مواعيد عمل البنوك بعد انتهاء إجازة عيد الأضحى 2025    الإشراف على ذبح 1520 رأس ماشية بمجازر البحيرة خلال عيد الأضحى المبارك    متحدث الدفاع المدني بغزة: الوضع في مستشفيات القطاع كارثي    ترامب يحظر الأقنعة في مظاهرات لوس أنجلوس    وزير الخارجية يستعرض مع نظيره التركي التطورات في الشرق الأوسط    موعد مباراة البرتغال وإسبانيا بنهائي دوري الأمم الأوروبية.. والقنوات الناقلة    الزمالك يقترب من حسم صفقة زين الدين بلعيد    الحجاج يواصلون رمي الجمرات في ثاني أيام التشريق قبيل اختتام مناسك الحج    إصابة 13 شخصًا في حادث تصادم أتوبيس مع ميكروباص بالشرقية    بعد تعدد حدوثها l سرقة سيارة أو توك توك تقود للقتل أحيانًا    أسيوط ترفع درجة الاستعداد لامتحانات الثانوية العامة.. تفاصيل    الكشف عن توابيت خشبية وأوستراكات بالعساسيف وسور ضخم بالأقصر - صور    هل يجوز الاشتراك في الأضحية بعد ذبحها؟.. واقعة نادرة يكشف حكمها عالم أزهري    زيارة مفاجئة ل مدير الحوكمة بصحة أسيوط على عدد من المستشفيات بالمحافظة    تقديم الخدمات الطبية المجانية ل2096 مواطنًا في المنيا    الكنيسة القبطية تحتفل ب"صلاة السجدة" في ختام الخماسين    وزارة العمل تعلن عن فرص عمل بمرتبات تصل إلى 15 ألف جنيه .. اعرف التفاصيل    خلال أقل من 48 ساعة .. فيديو تقديم زيزو لاعباً فى الأهلى يتجاوز ال29 مليون مشاهدة    مهرجانات رياضية وفعاليات احتفالية..مراكز شباب مطروح تفتح أبوابها للمواطنين    رومانو: عرض نهائي من تشيلسي إلى ميلان لضم مانيان    منافذ أمان بالداخلية توفر لحوم عيد الأضحى بأسعار مخفضة.. صور    التأمينات الاجتماعية تواصل صرف معاشات شهر يونيو 2025    وزارة العمل تعلن عن فرص عمل بمرتبات تصل إلى 15 ألف جنيه    موعد عودة الوزارات للعمل بعد إجازة عيد الأضحى المبارك 2025. .. اعرف التفاصيل    العثور على جثة رضيعة داخل كيس أسود في قنا    البحر هادئ.. طقس ربيعي وأجواء رائعة ثالث أيام العيد في الإسكندرية - صور    ضبط شخصين لاتهامهما بغسل 50 مليون جنيه من تجارة المخدرات    منافذ أمان تضخ لحوم بأسعار مخفضة في كافة محافظات الجمهورية (صور)    تعرف على الفيلم الأقل جماهيرية بين أفلام عيد الأضحى السبت    الدفاع المدني بغزة: الاحتلال دمر 99% من المعدات والقصف متواصل على خان يونس    عروض «بيت المسرح» ترفع لافتة «كامل العدد» في موسم عيد الأضحى| صور    بين الحياة والموت.. الوضع الصحي لسيناتور كولومبي بعد تعرضه لإطلاق نار    بعد عيد الأضحي 2025.. موعد أول إجازة رسمية مقبلة (تفاصيل)    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 996 ألفا و150 فردا    لواء بجيش الاحتلال : حماس هزمت إسرائيل وعملية "عربات جدعون" تسفر يوميا عن مقتل وإصابة عدد من الجنود الإسرائيليين    انفجار في العين.. ننشر التقرير الطبي لمدير حماية الأراضي المعتدى عليه خلال حملة بسوهاج    تحرير 135 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    أمين «الأعلى للآثار» يتفقد أعمال الحفائر الأثرية بعدد من المواقع الأثرية بالأقصر    نادي العاملين بمحافظة أسيوط يفتح أبوابه خلال أيام عيد الأضحى لاستقبال المواطنين    «البدوي»: دعم الرئيس السيسي للعمال حجر الأساس في خروج مصر من قوائم الملاحظات    الصحة: فحص 7 ملايين و909 آلاف طفل ضمن مبادرة الكشف المبكر وعلاج ضعف السمع    متحدث مستشفى شهداء الأقصى: كميات الوقود بمستشفيات غزة تكفى فقط ليومين    مجلة الأبحاث التطبيقية لجامعة القاهرة تتقدم إلى المركز السادس عالميا    محافظة الشرقية: إزالة سور ومباني بالطوب الأبيض في مركز الحسينية    بيان عاجل من «الزراعيين» بعد التعدي على مسؤول حماية الأراضي في سوهاج (تفاصيل)    مجلة جامعة القاهرة لعلوم الأبحاث التطبيقية «JAR» تحتل المركز السادس عالميًا (تفاصيل)    الدكتور محمد الخشت: 11 شرطا لتحول القادة المتطرفين إلى قيادات مدنية    رونالدو ينفي اللعب في كأس العالم للأندية    حكم وجود الممرضة مع الطبيب فى عيادة واحدة دون محْرم فى المدينة والقرى    النسوية الإسلامية «خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى» السيدة هاجر.. ومناسك الحج "128"    أسعار الأسماك اليوم الأحد 8 يونيو في سوق العبور للجملة    أسعار الدولار اليوم الأحد 8 يونيو 2025    المواجهة الأولي بين رونالدو ويامال .. تعرف علي موعد مباراة البرتغال وإسبانيا بنهائي الأمم الأوروبية    من قلب الحرم.. الحجاج يعايدون أحبتهم برسائل من أطهر بقاع الأرض    مسؤولون أمريكيون: واشنطن ترى أن رد موسكو على استهداف المطارات لم يأت بعدا    نشرة أخبار ال«توك شو» من المصري اليوم..استشاري تغذية يحذر من شوي اللحوم في عيد الأضحى.. أحمد موسى: فيديو تقديم زيزو حقق أرباحًا خيالية للأهلى خلال أقل من 24 ساعة    زيزو: إدارة الكرة في الزمالك اعتقدت أن الأمر مادي.. وأنا فقط أطالب بحقي وحق والدي    الوقت غير مناسب للاستعجال.. حظ برج الدلو اليوم 8 يونيو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في مديح الناجيات
نشر في المصري اليوم يوم 15 - 08 - 2018

قبل أن ألتقيها، كنت قد قرأت لها عدة أعمال، وصنّفتها واحدة ضمن قلة من الكاتبات العربيات الناجيات، كما أحب أن أطلق عليهن، هؤلاء اللاتي نجون بكتاباتهن النقية من أسر ماكينات الترجمة الغربية، تلك الماكينات المبرمجة لالتقاط والتهام كل رواية وكل ديوان وكل مقالة تكتبها امرأة عربية تغازل فيها الصور النمطية عن الشرق والعرب في أعين الغرب، تلك الصور الخارجة من بين صفحات ألف ليلة وليلة بجواريها وغلمانها وحيل نسائها من أجل البقاء على قيد الحياة، مثلما فعلت شهرزاد مع شهريار.
هي، بالنسبة لي، كانت واحدة من هؤلاء الناجيات، اللواتي نجون بإبداعاتهن من آتون تلك المحرقة، وهي محرقة يتوهج بفعلها الاسم وينهمر من وسائل الإعلام حتى يزور الناسَ في مناماتهم، ثم يكتشف، من قُدّر له أن يقرأ، أن الأمر لم يكن يستحق حتى عناء زيارة المكتبة لشراء الكتاب.
هي، بالنسبة لي، كانت واحدة من هؤلاء الناجيات، تملك ما تقوله، وتقوله بلغة تملكها، رائقة عذبة ولها روح.
هي، بالنسبة لي على الأقل، واحدة من هؤلاء الناجيات، لأن شهرتها ليست صنيعة محرقة الترجمة، إنما هي شهرة من ذلك النوع الذي تأسس بهدوء وعلى مهل، محمولاً على أعناق نجاحات متراكمة، إنها شهرة مشفوعة بتاريخ من الفعل الحقيقي.
كانت فاتحة دخولي إلى عالمها، مصادفة طريفة، ففي عام 1997م، كنت أختبر الطيران للمرة الأولى، في رحلة قدومي إلى دولة الإمارات للعمل، وبعد أن انتهت المضيفات من استعراضهن لإرشادات الأمان، وكيفية التصرف في حالات الطوارئ، وجهننا إلى إمكانية الحصول على المزيد من معلومات الأمان في الجيب الخلفي للمقعد المقابل للراكب.
بفضول الطائر المبتدئ، مددت يدي متلمساً ذلك الجيب، لم أجد بطاقةً للأمان، إنما وجدت نسخة من رواية، كانت مؤنستي طوال الرحلة، أنستني طيراني الأول وحملتني في جولة على متن لغة حية ونابضة، يمتزج فيها الأسطوري بالتاريخي بالمتخيل، فتكاد لا تفصل بينهم. خلطة أسعدتني، بيد أنها أثارت في ذهني تساؤلات عدة حول حدود الكتابة في الروايات التي تستلهم التاريخ، وإلى أي حد يمكنها التأثير على تصورنا للتاريخ، كان ظني أن لغة راقية كتلك من شأنها أن تعلق في أرواحنا كالعطر، فتصبح مصدراً لتاريخنا، بينما تسقط لغة التاريخ بجفافها كما تسقط أوراق الشجر في الخريف العاصف، الكارثة أن ذلك كله سوف يتم على حساب المعلومة والحقيقة؟.
هذا السؤال الذي انزرع في ذهني وأنا أتصفح رواية (تقاسيم الحياة، شجرة الفهود) للروائية الأردنية سميحة خريس، هو السؤال نفسه الذي افتتحت به حواري معها عندما أسعدني الحظ بأن تكون ضيفتي في برنامج تواقيع في أبوظبي.
ورغم أن الأسئلة عادة لا تبقى هي نفسها بعد مرور السنين، إلا أنني كنت راغباً في أن يظل هذا السؤال –تحديداً- هو السؤال ذاته الذي نبت في ذهني قبل خمسة عشر عاماً بينما أتجول بين صفحات الروية على متن طائرة مصر للطيران المتوجهة من القاهرة إلى الشارقة.
كانت خريس، التي لم ألتق بها من قبل، تتداخل في مخيلتي بشخوص رواياتها، كما يتداخل عندي كل كاتب أحبه بشخوص رواياته أو بأطياف ما قرأته له من أعمال، كنت أراها خارجة من ذلك النسيج الاجتماعي النابض بالحياة الذي تمرره في كتاباتها، وتلك الصراعات الصغيرة التي تسربها فيه لتمنحه إنسانيته، وتلك الصراعات المريرة التي تقول لنا إنها تنزع عنه كينونته.
بعيداً عن كل صورها في وسائل الإعلام وهي تجيب عن أسئلة الإعلاميين أو تتسلم جوائزها، كنت أرى سميحة خريس خارجة من متون كتبها، حتى تلك اللحظة التي صافحتني فيها ببسمة أمومية حنون، وأخذت مكانها في المقعد المقابل لي على المنصة، كنت أخاطب تلك المرأة التي صنعتُها في مخيلتي من كلمات هي كتبتها، امرأة تختلط فيها الأسطورة بالتاريخ بالمتخيل، امرأة تصنع قصصاً من تلك النوعية التي تبقى في الذاكرة.
تحدثت عن دور الروائي الذي يختلف عن دور المؤرخ، فإذا كان الأول يتكئ على التاريخي ليصنع روايته ويبلغ رسالته، فإن الأخير باحث عن روايات التاريخ يقتفي آثارها ويتتبع خطاها، لم تشاركني خريس مخاوفي من انعكاس ظلال الرواية على التاريخ، حتى لو تمتعت الأولى بكل مقومات الإغواء، ففي ظنها أن الرواية تظل عملاً إبداعياً وأن القارئ يدخل فيه بهذا الوعي، واتفقنا على أن إطلاق اسم (رواية تاريخية) على هذا النوع من الروايات الذي يستلهم قصص التاريخ هو خطأ نقدي، فالرواية تبقى رواية طالما أن هدفها إبداعي، وأن مصطلح الرواية التاريخية يصلح أن يُطلق على الروايات التي تستهدف بالفعل تقديم التاريخ مثل الروايات التي تقدم سير حيوات شخصيات تاريخية أو وقائع أخرى تاريخية بمعالجة فنية من دون تغيير في المعلومات والحقائق.
كانت خريس تتحدث بعفوية الأمهات، وبلباقة سيدات المجتمع، وهي في مظهرها كذلك تجمع بين الأمرين، أنيقة في غير تكلف، يشع من عينيها دفء لطيف، يزداد عندما يكون الحديث موجهاً إلى ابنتها التي كانت ضمن الحضور. لم يقلقها سؤال ولم تتنازل عن هدوئها في إجابة، موزعة نظراتها واهتمامها على الحضور الذين كان معظمهم من الجنس اللطيف.
أهدتني الروائية سميحة خريس كتابها الأخير (على جناح طائر- سيرة المدائن)، الذي قرأته فيما بعد وأضاء لي مساحات من سر كونها واحدة من (الناجيات)، هي لم تسمه سيرة ذاتية، إلا أنها تتبعت فيه، بلغتها الواثقة، منابع تشكلها على المستوى الشخصي والإبداعي، ورصدت تفاصيل رحلتها المرتبطة بشكل وثيق بسيرة العديد من المدن العربية، حيث قضت حياتها بالفعل (على جناح طائر) متنقلة بين العديد من الدول العربية، حيث درست وعملت وعاشت وتزوجت وكونت صداقات وذكريات، وُلدت وعاشت طفولتها المبكرة في عمّان الأردن، وانتقلت للعيش في الدوحة، بعدها الخرطوم التي عادت إليها بعد ذلك زوجة لأحد أبناء السودان، ثم أبوظبي، ثم الأردن، ولم تغفل رصد تفاصيل علاقتها بالقاهرة والإسكندرية ودمشق والسويداء والرقة، وتونس وطرابلس وبيروت لتجعل من كتابها شهادة أدبية واعية على فترة من أدق فترات التحول العربي اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، تميزت بالجمع بين إطلاع على تفاصيل الشارع العربي في المدن التي عاشتها، وبين معرفة بنخب تلك المجتمعات من أعلام الثقافة والسياسة والفن بحكم عملها في الصحافة وبحكم دائرة علاقات أسرتها المنتمية إلى السلك الدبلوماسي.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.