قصة قصيرة فكيسة احكيها لأحفادى عن "ثورة 25 يناير الجزئية" بعد ان حكيت لهم ما أذكره عن ثورات مصر (جزئية كانت أو مكتملة) بدء من ثورة عرابى و انتهاءا بثورة 71. بدأت بسرد ذكرياتى البطولية فى أحداث الثورة ومشاركتى فيها وفى اللجان الشعبية اعتمادا على ذاكرتى المسنة التى اختلطت فيها الأفعال بالقصص المسموعة عن الميدان و شباب الثورة ، فلم أعد استطيع ان أفرق بين ما قمت به فعليا و ما سمعته او حدث ابان هذه الفترة ، ولى العذر حيث أن هذا قد حدث من سنون طويلة ...... خدت بالك من سنون دى ......المهم يبقى منظرى بطل فى عيون أحفادى. واسترسلت فى انه بعد ان خمدت الثورة وبعد الموافقة الميمونة على التعديلات الدستورية لصالح و الوطن واستقرار الأمور حيث ان معظم الشعب كان قد سئم الحالة الثورية وتداعياتها ، فقد كان الشعب يظن ان الموضوع بتاع كام أسبوع وخلاص وكل واحد بأه يرجع بيته و تدور عجلة الانتاج لاحسن الدقيق خلص و الفلوس خلصت و حتى الكباب و البيتزا معرضين لمشكلة كبيرة و كمان البرامج التليفزيونية بأت مملة أوى و كلها سياسة و بلا أزرق ، و كده يعنى ، فاصبح من ينادى بان تكتمل الثورة ده راجل او ست ادمنوا حكاية الثورة دى و اشتاقوا للفراخ الكنتاكى بتاعة الميدان مع الخمسين دولار (وفى قول اخر 200) ، دون النظر لمستقبل البلاد و استقرار الدولة. وبعد هذه الموافقة ، وبعد تفعيل الدستور القديم (دستور 71) ، مضت قيادة القوات المسلحة (التى لم يعد أحد من اعضاءها على قيد الحياة فى الوقت الحالى) ، مضت فى تنفيذ برنامجها لتكمل المشوار حسب تعهدها امام الشعب و الثورة ، فتمت الدعوة لانتخابات مجلسى الشعب و الشورى و التى كانت مثالا يحتذى فى الديموقراطية و الشفافية شاركت به اطياف الشعب المختلفة بدء من حزب العدالة (الاخوان) و الوسط والاحزاب الاسلامية المختلفة التى وحدت جهودها و استطاعت الحصول على 50% من المقاعد مرورا ببواقى الحزب الوطنى و التى رشحت نفسها كمستقلين اعتمادا على أصوات العائلات وغيرها والتى استطاعت الحصول على 35% من المقاعد ، والاحزاب القديمة و التى كانت قد فقدت مصداقيتها و بريقها منذ عهد و حصلت على نسبة 8% من المقاعد ، و انتهاءا بالاحزاب الجديدة والتى كانت قد انشئت حديثا كنتاج لثورة 25 يناير الجزئية وكان عددها فى هذا الوقت 25 حزب (يبدو انه تيمنا برقم 25 !!) و استطاعت هذه الاحزاب الناشئة الحصول على نسبة ال 7% المتيقية من المقاعد ، وقد عزى المحللون السياسيون وقتها هذه النسبة الضعيفى الى عدم توحيد جهود احزاب الثورة و عدم وجود قيادة متفق عليها كعادة الشعب المصرى فى حب الزعامة و المناقشات البيزنطية و خلافه و غيرها من المسالب التى كانت شائعة و منتشرة بين افراد الشعب ابان هذه الفترة ..... (خدت بالك من ابان دى) ...... المهم بعد كده جاءت انتخابات الرئاسة و كان المرشحون يمكن تصنيفهم الى اربعة فئات ، الاولى فئة تنتمى للنظام القديم جزئيا ، مشهود لها بالنزاهة (على حد علم الشعب) مع بعض التحفظات هنا وهناك من امثال عمرو موسى و الفقى و غيرهم ، والفئة الثانية تنتمى الى الاحزاب القديمة و التى فقدت مصداقيتها من امثال نور وسامح عاشور و الصباحى و غيرهم ، والفئة الثالثة والتى كانت الاقرب لشباب الثورة مع التحفظات الشديدة على مصداقية وطنيتها والتى ظل النظام القديم يغذى هذه الشكوك لسنوات ما قبل الثورة من امثال البرادعى ، والفئة الرابعة ناس ما كانتش فى الصورة و الشعب ما يعرفش عنهم اى حاجة فى اى حتة ................. عموما هى دى الديموقراطية يا ولاد .......... المهم اسفرت الانتخابات دى عن فخامة الرئيس الحالى ربنا يحميه لمصر والذى فى أول خطبة والتى كانت خطبة عصماء ، اعتقد ان معظمكم يحفظها عن ظهر قلب من خلال منهج "التربية الوطنية الثورية" بالمدارس ، والتى أكد فيها التزامه بمبادئ الثورة والبرنامج التى وضعته قيادة القوات المسلحة حينذاك (حينذاك .... !! ايه الفصاحة دى !!) ..... المهم ان فخامة الريس اتفق مع مجلس الوزراء و اعضاء المجلس الموقر على حكاية اللجنة اياها دى اللى هى بتاعة تغيير الدستور ، كان اسمها الجمعية التأسيسية ، وطبعا دى كانت ضربة شديدة للى كان بيقول ان التعديلات الجديدة ما بتلزمش الريس بانه يغير الدستور ، اهوه الريس التزم وكله تمام ، المهم تم انتخاب اللجنة دى من 100 عضو اغلبهم من داخل المجلس (ما هو دول زبدة الناس فى مصر و هم دول اللى الشعب انتخبهم و راضى بحكمهم فى كل اموره) وشوية خبراء دستوريين (طبعا كان من ضمنهم الخبراء اللى حطوا التعديلات الجديدة للعشر مواد اياهم) ، وشوية ناس كده تانية كان ليهم مصداقية عند الشعب ، ومارست هذه الجمعية مهامها على الفور بعد استفتاء الشعب عليهم و نجاحهم (ما هم دول معظمهم اللى الشعب نجحهم فى انتخابات المجلس يعنى برده الشعب كان لازم يوافق عليهم). المهم الجمعية بدأت تحلل الموقف ولقوا نفسهم هيتوهوا ، يعنى حكاية ان يحصل اجتماع و ال 100 واحد يتكلموا دى بتاخد وقت طويل أوى و كل مرة ينفض الاجتماع من غير خلاصة و كمان كل مرة فيه ناس بتتخانق علشان ما جاش عليها الدور فى الكلام ، فقررت الجمعية بعد مرور شهر أو اكثر انها تقسم الدستور لأبواب وكل باب يبقى مرحلة منفصلة ، وقررت الجمعية التأسيسية دى انها تشكل لجان منبثقة من الجمعية الأم و كل لجنة تتناقش على حدة و بعدين بعد ما كل لجنة تستقر على نصوص معينة ، كل لجنة من دول ترشح واحد علشان يبقوا المرشحين دول فى لجنة عليا تنسق بين الرؤى المختلفة لكل لجنة فرعية ولكل باب على حدة ، ولما يخلص الباب ، يفتحوا باب تانى ، وطبعا كان فيه خريطة علشان الناس ما يتوهوش من كتر الأبواب وكده يعنى ، يعنى الموضوع كان منظم جدا وفيه شفافية كبيرة أوى زى ما انتوا شايفين ، طبعا ده نتاج لثورة 25 يناير الجزئية اللى من غيرها لا كان فيه لجان و لا يحزنون. المهم الجمعية مضت فى مهامها بناء على هذا البرنامج و التنظيم لتغيير الدستور. فى هذه الأثناء ، كان فخامة الرئيس يحاول تعديل الأوضاع و الخروج من الكوارث و المصائب التى تسببت فيها الثورة الجزئية ، تارة بتغيير الوزراء ، و تارة بالتدخل المباشر فى أعمالهم لافادتهم بخبرته الواسعة الممتدة فى كل المجالات سواء سياسية كانت او اقتصادية او اجتماعية ، و كان حملا ثقيلا للغاية خاصة فى ضوء تخبط الوزراء فاضطر لتعيين العديد من المستشارين للرياسة من ذوى الامانة فضلا عن الخبرة لان المرحلة كانت تتطلب هذه الامانة فى غمار الزخم واللغط وعدم الوضوح الموجود فى الساحة. اثبت الرئيس فى خلال شهور قليلة النبوغ السياسى حيث عكف جاهدا واستطاع بمعاونة مستشاريه ان يضع حلولا طويلة الأجل لجميع مشاكل البلاد تقريبا ، وتم عرض هذه الحلول و البرامج على الشعب على ان يتم تنفيذ هذه البرامج على اربع مراحل ، كل مرحلة تمتد لفترة خمس سنوات لتصل بمصر فى نهاية العشرون عاما الى نفس مكانة ماليزيا و تركيا و غيرها من البلاد الواعدة. و كنتيجة لعرض هذه البرامج الفذة ، نشطت بعض شرازم المعارضين و كان أغلبهم من البلطجية للقيام ببعض المظاهرات المحدودة للتعبير عن عدم رضاهم عن هذه البرامج ذات الأجل الطويل و التى لن تنعكس نتائجها على الشعب و حياته اليومية الا بعض اكتمالها فى نهاية العقد الثانى من بدء تنفيذها. و انتشرت على البرامج التليفزيونية تحليلات عميقة و مناقشات بلورت النتيجة النهائية لرأى ذوى الأمانة و ايضا ذوى الخبرة فى هذه البرامج مفادها انه نظرا للظروف الراهنة للبلاد فانه لم يكن متاح الا ما عرض فى هذه البرامج ، بل ذهب البعض لاقتراح عمل مظاهرات تأييد واسعة لدعم هذه البرامج التى حازت على جوائز عديدة نظرا للمنظور الفذ و الشامل التى صيغت به. أما بالنسبة للبلطجية و الشرازم فكان من السهل السيطرة عليها "فى مهدها" قبل وصولها أساسا لميدان التحرير تصحيحا للخطأ الفاحش الذى قامت به قوات الأمن ايام الثورة بالسماح للتجمعات بالوصول الى الميدان خوفا من الاعلام و جمعيات حقوق الانسان ، أما هذه المرة فقد بات واضحا ان هذه الشرازم ما هى الا جماعات من البلطجية تسعى لاجهاض مكاسب الثورة و تعطيل مسيرة النمو و التقدم ، للأمام ، للأمام ، للأمام. وارتاحت الأمة وارتاح الشعب على الاخر. وكادت ان تنتهى الجمعية بتاعة الدستور من عملها بعد ما يقرب من سنتين من الجذب و الشد و النقاشات و الخلافات ، ولكن فوجئنا و بدون اى انذار بقوات اسرائيل تحتشد قريبا من حدود مصر بدون سبب معلوم مما استدعى رفع حالة الاستعداد للبلاد واعلان حالة الطوارئ (مش قانون الطوارئ) فى البلاد عامة ، و هذا بالطبع عطل جميع الجهود الاصلاحية نظرا لحساسية الموقف و الذى يؤثر على الأمن القومى للبلاد ذو الأولوية التى لا يجب مناقشتها كما نعرف جميعا. و بالرغم من الجهود من قبل مسئولى مصر بالاضافة للجهود الدولية بما فيها مجلس الأمن و الأولروبى و ما شابه ، لم تمتثل اسرائيل لمحاولات اقناعهخا باعادة توزيع قواتها بحجة ان هذا جزء من خطة حماية أمن اسرائيل و شعبها ، اصلهم كانوا خايفين من الريس الجديد بأه. وزى ما انتوا عارفين ان الوضع ده ما زال مستمر خلال التلات عقود اللى فاتت ، اسرائيل قواتها على الحدود ، واحنا رافعين حالة الاستعداد و معلنين حالة الطوارئ لغاية دلوقتى يا ولاد. وعلى هذا لم يكن متاحا تفعيل اية اصلاحات ، لا دستور جديد ، ولا حاجة ، اما بالنسبة للريس فلما انتهت فترتين الرئاسة بتوعه ، ونزولا على رأى مستشاريه اللى كانوا ذو امانة عالية تفرض عليهم عمل اللى فى صالح البلد ، وايضا نزولا على رغبة جماهير الشعب الغفيرة اللى خرجت فى كل مكان ، اعلن انه مضطر اضطرارا قهريا للاستمرار فى خدمة البلاد نظرا لحالة التوتر الشديد اللى عايشين فيه و حفاظا على الأمن القومى ، وطبعا بمرور الوقت سنه كبر شويتين فاضطر للاستعانة بأبنه و حفيده ، مش توريث خالص لكن اضطرارا قهريا. اما بالنسبة للناس اللى فجروا الثورة أساسا ، فانا وقتها دورت عليهم ، وكان فات ييجى عشر سنين ، لقيت وائل غنيم لسه فى دبى حضر دكتوراه و خلف ولدين و بنت ، ومصطفى النجار و شادى شفتهم فى الجنينة كل واحد بيزق عربية أطفال وماسك فى ايده بالونة ، ولما سألتهم ايه الاوضاع دلوقتى ، قالوا لى بالنسبة لابن مصطفى دخل المدرسة السنة دى و بالنسبة لبنت شادى لسه اول سنة حضانة ، مصطفى بيدور على شغل حاليا اما بالنسبة لشادى فهو كان بيشتغل بس يعنى المرتب مش مكفيه علشان حكاية الاولاد دى و مصاريفهم ، روحت البيت و من ساعتها و انا زى ما انتوا شايفين ، فى نفس البيت و قاعد على نفس الكنبة و باستنى كل جمعة لما تيجوا لى تحكوا لى و احكى لكم. عاش الرئيس الفريد المنفرد و عاشت مصر حرة و تحيا مصر.