«إيد لوحدها ماتصقفش» مثل عربى شهير اختتم به عالم الاجتماع جاك شاهين مقدمة كتابه المهم «الصورة الشريرة للعرب فى السينما الأمريكية». كان بالقطع يقصد محاولته الجادة التى قدمها فى هذا العمل فى فضح تنميط هوليوود لصورة العرب باعتبارهم حاملين جينات الشر بكل مترادفاته. أراد شاهين أن يقول للقارئ إن كتابه مجرد خطوة فى هذا الطريق لذا على هذا القارئ نفسه مواصلة التعرف على الصور النمطية التى قد يجدها فى أفلام أخرى غير المذكورة فى الكتاب أو فى أفلام قادمة: «أدعوك أيها القارئ الطيب أن تحتشد حول القضية وتنضم إلىّ كى نمحو الظلال الظالمة من على الشاشة الفضية. نتصدى لعبور الافتراء والتشويه كلما رأيتها الآن وغداً». ويعد هذا الكتاب امتداداً لكتاب «عرب التليفزيون» الذى نشره جاك شاهين الأمريكى ذو الأصول اللبنانية عام 1984 للدفاع عن الشخصية العربية. المؤلف كما توضح مسيرته الفكرية، حيث قدم أيضاً عام 2008 كذلك كتاب «مذنبون: حكم هوليوود على العرب بعد الحادى عشر من سبتمبر»، مهموم دوماً بصناعة الكذب الذى يروج له السينمائيون الأمريكيون، فهوليوود لها تأثير السحر على العقول، والمواطن يصدق ما يراه من صور ولا يستطيع أن يميز الحقيقة من الخيال، خصوصاً وأنه يفتقد المعلومات الصحيحة التى يمكنه اللجوء إليها عند الحكم على الآخرين. وهذا الأمر شديد الخطورة كما جاء فى تقديم الكتاب: «القوة التى تصور بها بعض «آخرون» غرباء وخطرين بالفطرة وباعتبارهم مخلوقات كريهة لا تتشابه مع الباقين، لهى قوة مدمرة مثلها مثل الأسلحة الفتاكة». والصور المنحازة «تحدث نوعاً من العمى وسط الأمريكيين الآخرين، أولئك الذين يستهلكون دون عمد هذه البروباجندا منذ أجيال فى أثناء عملية الترفيه عن أنفسهم». جاك شاهين فى كتابه حلل 200 فيلم من أصل 900 فيلم شوهت جميعها صورة العرب وصورتهم بشكل مشين وشائه فى كافة الجوانب. واعتبرتهم سلبيين ومصدراً دائماً للتهديد ويستحقون القتل ويبدو أن ثمة استراتيجية متعمدة فى ذلك لأن عدداً قليلاً جداً من الأفلام، 12 فقط، التى تعاملت بشكل يقترب من الموضوعية عند معالجة صورة العربى. هوليوود تتعمد تكرار الصور الكاذبة: «هوليوود على مدى أكثر من قرن وهى تستخدم التكرار كأداة للتعليم، ولتحفيظ رواد السينما بفعل التكرار مرة بعد مرة الصور الشريرة والكريهة للعرب». تأصلت هذه الصورة المجحفة بعمق فى السينما الأمريكية: «ظلم مارسته السينما بانتظام وبانتشار ودون اعتذار أو تبرير، وبهدف تحقير شعب وتجريده من إنسانيته». يكتب شاهين: «وصم المخرجون على نحو جماعى كل العرب بتهمة العداء للجماهير وبأنهم متوحشون لا قلوب لهم، همجيون، متعصبون دينياً، مهووسون بالأموال، وعلى المستوى الثقافى يمثلون (الآخر) الذى دأب على إرهاب الغربيين المتحضرين» ويؤكد: فى عدد لا حصر له من الأفلام قدمت هوليوود الإجابة المزعومة- على سؤال من هو العربى- بأن العرب هم برابرة متوحشون مغتصبون حقراء، مستغلون للنساء. «إنهم العرب: يشبهون بعضهم البعض بالنسبة لى» هكذا تفوهت بطلة فيلم «الشيخ يخطو خارجاً» (1937)، «كل العرب متشابهون» هكذا قال أيضاً بطل فيلم القائد (1968)، وتوالت المراحل بعد ذلك من دون أن يتغير شىء، ففى فيلم «الرهينة» (1986) يمزح سفير الولاياتالمتحدة قائلاً: «لا أستطيع التمييز بين عربى وآخر، نصفهم ملفوفون هكذا فى ملاءات الأسرة تلك، يبدون كأنهم جميعاً نفس الشكل بالنسبة لى». ويتساءل المؤلف: متى كانت آخر مرة شاهدت فيها فيلماً يقدم صورة للعربى أو لأمريكى من أصل عربى كشخص عادى مثل بقية الناس؟ رجل ربما يعمل عشر ساعات فى اليوم، ويعود إلى بيته ولزوجته المحبة له ولأسرته، ويلعب الكرة مع أطفاله، ويصلى مع أفراد عائلته. لا يتوقف جاك شاهين فى كتابه الموسوعى الذى ترجمته خيرية البشلاوى وأحمد يوسف وصدر عن المركز القومى للترجمة حديثاً فى جزأين، عند حد تحليل الظاهرة لكنه سعى أيضاً إلى تأصيلها. يقول: من الواضح أن المخرجين الأمريكيين لم يصنعوا بأنفسهم الصورة النمطية للإنسان العربى، وإنما ورثوها «وزخرفوها» عن الأوروبيين الذين كانوا أول من أوجد الصور الكاريكاتورية للعرب، ففى القرنين الثامن والتاسع عشر ساعد الكتاب والفنانون الأوروبيون على اختزال المنطقة إلى مجرد مستعمرة، فقدموا عبر أعمالهم صوراً للصحارى المهجورة، والقصور المليئة بالفساد والأسواق العامة القذرة التى يسكنها «الآخر» ثقافياً. كان هؤلاء يحشدون القصص الخرافية عن «الغرباء البرابرة الذين يقمعون الصبايا الحسان»، يصورونها على أنها حقائق لا شك فيها. وينتقد جاك شاهين بمنهجه التحليلى هذا العالم الأسطورى الذى حُفر فى ذاكرة أغلب المخرجين ولم يبذلوا أى مجهود فى تصحيحه واكتفوا به كمرجع يعودون إليه عند معالجة أى موضوع يخص العرب. شاهين يحاول تصحيح الصورة وتعديل زاوية العدسة التى يتعامل بها السينمائيون فى أمريكا مع الشأن العربى. هو لا يقول بداهة إن العرب ملائكة، فهم مثل غيرهم لهم أخطاؤهم لكنه ينتقد فجاجة التناول والمبالغة فى تصوير المساوئ»، لا أقول إنه ينبغى تصوير الإنسان العربى بوصفه شخصاً شريراً وإنما ما أقوله هو إن كل العرب تقريباً الذين تصورهم هوليوود فى أفلامها أشرار وأن فى هذا ظلماً بيناً، والتكرار المتواصل لصور العرب السلبية فى بكرات الأفلام تمثل فى تحديد قاطع صوراً كريهة ومعادية تنتقل من جيل لآخر. كتاب جاك شاهين يعتبر بشكل ما وثيقة إدانة لممارسات صناع الأفلام الأمريكية فى حق أهل العرب ولكى تتأكد ليس عليك إلا قراءة تحليل شاهين المتقن لمضمون مجموعة ضخمة من هذه الأفلام وحين تفعل ستشعر وكأنك شاهدتها بالفعل.