بعد أن تولى الرئيس السادات الحكم، فى آخر عام 1970، راح يبحث عن وسيلة يتخلص بها من مجموعة مراكز القوى التى كانت تريد تكبيل سلطاته، بحيث يبقى هو مجرد صورة أمام الناس، ثم تحكم المجموعة إياها، من خلاله، ومن وراء ستار! وقد أعياه البحث عن تلك الوسيلة، دون جدوى، خاصة أن أفراد المجموعة كانوا يسيطرون على أعصاب القرار فى الدولة، ولم يكن من الممكن للرئيس الجديد، وقتها، أن يتخلص منهم مرة واحدة! وبينما كان هو يواصل بحثه عن وسيلته، فاجأوه هم بأن قدموا الحل إليه على طبق من ذهب، وكان ذلك فى صورة استقالة جماعية تقدموا بها من مواقعهم، متصورين أن فراغاً دستورياً سوف يقع فى الدولة، وأن الناس سوف تخرج فى مظاهرات تطالب بعودتهم، وهو ما لم يحدث فى الحالتين أبداً! كل ما فى الأمر أن السادات قرر قبول الاستقالة وأعلنها فى التليفزيون، ثم قال عبارة لاتزال حكمة منذ ذلك اليوم، قال إن هؤلاء الذين استقالوا تجب محاكمتهم بتهمة الغباء السياسى، لأنهم أهدوا إليه حلاً كان يبحث عنه بكل السُبل ولا يجده، ولأنهم، على حد تعبيره يومها، قد ربطوا أنفسهم جميعاً بحبل، ولم يفعل هو شيئاً سوى أنه شد الحبل، فسقطوا فى الحال، فى لحظة واحدة! واقعة كهذه لابد أن تجدها حاضرة فى ذهنك وأنت تتابع تصرفات جماعة الإخوان هذه الأيام، ومنذ ثورة 30 يونيو، وتجعلك تؤمن بأنها، كجماعة، إذا كانت سوف تخضع للمحاكمة فى تهم كثيرة، فإن التهمة الأهم التى يجب محاكمتها بها هى الغباء السياسى، ولا شىء غيره! وإلا.. فماذا تقول فى جماعة تقرر صباح يوم 14 يناير، أى قبل بدء الاستفتاء على الدستور بساعة واحدة، تفجير مبنى إحدى محاكم إمبابة، فيكون رد الفعل التلقائى لدى المصريين هو التدفق، كما لم يحدث من قبل، على صناديق الاستفتاء، على مدى يومين؟!.. ماذا نقول فى جماعة تجتهد فى خلق الذرائع التى توحد بها الناس ضدها؟! وهل هناك مُسمى لشىء من هذا النوع سوى أنه غباء سياسى من النوع الذى قصده السادات، ورأى أن أصحابه يتعين أن يخضعوا للمحاكمة، بسببه وحده، ومهما ارتكبوا من جرائم أخرى؟! ثم.. هل هناك غباء سياسى أشد من أن تقرر الجماعة، صباح يوم 24 يناير، تفجير مديرية أمن القاهرة، وكان ذلك كما ترى قبل الاحتفال بالذكرى الثالثة لثورة 25 يناير بساعات، فإذا بالمواطنين ينزلون فى اليوم التالى، على نحو أدهش، بل أذهل كل الذين تابعوا المشهد من داخل البلد، أو من خارجه؟! هذان مشهدان اثنان من مشاهد عديدة، تقول إن الغباء السياسى تحديداً جزء من طبيعة الجماعة، وتركيبتها، وإنها مهما حاولت التخلص منه، فلن تفلح، لأن الطبع دائماً يغلب التطبع، ولذلك فإذا كان هناك شاب لايزال عضواً فيها، فإن عليه أن يفارقها حالاً، قبل أن تنتقل عدوى هذا الغباء إليه، وقبل أن يفقد ما تبقى من عقله فى داخل جماعة مطبوعة على الغباء.