محمد منصور يبدو أن هناك حيرة شديدة وتضارب في الآراء لدي المصريين هذه الأيام بخصوص الإستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية المقترحة، والمزمع إجراؤه في غضون أيام قليلة. التحدي الرئيسي في هذا الإستفتاء هو أن غالبية المصريين سيشاركون سياسياً ويمارسون ديمقراطيةً حقيقيةً لأول مرة في حياتهم وسط شكوك كثيرة و ترقب وخوف من أوضاع غير مستقرة في مصر والمنطقة العربية. ولذلك نجد كثيرين مدفوعين للتصويت ب"نعم" أملاً في الإستقرار وخصوصاً أن التعديلات في المواد المذكورة تمثل تقدماً كبيراً وتغييراً لم يكن يحلم به أحد، وأن الموافقة عليها قد تعني إنجاز خطوة أخرى هامة في رحلة بحث المصريين عن الدولة المدنيه الحديثة. ولكن هناك عدد آخر كبير يرفض التعديلات لأسباب عدة يتعلق معظمها بقناعتهم بعدم جواز القيام بتعديلات على دستور قديم قد حدثت فيه تشوهات وفقد شرعيته علماً أنه يرمز للنظام القديم - ناهيك عن الخلافات في تفاصيل المواد التي تم تعديلها. الجدير بالملاحظة أيضاً هو أن معظمنا كمصريين ليس لديه أي خبرة سياسيه، ولسنا كذلك فقهاءا في القانون الدستوري حتى نعرف بسهولة الإجابة الصحيحة؛ هل هي "موافق" أم "غير موافق" ! بالنسبة لي كمواطن عادي، دستور1971 الذي تم إقتراح التعديلات فيه هو مثل المبني المتهالك "الآيل للسقوط". وإقتراح هذه التعديلات يشبه من يحاول إقامة بعض الدعامات الإنشائية لإبقائه مسنوداً لأطول فترة ممكنة.. ! ولذلك يبدو لي بوضوح أن التعامل الأمثل مع هذا المبنى هو إتباع خطوات علمية محددة تضمن سلامة ساكنيه بعيداً عن أية عواطف. ولسنا في حاجة للتذكير بكم المباني التي إنهارت في مصر على أهلها بسبب الإهمال والتأخر في تنفيذ قرارت الإزالة - هذا إن أدركوا أو اقتنعوا أصلاً أن المبنى لابد أن يزال لخطورته على حياتهم.. ! ولكن يبدو أن هذه هي إحدى العيوب المزمنة في المجتمع المصري الذي يفكر غالباً على المدى القصير فقط وبصورة عاطفية. فإن أوصى الخبراء والمتخصصون بضرورة هدم هذا المبنى وإنشاء آخر مكانه فالأمر البديهي والعلمي أن ينفذ ذلك بدون أي تأخير، وإن قرر الخبراء أن المبني سليم، ولكن يلزمه بعض الإصلاحات والتعديلات فلا ضير. نفس هذا الأمر ينطبق على الدستور القديم، والتعديلات المثيرة للجدل، والقرار بالقيام بإستفتاء شعبي عليها. فغالبية الشعب متفقون على أن دستور نظام الرئيس مبارك قد تشوه فعلاً - بسب تدخلات مفصلي القوانين السابقين - وإلا ما كان الشعب ليقوم بثورة..! ، فكيف بعد إدراكنا لحقيقة هذا الدستور المتهالك نقوم فيه بتعديلات، بالرغم من قيمتها، إلا أنها لا تضمن العدالة الكاملة لكل أبناء مصر، ولو لفترة مؤقتة..؟ فالواجب هو إلغاء هذا الدستور بأسرع وقت ممكن، وإنشاء دستور مصري جديد يعبر عن الثورة، ويكون متوازناً ومتكاملاً، وعلى "أسس سليمة" تضمن الحق والعدالة التامة لكل أبناء مصر بكل توجهاتهم المشروعة، وتضمن كذلك إرتفاعاً يليق بهذا الشعب وطموحه في صنع الحضارة. إن الدستور القديم ليس فقط كالمبنى الآيل للسقوط، بل هو مثل العشوائيات المتنشرة في مصر. ومحاولة تمرير هذه التعديلات الدستورية هي كمن يستفتي الناس في إمداد شبكات الماء النظيف والكهرباء والصرف الصحي إلى مناطق عشوائية سيتم إزالتها بعد قليل..!! لا يمكن وصف قرار الموافقة على تلك التعديلات إلا أنه خاطئ تماماً، ولا يخضع لأسس التخطيط العلمي الجاد الطامح في إنشاء دولة متحضرة متقدمة. وإن قال من سيصوتون ب"نعم" للتعديلات أنه سيكون هناك دستور مصري جديد يوضع في المستقبل، فهذا بدون شك إهدار مقنن للجهد والمال والوقت في تجميل عشوائيات زائلة. ولهذا أنا أرفض الموافقة على التعديلات الدستورية المقترحة، وعلينا أن نشرع في وضع دستور جديد لمصر الآن. إن لم نبدأ الآن في وضع الدستور الجديد.. فمتى؟ لن أخوض في تفاصيل تعديلات المواد الدستورية وذلك لأن هذا أمر منوط بأهل التخصص والخبرة، وإيضاً لأن إعتراضي كما بينت هو على تعديل الدستور القديم وليس على تفاصيل التعديلات. ولكن يلزم ذكر أشياء في غاية الأهمية: أولاً: ما دفعني الى الإطمئنان برفض تلك التعديلات المقترحة هو ذلك العدد الكبير من الخبراء القانونين والدستورين والسياسين المصريين المحترمين الرافضين لتلك التعديلات والداعين لكتابة دستور مصري جديد.. ثانياً: المواد الحساسة في الدستور - كالمادة الثانية مثلاً - لا خوف عليها في دستور جديد حيث أن 90% من الشعب المصري يدينون بالإسلام.. ! ثالثاً: نداء لكل مصري ينوي التصويت : الرجاء.. ثم الرجاء.. ثم الرجاء؛ لا تقول "نعم" أو "لا" لتلك التعديلات الدستورية من منطلق أن ذلك يتوافق مع مصلحتك الشخصية أنت وطائفتك فقط ولا يعنيك إن ضر ذلك بمصلحة معظم الشعب؛ بل أنظر إلى ما فيه مصلحة الوطن وغالبية الشعب من الناحية الأمنية والإقتصادية، ومن ناحية العدالة، وصوت به حتي وإن كان مخالفاً لهواك.. لابد أن نتخلص من الأنانية إذا أردنا أن ننهض بمصر. وأخيراً، لن يحزنني أبداً إن إختار الشعب "نعم" للتعديلات وأنا رافض لها إن كان ذلك ما يريده غالبية المصريين فعلاً، ولكن سيحزنني جداً إن جاءت النتيجة في غير صالح مصر، أو مخالفةً لإرادة الشعب. بالرغم من هذا المأزق الدستوري الذي تمر به مصر وقلق أكثر المصريين من كل هذه الأوضاع، إلا أن الأمل كبير بإذن الله..