الحارس .. أوضة نومى جنب تربتها

مئات المفاتيح المعلقة على جدار يشهد على عظمة خالقه الذى ثبت الشمس بدون عماد، فنحن لا نعرف كيف تحمّل الجدار الذى يطفو على المياه الجوفية فى هذه الحجرة الصغيرة كمية هذه المفاتيح الملقاة على عاتقه، هذه المفاتيح التى يفتح كل منها حوشا من الأحواش، يستخدمها عم «محمد» حارس المدافن، الذى اختار أن يتحدث عن قصة حبه مع زوجته فى المكان الذى شهد أول يوم فى زواجهما، بجانب هذه المفاتيح، وبجانب هذا الجدار.
«إحنا معندناش حاجة اسمها نتفسح ونتعرف على بعض قبل الجواز، الرجل عندنا يتجوز الأول وبعدين هو عاوز يفسح مراته ولا لا هو حر، ومعندناش حاجة اسمها نسيب عيالنا تتجوز لما يبقه عندها 40 سنة، إحنا نجوز العيال صغيرين، علشان العيال متغلطش».
تابع «عم محمد» قصته قائلا: «زوجتى هى ابنة خالتى، تعرفت عليها عندما ذهبت إلى البلد لكى أتزوج، كان عمرى وقتها 17 عاما ونصف، أما هى فكان عمرها 17 عاما فقط، وبدأنا حياتنا هنا فى هذه الحجرة الصغيرة، ووقتها كانت المياه لم تدخل بعد إلى المقابر، ومع هذا لم تشتك زوجتى من أى شىء، بل رضيت بالواقع وبقيت معى، الست عندنا تقعد مع جوزها مهما كان هما فين، وترضى باللى هما فيه».
ثم أكمل: «لدينا 8 أبناء، 4 صبيان و4 بنات، ربيناهم هنا فى المقابر، وكانت أحلى لحظة فى حياتنا هى يوم زواجهم، وأتمنى من الله أن تكتمل فرحتنا بزواج آخر بنتين».. ابتسمت الفتاتان اللتان كانت تقف وراءنا فى الوقت الذى غادر «عم محمد» مرة أخرى لفتح أحد الأحواش، ثم تحدثت إحدى الفتاتين معى قبل أن يعود والدها قائلة: «معلش أصل بابا بيتكسف، هو بيحب ماما أوى، لما عملت عملية قلب مفتوح مكنش عارف يعيش من غيرها».
عندما عاد «عم محمد» حاولنا أن نشجعه بالحديث عن زوجته باستفاضة فسألناه عن العملية، فابتسم ابتسامة مرّة قائلا: «أنا متزوج منذ 40 عاما، أصعب موقف حدث لى فى حياتى كان عندما مرضت زوجتى وقال لى الطبيب إنها تحتاج لإجراء عملية قلب مفتوح، كنت حاسس إنى هيجرالى حاجة، خاصة يوم العملية الذى لا يمكن أن أنساه، ذهبنا إلى المستشفى منذ السابعة صباحا، ووقفت أمام باب العمليات ثم العناية المركزة حتى التاسعة مساء بالرغم من أننى أعلم أن الزيارة ممنوعة، بس مكنش ينفع أروح غير لما أطمن عليها».
وتابع: «ظللت ثلاثة أيام وأنا خائف عليها، أزورها فى المستشفى أو ابعتلها العيال، حتى شفاها الله، أقولها فى عيد الحب ربنا يخليكى ليا، وأقول لأبنائى ربنا يعينهم على الدنيا».
اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة