يبدأ الأمر فجأة وقد لا تنتبه إليه إلا متأخرًا بشيء عارض جدًا، ربما لا يلفت نظرك للوهلة الأولى، مثل ظهور بعض الشعيرات البيض تتخلل شعر رأسك، أو تجاعيد دقيقة في أطراف العينين وربما هالات سوداء تحددها، وظهور هذه الهالات يوتر الأنثى أكثر من الذكر، ثم لا تكاد تلاحق الزمن الذي يجرفك معه وقد وهنت قدراتك على المقاومة، وهنا تبدأ رحلة التحايل بإضفاء بعض مظاهر الشباب التي تولى بلا رجعة، سواء باستخدام الأصباغ والكريمات والحقن بالفيتامينات والهرمونات أو بالبقاء داخل خيمة من الأوكسجين النقي أو الأوزون لفترات محددة، وقد تغالي بعض النساء اللواتي كنا مهووسات بجمالهن فيحقن أجسادهن ووجوهن بالبوتكس ومواد أخرى لا تتوقف العقول الطبية عن اختراعها إما لإعادة شبابهن أو لاضفاء جمالاً وفتنة إليهن، وفي الحقيقة لقد نجح خبراء الصحة والجمال في ذلك إلى حد ما، وقد كنت منذ سنوات في بيروت وأدهشني كم الفاتنات اللواتي كنا يعبرن الشوارع على أقدامهن أو وهن داخل السيارات، الوجوه اللامعة والخدود النضرة المتوردة والشفاه المكتنزة مع الصدور النافرة والأجساد السمهرية والخصر المحكم الدقيق.. إلخ، لكن كلهن متشابهات إلى حد التطابق كأنهن «عروسة المولد» تلك العرائس المصنوعة من الحلوى والتى كانت تباع فيما مضى فى المولد النبوى الشريف، يبدون كأنهن خارجات من مصنع وقالب واحد. في اعتقادي أن الشعور بالكبر والعجز شيء طبيعي جدًا، والتعامل معه ببعض التحسينات في الشكل والصحة مفيد جدًا، لأن هذا الشعور لو تملك من الإنسان لقضى عليه، فعند شعورك بأنك قد هرمت وكبرت إلى درجة أنك لن تقدم جديدًا، أنت تعطي لروحك إذنا بالانكسار وتبث فيها رغبة بالرحيل، وقد لاحظت ذلك على أناس كثيرين كانوا يعملون ببهجة وهمة ونشاط طيلة حياتهم الوظيفية وكانوا في تمام الصحة والعافية، يكادوا لا يشكون من أي متاعب صحية، وبمجرد تقاعدهم رحلوا بعد فترة قصيرة لخلو حياتهم من أي معنى للكفاح، أنا أعرف طبعًا أن قدر الإنسان قد كتبه الله عز وجل من قبل مولده، وأن لا أحدا يموت ناقص عمر كما يقول المثل الدارج، إنما قصدت بملاحظتي تلك أن أنبه إلى قيمة العمل والهدف الذي نسعى إليه، وأحذر من صنع «ربيع زائف» بالمبالغة في التجميل ومحاولة إعادة الشباب لأن ما فات قد مات، المطلوب فقط هو الاعتدال وعدم إجهاد الجسد والعقل فى أعمال كنا نقوم بها فى عز الشباب وفتوته، ومنح الذهن قدرا أكبر من التأمل والجسد فترات أكبر من الراحة، وأن نطارد دوما هدفا نسعى إليه، وأن نهتم أيضا بمحاولة إصلاح ما أفسده الدهر بلا مبالغة، وهذا مهم جدًا كما ذكرت سابقا لأن الرغبة الدافعة لإعادة الشباب مفيدة نفسيًا ومعنويًا وتحول بين التردي السريع. ويحضرني بمناسبة هذا الموضوع الأغنية الجميلة للأستاذ عبدالباسط حمودة وللمؤلف أيمن الطائر، لأنها رغم عاميتها الشديدة تمس هذا الموقف بشدة.. أنا مش عارفنيأنا كنت منيأنا مش أنا لا دي ملامحيولا شكلي شكليولا ده أنا بأبص لروحي فجأه لقيتني كبرت فجأة تعبت من المفاجأة ونزلت دمعتي قوليلي إيه يا مرايتيقوليلي إيه حكايتي تكونش دي نهايتي وآخر قصتي كذلك أعجبني جدًا ما كتبه المخرج الإيطالي فريديكو فيلليني* وهو يرثي عجزه في مذكراته المعنونة «أنا فيلليني»: «كنت أتظاهر بالمرض وأنا صغير للحصول على عناية زائدة. وتمارضت وأنا شاب للنجاة من جيش موسوليني. وفي منتصف العمر كنت أستعمل الوعكة تحاشيًا للتكريمات والمهرجانات التي لم أجد شيئًا آخر أعتذر به عنها، وأخيرًا أصبح العجز في الشيخوخة واقعًا، وسأفعل الآن أي شيء حتى لا يعلم الناس بالحقيقة، لأن ضعفي يشعرني بالخجل والارتباك». يبدأ الأمر فجأة وقد لا تنتبه إليه إلا متأخرًا بشيء عارض جدًا، ربما لا يلفت نظرك للوهلة الأولى، مثل ظهور بعض الشعيرات البيض تتخلل شعر رأسك، أو تجاعيد دقيقة في أطراف العينين وربما هالات سوداء تحددها، وظهور هذه الهالات يوتر الأنثى أكثر من الذكر، ثم لا تكاد تلاحق الزمن الذي يجرفك معه وقد وهنت قدراتك على المقاومة، وهنا تبدأ رحلة التحايل بإضفاء بعض مظاهر الشباب التي تولى بلا رجعة، سواء باستخدام الأصباغ والكريمات والحقن بالفيتامينات والهرمونات أو بالبقاء داخل خيمة من الأوكسجين النقي أو الأوزون لفترات محددة، وقد تغالي بعض النساء اللواتي كنا مهووسات بجمالهن فيحقن أجسادهن ووجوهن بالبوتكس ومواد أخرى لا تتوقف العقول الطبية عن اختراعها إما لإعادة شبابهن أو لاضفاء جمالاً وفتنة إليهن، وفي الحقيقة لقد نجح خبراء الصحة والجمال في ذلك إلى حد ما، وقد كنت منذ سنوات في بيروت وأدهشني كم الفاتنات اللواتي كنا يعبرن الشوارع على أقدامهن أو وهن داخل السيارات، الوجوه اللامعة والخدود النضرة المتوردة والشفاه المكتنزة مع الصدور النافرة والأجساد السمهرية والخصر المحكم الدقيق.. إلخ، لكن كلهن متشابهات إلى حد التطابق كأنهن «عروسة المولد» تلك العرائس المصنوعة من الحلوى والتى كانت تباع فيما مضى فى المولد النبوى الشريف، يبدون كأنهن خارجات من مصنع وقالب واحد. في اعتقادي أن الشعور بالكبر والعجز شيء طبيعي جدًا، والتعامل معه ببعض التحسينات في الشكل والصحة مفيد جدًا، لأن هذا الشعور لو تملك من الإنسان لقضى عليه، فعند شعورك بأنك قد هرمت وكبرت إلى درجة أنك لن تقدم جديدًا، أنت تعطي لروحك إذنا بالانكسار وتبث فيها رغبة بالرحيل، وقد لاحظت ذلك على أناس كثيرين كانوا يعملون ببهجة وهمة ونشاط طيلة حياتهم الوظيفية وكانوا في تمام الصحة والعافية، يكادوا لا يشكون من أي متاعب صحية، وبمجرد تقاعدهم رحلوا بعد فترة قصيرة لخلو حياتهم من أي معنى للكفاح، أنا أعرف طبعًا أن قدر الإنسان قد كتبه الله عز وجل من قبل مولده، وأن لا أحدا يموت ناقص عمر كما يقول المثل الدارج، إنما قصدت بملاحظتي تلك أن أنبه إلى قيمة العمل والهدف الذي نسعى إليه، وأحذر من صنع «ربيع زائف» بالمبالغة في التجميل ومحاولة إعادة الشباب لأن ما فات قد مات، المطلوب فقط هو الاعتدال وعدم إجهاد الجسد والعقل فى أعمال كنا نقوم بها فى عز الشباب وفتوته، ومنح الذهن قدرا أكبر من التأمل والجسد فترات أكبر من الراحة، وأن نطارد دوما هدفا نسعى إليه، وأن نهتم أيضا بمحاولة إصلاح ما أفسده الدهر بلا مبالغة، وهذا مهم جدًا كما ذكرت سابقا لأن الرغبة الدافعة لإعادة الشباب مفيدة نفسيًا ومعنويًا وتحول بين التردي السريع. ويحضرني بمناسبة هذا الموضوع الأغنية الجميلة للأستاذ عبدالباسط حمودة وللمؤلف أيمن الطائر، لأنها رغم عاميتها الشديدة تمس هذا الموقف بشدة.. أنا مش عارفنيأنا كنت منيأنا مش أنا لا دي ملامحيولا شكلي شكليولا ده أنا بأبص لروحي فجأه لقيتني كبرت فجأة تعبت من المفاجأة ونزلت دمعتي قوليلي إيه يا مرايتيقوليلي إيه حكايتي تكونش دي نهايتي وآخر قصتي كذلك أعجبني جدًا ما كتبه المخرج الإيطالي فريديكو فيلليني* وهو يرثي عجزه في مذكراته المعنونة «أنا فيلليني»: «كنت أتظاهر بالمرض وأنا صغير للحصول على عناية زائدة. وتمارضت وأنا شاب للنجاة من جيش موسوليني. وفي منتصف العمر كنت أستعمل الوعكة تحاشيًا للتكريمات والمهرجانات التي لم أجد شيئًا آخر أعتذر به عنها، وأخيرًا أصبح العجز في الشيخوخة واقعًا، وسأفعل الآن أي شيء حتى لا يعلم الناس بالحقيقة، لأن ضعفي يشعرني بالخجل والارتباك». *المخرج الايطالي فريديكو فيلليني الذي تحول إلى أسطورة في حياته، وكان أشهر من الأفلام الذي صنعت شهرته واشتقت من اسمه صنفة "فيلليني" FELLINIESQUE.. قد عرف واشتهر فيللينى كأحد العظماء فى تاريخ السينما الايطالية، بجانب "لوكينو فيسكونتى" و" فيتوريو دى سيكا" و" روبيتر روسيلينى" من أشهر أفلامه "ثمانية ونصف،ِ وحياة حلوة، روما روما، مدينة النساء، وكازنوافا فيللينى،ومشواره السينمائي شهد اثنى عشر ترشيحا لجائزة الاوسكار، كما فازت اربعة من أفلامه بجائزة اوسكار أفضل فيام أجنبي هى : " الطريق" و "ليالى كابريا" و "ثمانية ونصف" و " اماركورد". اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة