكل مقومات الإغواء، ففي ظنها أن الرواية تظل عملاً إبداعياً وأن القارئ يدخل فيه بهذا الوعي، واتفقنا على أن إطلاق اسم (رواية تاريخية) على هذا النوع من الروايات الذي يستلهم قصص التاريخ هو خطأ نقدي، فالرواية تبقى رواية طالما أن هدفها إبداعي، وأن مصطلح الرواية التاريخية يصلح أن يُطلق على الروايات التي تستهدف بالفعل تقديم التاريخ مثل الروايات التي تقدم سير حيوات شخصيات تاريخية أو وقائع أخرى تاريخية بمعالجة فنية من دون تغيير في المعلومات والحقائق.
كانت خريس تتحدث بعفوية الأمهات، وبلباقة سيدات المجتمع، وهي في مظهرها كذلك تجمع بين الأمرين، أنيقة في غير تكلف، يشع من عينيها دفء لطيف، يزداد عندما يكون الحديث موجهاً إلى ابنتها التي كانت ضمن الحضور. لم يقلقها سؤال ولم تتنازل عن هدوئها في إجابة، موزعة نظراتها واهتمامها على الحضور الذين كان معظمهم من الجنس اللطيف.
أهدتني الروائية سميحة خريس كتابها الأخير (على جناح طائر- سيرة المدائن)، الذي قرأته فيما بعد وأضاء لي مساحات من سر كونها واحدة من (الناجيات)، هي لم تسمه سيرة ذاتية، إلا أنها تتبعت فيه، بلغتها الواثقة، منابع تشكلها على المستوى الشخصي والإبداعي، ورصدت تفاصيل رحلتها المرتبطة بشكل وثيق بسيرة العديد من المدن العربية، حيث قضت حياتها بالفعل (على جناح طائر) متنقلة بين العديد من الدول العربية، حيث درست وعملت وعاشت وتزوجت وكونت صداقات وذكريات، وُلدت وعاشت طفولتها المبكرة في عمّان الأردن، وانتقلت للعيش في الدوحة، بعدها الخرطوم التي عادت إليها بعد ذلك زوجة لأحد أبناء السودان، ثم أبوظبي، ثم الأردن، ولم تغفل رصد تفاصيل علاقتها بالقاهرة والإسكندرية ودمشق والسويداء والرقة، وتونس وطرابلس وبيروت لتجعل من كتابها شهادة أدبية واعية على فترة من أدق فترات التحول العربي اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، تميزت بالجمع بين إطلاع على تفاصيل الشارع العربي في المدن التي عاشتها، وبين معرفة بنخب تلك المجتمعات من أعلام الثقافة والسياسة والفن بحكم عملها في الصحافة وبحكم دائرة علاقات أسرتها المنتمية إلى السلك الدبلوماسي.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.