كتب المفكر السياسى المحترم د.عمرو الشوبكى يوم الخميس الماضى مقالاً قيماً تحت عنوان «ابحثوا عن هذا الجيل»، قاصداً بذلك ذلك الجيل الفتىّ من خيرة شباب مصر الذين نزلوا ميادين التحرير فى مصر كلها يوم الثلاثاء 25 يناير 2011 استجابة لدعوات على مواقع التواصل الاجتماعى، وهدفهم إسقاط نظام سياسى ظالم وفاسد بقى رئيسه فى السلطة 30 عاماً، وحاول أن يورثها نجله من بعده، واستجاب لهم يومها مئات الآلاف من بسطاء المصريين، الذين خرجوا من كل حارة وشارع من كل مناطق مصر خاصة تلك التى يسكنها الفقراء والمهمشون.. لقد شدنى عنوان مقال د.الشوبكى لأن هذا الجيل الحالم الجميل قد ضاع فعلاً، ويلزم من يهمه أمر هذا البلد أو يتولى مسؤوليته أن يبحث عنه.. فقد ضاع وسط خليط من المنافقين المتآمرين والإخوان الضالين والأفاكين المتلونين من أجيال تربت فى عهود الاستبداد والفساد والنفاق ولا تعرف سوى مصالحها الخاصة! على مدى سنوات ثلاث بعد الثورة وجد هؤلاء الشباب أنفسهم تائهين وحائرين وهم يشاهدون معظم من حولهم- خاصة من جلس على مقاعد السلطة- قد ارتدى قميص ثورة يناير وانبرى يمدحها بلسانه ولكنه يمقتها فى قلبه ووجدانه وربما يحقد عليها لأنه لم يجرؤ مثلهم على النزول إلى الشارع يوم الثلاثاء العظيم فى 25 يناير، وكان التعبير الواضح عن ذلك هو إصرارهم المريب- والقرار فى أيديهم- على أن يبعدوا بكل الوسائل والحجج الممكنة ذلك الجيل من الشباب الذى ذكرته بل وحتى من كان يتعاطف معهم ويؤيدهم عن أى موقع قيادى أو مؤثر. شاهدنا ذلك فى فترة حكم المجلس العسكرى الذى كان قادته يمتدحون الثورة والثوار فى نفس الوقت الذى شهد فيه حكمهم أحداثاً جِساماً أسفرت عن مئات القتلى والمصابين بين صفوف الشباب، ومهدت سياساته الغبية التآمرية وبرعاية أمريكية للانتقال إلى مرحلة أخرى برز فيها فصيل آخر يرتدى أيضاً قميص 25 يناير هم الإخوان الضالون، الذين التحقوا بجيل الشباب الثورى الذى نزل فى 25 يناير بعد أن لاحت بشائر إصراره على الانتصار، وازداد عددهم فى الأيام الأخيرة من الثمانية عشر يوماً الخالدة، يرفعون شعارات لم تكن أبداً من ضمن ما خرج الشباب من أجله، وبدلاً من الوحدة الوطنية التى كانت فى أروع صورها طوال الأيام الأولى للثورة، وجدناهم يتصايحون «إسلامية إسلامية»، وسرعان ما فتحوا خطوط اتصالات مع المجلس العسكرى، ليصلوا فى النهاية إلى تحقيق غرضهم بالوصول إلى سلطة الحكم وإقصاء بل محاربة شباب جيل الثورة الفتىّ ضمن مخططهم الشيطانى لتغيير هوية الدولة المصرية وتهميشها. جمع الشباب شتاته بعد أن تفرقت به السُّبل، وتحملوا مسؤولية قيادة موجة ثانية للثورة يستردون بها حلمهم فى إقامة الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، وبعد أن وقفت المؤسسة العسكرية بقادتها الوطنيين فى صف الشعب وثواره واستجابوا لإرادة الجماهير فى إقصاء الإخوان الضالين، تم طرح خريطة جديدة للمستقبل طبقاً لرؤية هذا الجيل الفتىّ من شباب الثورة، وظفر الوطن بدستور جديد محترم أعاد الأمل إلى صدورهم.. لكن للأسف الشديد استمر ضياع هذا الجيل وشعوره بالخيبة والخيانة، فانتُهك الدستور فور إقراره، وظهر على الساحة الإعلامية بكثافة مريبة مجموعات من الأفاكين مُختلى الذمة الذين لا يثبتون على مبدأ، ارتدوا قميص 25 يناير فى فترة ما بعد سقوط نظام كبيرهم الفاسد رغماً عنهم، جُبناً ونفاقاً وخوفاً على مصالحهم، ثم أتاحت لهم ظروف حكم الإخوان وسقوطهم الفرصة لكى ينزعوا قميص الثورة عنهم ويرفعوا برقع الحياء عن وجوههم الكريهة، فوجدناهم يتهمون شباب الثورة الطاهر بالعمالة والخيانة ويهاجمون 25 يناير بكل الخِسة والنذالة ويصفون ما حدث يوم الثلاثاء العظيم بالنكسة والمؤامرة! هل ترى يا د.عمرو أن هناك فى الأفق من سيأخذ بنصيحتك ويبحث عن هذا الجيل الذى ضاع بين المنافقين والضالين والأفاكين.. لا أظن!