لدي مشروع بحثي قديم بعنوان «7 أكتوبر.. اليوم التالي للنصر»، وهو مشروع في التحليل الثقافي، وليس في التأريخ العسكري، فالمشروع لن يضيف جديدا للحديث عن تحضيرات حرب أكتوبر، وأيامها ال18 المتقلبة (مصادفة تذكرنا بثورة يناير)، وما آلت إليها نتائجها، لأنني لم أكن طرفا فيها، وليست لدي وثائق أو معلومات تكفي لحسم القضايا العالقة في تاريخ هذه الحرب، المشروع ينطلق من فكرة بسيطة تؤكد انتصار مصر الساحق في 6 أكتوبر، حيث تم عبور القناة بنجاح مذهل، صدم العدو، وقدم مصر والعرب بصورة جديدة للعالم، وهذه اللحظة ليست محل خلاف حتى داخل اسرائيل نفسها، لكن الخلاف ولد مع صبيحة اليوم التالي للنصر، وأخذ ينمو حتى انتهى بصراع كبير بين وجهات النظر، ليس بيننا وبين العدو فقط، لكن بين كبار القادة في الحرب. ربما يتصور البعض أن مشكلة تقييم نتائج حرب أكتوبر تقف عند حدود الصراع بين السادات (القائد الأعلى للقوات المسلحة) ومعه وزير الحربية المشير احمد اسماعيل في مقابل رئيس الأركان الفريق سعد الشاذلي ومعه عدد من قادة الجيوش والقادة الميدانيين. وربما ينتظر البعض نوعا من الكتابة المعلوماتية عن حرب أكتوبر تساهم في حسم وجهتي النظر المتصارعتين حول عدد من القضايا والنتائج أخطرها وفي القلب منها سؤال: من المسؤول عن ثغرة الدفرسوار، وحصار الجيش الثالث؟ هذا السؤال نفسه يؤكد أننا أمام مشهدين للحرب، وليس مشهد واحد هو الذي يركز عليه الإعلام وتفرضه أجواء الاحتفال! هناك مشهد للبطولة والعبور العظيم في 6 أكتوبر، ومشهد للانقسام، وتخبط القرارات، والصراع بين رؤية السياسي وخطة المقاتل، أدى في النهاية إلى سؤال خطير من هذا النوع، الذي يتضمن ثغرة غرب القناة وحصار جيش من 45 ألف مقاتل، فماذا حدث بين 6 اكتوبر و24 اكتوبر؟، وهل كانت القيادة السياسية تخطط من البداية لحرب تحريك تستهدف منها فتح مسارات التفاوض برعاية أمريكية حسب اتفاق تفصيلي أو عمومي مع كسينجر، أم أنها كانت تخطط فعلا لحرب تحرير تستهدف منها الوصول إلى المضائق والسيطرة على مفاتيح الحركة والتحصين الجيد في سيناء؟ انقسمت المذكرات والشهادات بين الطرفين، وحدث نوع من الاستقطاب الثنائي، من دون أن تتخذ أي سلطة مسؤولة (تنفيذية أو تشريعية أو قضائية أو عسكرية) قرار بتشكيل لجنة لتقييم نتائج الحرب، ودراسة إيجابياتها وسلبياتها بناء على الخطة المعدة سلفا، وطريقة تنفيذها في حدود الإمكانات المتاحة، وهل كانت الخطة المعتمدة هي العمملية 41 أم بدر، أم المآذن العالية، أم جرانيت2، أم كولاج اجتهادي حسب الظروف الميادينة والقرارات السياسية التي تقاطعت وتعارضت مع قرارات قادة الميديان، لدرجة تهديد بعضهم بالاستقالة الفورية، وتفكير آخرين في الاستقالة لاحقا، ثم إقالة أكبر 3 قادة ميدانيين يتقدمهم رئيس الأركان قبل 3شهور من انتهاء القتال! هل كانت حرب أكتوبر: انتصار أم هزيمة؟ لا تنزعج، فأنا لا أطرح هذا السؤال عليك في عيد النصر، لكن الكاتب الإسرائيلي المعادي للعرب يؤاف شاحام هو الذي يطرحه مؤكد أن الشارع الإسرائيلي مازال يتداول الأمر بعد 41 سنة على «حرب يوم الغفران» يعترف شاحام أن المفاجأة المصرية والسورية في 6 أكتوبر1973 ظلت جرحا يدمي التاريخ الإسرائيلي، لكنه يسأل: من يتذكر النتائج النهائية للحرب؟ يوضح شاحام أن وسائل الإعلام الإسرائيلية تكشف كل عام عن وثائق سرية جديدة، ولاتتردد في توجيه الانتقادات الحادة لقادة الحرب، واتهامهم بالفشل، والتسبب في تحطيم أسطورة «الجيش الذي لا يقهر»، لكنه يعود ليتحدث عن الاصوات التي بدأت تعلو في الحديث عن الانتصارات الاستثنائية التي تحققت في نهاية المعركة ومابعدها، حتى أن رئيس الأركان الحالي بيني جانتس الذي لم يشارك في الحرب لانه كان طفلا جينها) قال: «إن حرب أكتوبر بدأت مرتبكة لصد الهجوم المباغت، ثم تحولت، إلى انتصار كبير لجنودنا». هكذا بدا الحديث في إسرائيل عن انتصار مستحق في 7 اكتوبر (بالمعنى الرمزي للتاريخ طبعا)، فقد كتب يسرائيل هرئيل مقالة في «هآرتس» وصف فيه النتيجة النهائية لحرب اكتوبر بأنها «انتصار خفي» يجب إعلانه، ونقض رواية الهزيمة التي تجذرت في الوعي الإسرائيلي نتيجة الصدمة والانتقادات المبالغ فيها، فبعد 40 عاما من جلد الذات، يجب إعادة صياغة هذه الرواية الكاذبة، واعتماد الرواية المتفائلة، لأنها الرواية الأكثر واقعية. انتهى مقال هرئيل بأن مصر، لاتزال تعتبر يوم السادس من أكتوبر يوم عيد، وفي إسرائيل أيضا بدأ الكثيرون يتخلصون من مشاعر الألم والخجل من هذا اليوم، وبعد 41 سنة، بدأت الصدمة تترك مكانها في القلوب. * هل يوحي لك هذا المقال بفكرة ما؟ * هل يمكن تصور النصر باعتباره لحظة فرح عظيم لأنك احرزت هدفا رائعا في بداية المباراة، ثم اكتفيت بالتهليل لهذا الهدف، فيما يتلقى مرماك الهدف تلو الآخر؟ * ألا نشعر أن 6/1 هزيمة ثقيلة؟ * هل استطعنا بعد نصف قرن من الصراع ان نسد الفجوة العسكرية بيننا وبين العدو؟ * والأهم هل لايزال العدو هو العدو فعلا؟ أعتقد أننا يجب أن نفكر في 7 اكتوبر، لأن الخصم يواصل غحراز الاهداف في مرمانا ونحن نواصل الاحتفال مع الجماهير المنتشية بالهدف الأول والوحيد الذي أحرزناه. وأعتذر عن توقيت المقال جمال الجمل [email protected] اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة