شئون البيئة: سوف نقدم دعمًا ماديًا لمصانع التبريد والتكييف في مصر خلال السنوات القادمة    شئون البيئة: مصر ستترأس اتفاقية برشلونة للبيئة البحرية خلال العامين القادمين    النائب الأول لرئيس البنك الأوروبى لإعادة الإعمار يزور مصر اليوم    زيلينسكي: المفاوضات مع ويتكوف وكوشنر «ليست سهلة»    الرئيس التشيكي: قد يضطر الناتو لإسقاط الطائرات والمسيرات الروسية    لميس الحديدي: قصة اللاعب يوسف لا يجب أن تنتهي بعقاب الصغار فقط.. هناك مسئولية إدارية كبرى    "قطرة ندى" للشاعر محمد زناتي يفوز بجائزة أفضل عرض في مهرجان مصر الدولي لمسرح العرائس    بعد رحيله، من هو الفنان سعيد مختار؟    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 8 ديسمبر 2025 في القاهرة والمحافظات    ياهو اليابانية.. والحكومة المصرية    نيجيريا تنشر قواتها في بنين وتنفذ غارات لطرد "الانقلابيين"    ترتيب الدوري الإسباني.. برشلونة يتفوق على ريال مدريد ب4 نقاط    خطط لا تموت.. لماذا عادت الملعونة لعادتها القديمة؟    أمريكا: اتفاق «قريب جدًا» لإنهاء حرب أوكرانيا |روسيا والصين تجريان مناورات «مضادة للصواريخ»    إيطاليا ترسل مولدات كهربائية لأوكرانيا بعد الهجمات الروسية    مجموعة التنمية الصناعية IDG تطلق مجمع صناعي جديد e2 New October بمدينة أكتوبر الجديدة    كأس العرب - بن رمضان: لعبنا المباراة كأنها نهائي.. ونعتذر للشعب التونسي    أوندا ثيرو: ميليتاو قد يغيب 3 أشهر بعد الإصابة ضد سيلتا فيجو    إبراهيم حسن: محمد صلاح سيعود أقوى وسيصنع التاريخ بحصد كأس أمم إفريقيا    أشرف صبحي: قرارات الوزارة النهائية بشأن حالة اللاعب يوسف ستكون مرتبطة بتحقيقات النيابة    لاعب الزمالك السابق: خوان بيزيرا «بتاع لقطة»    هل تقدم أحد المستثمرين بطلب لشراء أرض الزمالك بأكتوبر؟ وزير الإسكان يجيب    استكمال محاكمة سارة خليفة في قضية المخدرات الكبرى.. اليوم    وزير الزراعة: القطاع الخاص يتولى تشغيل حديقة الحيوان.. وافتتاحها للجمهور قبل نهاية العام    مدير أمن الإسكندرية يقود حملة مكبرة لإزالة إشغالات الباعة الجائلين بميدان الساعة وفيكتوريا    طعنة في الفخذ أودت بحياته.. "مهاب محمد" حاول فض مشاجرة في العجمي بالإسكندرية فأنهوا حياته    وزير الإسكان يعلن موعد انتهاء أزمة أرض الزمالك.. وحقيقة عروض المستثمرين    بدون محصل.. 9 طرق لسداد فاتورة كهرباء شهر ديسمبر 2025    غرفة عقل العويط    «القومية للتوزيع» الشاحن الحصري لمعرض القاهرة الدولي للكتاب 2026    رئيس "قصور الثقافة": السوشيال ميديا قلّلت الإقبال.. وأطلقنا 4 منصات وتطبيقًا لاكتشاف المواهب    كم عدد المصابين بالإنفلونزا الموسمية؟ مستشار الرئيس يجيب (فيديو)    مستشار الرئيس للصحة: نرصد جميع الفيروسات.. وأغلب الحالات إنفلونزا موسمية    كيف يؤثر النوم المتقطع على صحتك يوميًا؟    تجديد حبس شاب لاتهامه بمعاشرة نجلة زوجته بحلوان    وائل القبانى ينتقد تصريحات أيمن الرمادى بشأن فيريرا    ارتفاع ضحايا مليشيا الدعم السريع على كلوقي إلى 114 سودانى    وزير الأوقاف يحيل مجموعة من المخالفات إلى التحقيق العاجل ويوجه بتشديد الرقابة ومضاعفة الحوكمة    أحمد موسى يكشف أزمة 350 أستاذا جامعيا لم يتسلموا وحداتهم السكنية منذ 2018    اليوم.. المصريون بالخارج يصوتون فى ال 30 دائرة المُلغاة    حاتم صلاح ل صاحبة السعادة: شهر العسل كان أداء عمرة.. وشفنا قرود حرامية فى بالى    الموسيقار حسن شرارة: ثروت عكاشة ووالدي وراء تكويني الموسيقي    أحمد موسى: "مينفعش واحد بتلاتة صاغ يبوظ اقتصاد مصر"    متحدث "الأوقاف" يوضح شروط المسابقة العالمية للقرآن الكريم    أمن مطروح يفك لغز العثور على سيارة متفحمة بمنطقة الأندلسية    تعرف على شروط إعادة تدوير واستخدام العبوات الفارغة وفقاً للقانون    عاشر جثتها.. حبس عاطل أنهى حياة فتاة دافعت عن شرفها بحدائق القبة    حياة كريمة.. قافلة طبية مجانية لخدمة أهالى قرية السيد خليل بكفر الشيخ    الأوقاف: المسابقة العالمية للقرآن الكريم تشمل فهم المعاني وتفسير الآيات    كشف ملابسات فيديو عن إجبار سائقين على المشاركة في حملة أمنية بكفر الدوار    إضافة 4 أسرة عناية مركزة بمستشفى الصدر بإمبابة    الجامعة البريطانية بمصر تشارك في مؤتمر الطاقة الخضراء والاستدامة بأذربيجان    اختبار 87 متسابقًا بمسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن بحضور الطاروطي.. صور    باحث يرصد 10 معلومات عن التنظيم الدولى للإخوان بعد إدراجه على قوائم الإرهاب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 7-12-2025 في محافظة الأقصر    «صحح مفاهيمك».. أوقاف الوادي الجديد تنظم ندوة بالمدارس حول احترام كبار السن    وزير الري أمام اجتماع «مياه حوض النيل» في بوروندي: ستستمر مصر في ممارسة ضبط النفس    الطفولة المفقودة والنضج الزائف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«لامؤاخذة».. «اللي في القلب في القلب يا كنيسة» (تحليل نقدي)
نشر في المصري اليوم يوم 25 - 01 - 2014

في عرضه العالمي الأولي ضمن فعاليات الدورة الثانية لمهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوربية افتتح فيلم "لامؤاخذة" ثالث أفلام المخرج الشاب عمرو سلامة الدورة الجديدة وذلك قبل ايام من عرضه التجاري بالصالات المصرية خلال الاسبوع الحالي من شهر يناير.
لامؤاخذة في العامية المصرية تعني بدون احراج أو عفوا وهو عنوان يتسق عضويا مع مضمون الفيلم وكأن المخرج يريد أن يقول للمتفرج (عفوا ولكننا هكذا)، ورغم ما يمكن ان نسجله من ملاحظات درامية أو فنية على التجربة إلا أنها تظل في اطار التجارب التي لا تتحرج من قول الحقيقة التي نعيشها جميعا في مجتمعنا وهي أننا مجتمع طبقي وعنصري وتمييزي وغير منصف.
يتخذ سلامة في تجربته الجديدة اسلوبا سينمائيا يجمع ما بين ثلاثة عناصر الأول هو الراوي العليم الذي يحكي قصة هاني الطفل المسيحي-الملقب في مدرسته الحكومية بلا مؤاخذة- وهو بطل التجربة ومحور الأزمة، ذلك الطفل الذي اضطرته الظروف المادية لأسرته ان ينتقل من مدرسة دولية في طبقة معينة إلى مدرسة حكومية تمثل قاع المجتمع ليحتك بطبقات دونية تعاني من صعوبة في تقبل الاخر المختلف عنها.
والعنصر الثاني هو الهايبر ريالتي أي ما فوق الواقعي وهو اسلوب يجمع ما بين السخرية والهزل ويمثل لقطات وايحاءات تجسد افكار ومشاعر الشخصيات الباطنية وتفاصيل المواقف بشكل كاريكاتوري مبالغ فيه كأن يجسد المخرج شعور هاني بأن جردل ماء بارد انصب عليه عندما يقول احد المدرسين "الحمد لله كلنا هنا مسلمين" لأنه يخشى في تلك اللحظة أن يعلن عن ديانته خوفا من بطش الأخرين، أو ان يصطحبه مؤمن زميله في الفصل في جولة داخل المدرسة ليريه فصل "العضمة الزرقاء" أي الطلبة المسيحين، وهو مكان زنخ بصريا مترب تحيطه خيوط العنكبوت، في دلالة على أنه يتم التمييز بينهم وبين الطلبة المسلمين، وهي دلالة قادمة من بعض الحزازيات الأجتماعية والحضارية في المجتمع المصري، وهنا يجسدها المخرج في شكل هذا الفصل المدرسي الكئيب، مع العلم أن واقعيا لا يوجد ما يسمى فصل المسيحيين في اي مدرسة حكومية أو غير حكومية ولكنها رغبة المخرج في التعبير عن التمييز الطائفي في اطار من الفوق واقعية.
اما العنصر الثالث فهو الواقعية المحدودة التي تمثل الجانب الميلودرامي في الفيلم وهو أقل عناصر الأسلوب قوة لأنها في وقت من الأوقات تبدو متناقضة ومشوشة فيما يخص التعاطي مع اسلوب الراوي العليم والسرد الفوق واقعي.
وفي الحقيقة فأن أزمة الفيلم الأسلوبية في الأساس تكمن في تناقض عناصر الحكي ما بين الواقعي وما فوق الواقعي، فالرواي العليم الذي يقدمه صوت الفنان أحمد حلمي بأسلوبه خفيف الظل ونبرته التي تقرب القصة كأنها حدوتة ما قبل النوم للأطفال تبدو متسقة بشكل كبير مع العنصر الفوق واقعي لكنه يضطر أن يصمت تماما عندما يبدأ السرد يلتزم بالواقعية بل ويظل صامتا لمشاهد كثيرة "واقعية" لأن التعاطي الواقعي مع بعض التفاصيل يعيد ذهن المتفرج إلى مدى عدم منطقية الامور ودرجة تقبل الايهام بها.
فمن الصعب تقبل الفكرة الأساسية للفيلم في سياق واقعي بحت لأنه من شبه المستحيل أن يظل تلميذ في مدرسة حكومية في مجتمع كمصر يعاني من التمييز الطائفي أن تظل ديانته مخفية عن استاذته وادارة المدرسة التي تتعامل مع البيانات الشخصية وشهادات الميلاد في كل شئ ولكن في اطار من فوق الواقعية يمكن أن يصبح هذا متقبلا نسبيا، وان كان يحتاج إلى مزيد من الجهد الذي لم يبذله المخرج للأسف لأقناعنا بأن الطفل استطاع ان يخبئ ديانته حتى عن اساتذته.
ولا يكفي مشهد واحد يسأل فيه المدرس عن اسم كل تلميذ ويكتفي بالأسم الثنائي، ولا يكفي أن يقدم هاني على خطوة اخفاء دينه دون أي اضطهاد مسبق يخص تلك المسألة تحديدا!
بل أن المخرج قام بتأخير مشهد معاينة هاني لفصل "الأربعة ريشة" حتى فترة متأخرة من وجوده بالمدرسة كي يبرر به لماذا لم يصارح زميله في الفصل كي لا يخسر صداقته، وكان الأولى أن يأتي هذا المشهد متقدما نسبيا لكي ندرك سبب اخفاء هاني لدينه، خاصة أنه لم يتعرض حتى لتمييز معلن من قبل المدرسين بل على العكس ابدى اغلبهم تعجب طبقي من وجود هذا الطفل النظيف البرئ المختلف في مستنقع القمامة الذي يسمى مجازا مدرسة حكومية.
فأذا اردنا بناء عالم افتراضي انطلاقا من موقف يعتمد على سر او سوء فهم (كأخفاء هاني لديانته خوفات من التمييز أو الأضطهاد) علينا أن نبذل جهدا اكبر في ايهام المتفرج بأن هذا العالم توجد مبررات قوية لوجوده ولكن الأكتفاء بمعلومة عابرة أو الاعتماد على افكار المتلقين المسبقة عن التمييز الطائفي يعتبر ضعف خطير في البناء الدرامي.
فهاني لم يتعرض لأضطهاد طائفي من قبل ولم تحذره امه من الأعلان عن دينه ولكنها اكتفت بقولها لا تتحدث مع أحد في الدين وهي جملة عادية، ولم يقدم اي مدرس على قول او فعل يخيف الطفل بأستثناء جملة الحمد لله كلنا مسلمين، وهي جملة بسيطة لا تبرر حجم الخوف من الأعلان عن الديانة! ولم يشاهد هاني في المدرسة الجديدة الطلبة المسيحيين يتعرضون لأي اضطهاد قبل مشهد فصل الأربعة ريشة ! إذن ما الذي يدفعه لأخفاء ديانته ويشعره بأن جردل ماء بارد صب على رأسه!!
ثم أن مشكلة هاني المادية التي تدفع أمه بأن تنقله من المدرسة الغالية إلى مدرسة أخرى كان يجب أن تتزامن مع اختلاف في المستوى المادي للأسرة شكلا ومضمونا فعلى سبيل المثال تظل الأم تركب سيارة باهظة الثمن يكفي ثمنها لبقاء هاني في مدرسته القديمة على الأقل لسنوات، وكل تفاصيل حياة هاني من اجهزة وشقة فاخرة ومعيشة راقية تجعلنا نشعر أن المخرج أنتزع الشخصية من سياقها وزرعها في سياق أخر بشكل قسري لمجرد الآفيه الطبقي- على غرار صعيدي في الجامعة الامريكية مثلا-دون أن ينتبه إلى أن التفاصيل تقوم بالتخديم على الصورة العامة وتشكلها في ذهن المتلقي لتحقيق الأيهام اللازم، خاصة أن هاني يتعرض لأضطهاد طبقي عنيف لا يميز بين كونه مسلم ومسيحي بمجرد أن ينتقل للمدرسة.
ويستمر هذا التمييز الطبقي طوال الفيلم في تراكم متصاعد حتىى ان المخرج نفسه يقدم لنا مشهد شرب مؤمن زميل هاني لكوب الشكولاوته باللبن على دفعة واحدة في مقابل رشفات قليلة من هاني واصدقاء طبقته وهو مشهد طبقي جدا بالمناسبة ويجعلنا نشعر أنه لو أن هاني كان طفل مسلم لما أختلف السياق الدرامي ولا الفيلمي في شئ لأن الأزمة الأساسية للشخصيات صارت أزمة طبقية وليست طائفية، بل وبدت الأزمة الطائفية ثقلا ايهاميا على ذهن المتفرج الذي يظل غير مقتنع بأسباب اخفاء هاني لديانته وبقاء السر فترة طويلة رغم اشتراك هاني في اكثر من نشاط مدرسي يستدعي معرفة كافة بياناته.
مع وجود الراوي العليم كان من الممكن أن نرى هاني وأمه (كنده علوش) يتدهور بهما الحال ماديا للدرجة التي يبدو معها هذا الهبوط الحاد من مدرسة لمدرسة منطقي ومبرر ولكن التركيز على جانب من حياة هاني دون الجوانب الأخرى خلق عدم اتساق درامي واضح اضر البناء. ونحن لا نفرض وجهة نظرنا على الفيلم ولكننا نتعجب من وجود مبرر قوي للأنحدار بوفاة الأب ووجود اسلوب للتعبير عنه مثل الراوي العليم ولا يتم توظيفهم من أجل الصحة الدرامية للعمل.
لعبة التناقضات
منح الأسلوب الفوق واقعي مساحة حرة للمخرج أن يقدم العديد من النماذج التي تمثل جانب من التناقضات الأجتماعية والحضارية التي نعيشها في مجتمعنا الحالي مثل شخصية المشرف المدرسي شقاوة الذي قدمه رامي غيط والذي نراه يدخل إلى الفصل في المرة الأولى حاملا عصا غليظة ومطواة قرن غزال ولكنه في نفس الوقت يبدو أكثر المدرسين تدينا وحرصا على اصطحاب التلاميذ للصلاة في الجامع لمجرد أن يمنعهم من اللعب والشقاوة، وهو نموذج ساخر للمتدين العنيف الذي يجمع التلاميذ للصلاة بالعصا وليس بالحسنى ولاسباب تنظيمية وليست ايمانية.
كذلك الطفل المشاغب"علي علي"المرسوم بكاريكاتورية مفتعلة سواء على مستوى السلوك أو الندبة التي في وجهه والتي تدل على انه اقرب للمسجلين الخطيرين منه لتلميذ مدرسة والذي نكتشف أن والده هو بواب المدرسة العجوز النائم ليل نهار دون عمل حقيقي، ومن هنا ندرك أن الطفل يعاني من رغبة في تعويض احساسه بالنقص والدونية من مهنة وسلوك ابيه بفرض سطوته وسيطرته على التلاميذ الأضعف جسمانيا، وهو ايضا نموذج درامي جيد وساخر رغم ما يحتويه من مبالغات مضرة نسبيا خاصة في افيهاته التي يطلقها بمناسبة دون مناسبة.
وتنتقل لعبة التناقضات من الوان الشقة الناعمة الهادئة التي يعيش فيها هاني والتي يغلب عليها الأزرق الحالم والأبيض الرقيق إلى الأصفر الترابي الساخن في المدرسة بكل ما تمثله من تجسيد لساحة الحرب والفوضى العارمة، كذلك في توظيف المخرج للكادر الواسع الثابت الذي يتيح للمتفرج الأضطلاع الكامل على تفاصيل اللقطة أو المشهد وبيان حجم التناقضات البصرية الكامنة بداخله مثل مشاهد الحوارات التي تدور على خلفية حوائط المدرسة التي تمتليئ بشعارت حضارية لم يعد لها وجود في الواقع الأجتماعي كمصر عنوان الحضارة والعلم وسيلة الشعوب للتطور ورسوم الأهرامات والشمس المشرقة وهو ما يتناقض مع اغلب الأحداث التي تدور داخل المدرسة والتي تعبر عن حالة تردي حضاري وفكري وثقافي كامل فالعلم المتمثل في مشروع هاني لصناعة طائرة لا يمنحه التقدير الذي يبحث عنه في المدرسة في مقابل أن الأنشاد الديني هو ما يجعله يلقى تقدير جزئي –وهو المسيحي- مما يذكرنا بالسياق الشهير لفيلم وجدة للمخرجة هيفاء المنصور عندما قررت الطفلة بطلة الفيلم أن تتفوق في حفظ القرآن لتحصل على مكافآة مالية لشراء عجلة.
هنا يتخلى هاني عن الأناشيد الكنسية التي نراه يرددهها بسعادة في بداية الفيلم لكي ينشد اسماء الله الحسنى لمجرد أن يلقى بعض التقدير، وهذه ايضا أحد ميزات الفيلم الدرامية في التعبير عما يمكن أن يقدم عليه الفرد في محاولة لأي يلقى التقدير من المجموع في كيان حضاري مختل وقاصر كمصر يجعل التدين الظاهري هو محور التميز وليس العلم أو العمل.
ولا يمكن اغفال أن تغير موقف والدة هاني عقب حضور مسرحية كنسية بسيطة هو تغير ميلودرامي غير مشبع المبررات لكنه متقبل على مستوى رد الفعل الأمومي في محاولة لكسب طفلها الذي تشعر أن المدرسة الجديدة تغيره، الغريب أنها عندما تجد آيات قرآنية داخل البيت- والتي كان يضعها هاني على الحائط من أجل اخفاء حقيقة ديانته عندما يزروه مؤمن زميله- بينما تعيد وضع الأيقونات وارتداء الصليب، لا تذهب للأستفسار من هاني عنها ولكنها تقرر أن تعلن للجميع في المدرسة أنه طفل مسيحي، فهل شعرت أن الطفل قد يغير دينه بناء على اضطهاد ما طبقي او طائفي في المدرسة أم هي محاولة من المخرج لتفجير أزمة دون تحضير كافي! فالازمة لم تكن أزمة الآيات القرانية في المنزل ولا صليب وديانة ولكن أزمة تعرض هاني للضرب المبرح من زميله المشاغب.
قدم المخرج مشهد دخول الأم مرتدية الصليب بكل قوة وجسارة في ايقاع بطئ(سلوموشن)مع موسيقى حماسية تدل على صرامة رد فعلها وكأنها لحظة مكثفة وقنبلة على وشك أن تنفجر في المدرسة التي فاز فيها هاني بمسابقة الأنشاد الديني الأسلامي.
هنا مشكلة اخرى من مشكلات الفيلم فالتعبير البصري الجيد والقدرة على تفجير الازمات يجب ان يتسق مع معطيات ايهامية ومنطقية ثابتة الأركان فحتى تلك اللحظة لا يمكن أن نقول أننا كمتلقين كنا مقتنعين بمبررات هاني وأسلوبه الطفولي في اخفاء حقيقة ديانته وعدم اكتشافها.
داود الصغير
بعد أن كان هاني يعاني من الأضطهاد الطبقي اصبح يعاني من التمييز الأيجابي- ان صح التعبير- نتيجة زيارة والدته للمدرسة للشكوى من ضرب ابنها ولكن الأزمة الطبقية مرة اخرى تتحول إلى"مشكلة طائفية لطفل"على حد قول الرائع بيومي فؤاد في دور ناظر المدرسة رغم كون الشخصية نمطية كعادة كل نظار مدارس المشاغبين في السينما المصرية.
يصبح هاني بين يوم وليلة أهم تلميذ في المدرسة نتيجة خوف الجميع من الأتهام بالطائفية متناسيين أن المدرسة تحتوي على فصل خاص للطلبة المسيحيين ولكن ربما الذي لا يشتكي أهلهم من اضطهاد ابنائهم، وهنا نقف امام مشكلة جديدة من مشاكل الفيلم.
في مشاهد سريعة نكتشف أن الكل اصبح يعامل هاني معاملة مختلفة ولكن بشكل سمج وسخيف فهم يخشونه وينفرون منه في نفس الوقت وكل ما يبدو على هاني انه يريد الأندماج معهم ليس أكثر فهو لا يريد معامله مميزة، فالتمييز الأيجابي يسبب نفس الشعور بالوحدة والألم كالتمييز السلبي ولكن رغم ذلك وفي تناقض غامض يقرر هاني أن يتعلم الجودو كأبيه- في اشارة عميقة لكون الأب كان متقنا للعبة دفاع عن النفس ربما لأنه مسيحي في مجتمع يعني من مشاكل طائفة!- ثم يبدأ في الأحتشاد النفسي والبدني العنيف للانتقام ممن ضربه، بدلا من التفكير في بدائل سلمية تجعله يعود لمكانته السابقة في المدرسة، وبدلا من أن يشعرنا المخرج بحجم مآساوية اللحظة التي يضطر فيها طفل للتخلي عن خلقه وطيبته وبرائته والتحول إلى كائن عنيف وصارم وكئيب نجده يشجع ما يقدم عليه هاني من غليان داخلي بأغنية حماسية ذات لحن وكلمات تذكرنا بتلك الأغاني التي كان ابطال افلام الأكشن يتدربون عليها قبل مواجهة خصومهم في النهاية لرد الهزيمة.
ماذا تريد كمخرج أن تقول أذن: أن العنف يولد العنف والتمييز يولد الغضب؟ حسنا ولكن اليست هذه مآساة تستحق التأمل الحكيم والتعبير الصحيح ! أم هي نتيجة نحتفي بها بصريا وايقاعيا ونقلبها اكشن.
وكأن سلامة يقول لكل من يعاني من الأضطهاد والتمييز لا تستسلم لذلك بل قاومه بأقصى عنف وضراوة ونحن نشجعك بالأغاني الحماسية التي تشيد بموقفك ولا تنكره عليك! ان المفارقة المآساوية التي يجب أن يبلورها الفيلم في ثلثة الأخير تحولت إلى ذروة في فيلم أكشن درجة ثالثة حيث يتدرب البطل لمواجهة عدوه على ايقاع اغنية(عين النمر) كما في فيلم روكي.
تنتهي المواجهة بالطبع بانتصار هاني/داود الصغير على جالوت الضخم وهي نهاية نمطية جدا بالمناسبة ونمطيتها تأتي من أنها استجابت لمنطق الأكشن وليس لمنطق فلسفة التحليل الأجتماعي والنفسي لمن يتعرضون للأضطهاد فيتحولون إلى ارهابيين أو اشخاص خطيرين وليس لأبطال شعبيين يتم الاحتفاء بهم بعد هزيمة الشرير.
ويشعرنا المخرج بعدها أن هاني سعيد بالعقاب الذي يتلقاه في النهاية جنبا إلى جنب مع عدوه المضروب لأنه أخيرا لم يعد مميزا في شئ داخل المدرسة تماما كما يقول لنا الراوي وهي نهاية ساذجة لأنها اولا تناقض ما حشده المخرج من مشاعر عنيفة داخل هاني وتمرينات لمواجهة علي وثانيا لأنها تشعرنا أن هاني ضرب"علي"لكي يتلقي عقابا يجعله معه على قدم المساواة وليس انتقاما من تعرضه للأذى البدني والنفسي على يده طوال الوقت.
هذه نهاية مشوشة وقاصرة عن تحقيق ذروة انفعالية وفكرية جيدة للتجربة حتى مع وجود نظرات الحقد المتبادل بين الأثنين هاني وعلي والتي تذكرنا بالمثل الشعبي "اللي في القلب في القلب يا كنيسة" اي دلالة على وجود حقد طائفي دفين بين طرفي المجتمع.
ولكن الفيلم للأسف يصوغه دون أن يدرك أنه اطلق هذا الحقد من منطلق طبقي وليس من منطلق أجتماعي أو سياسي او حضاري فمشكلة هاني مع علي بدأت وانتهت لأسباب طبقية بحتة - فهاني لم يكن يعني من ازمات طائفية في طبقته الأولى- ومسألة التمييز الطائفي واخفاء الدين وكل هذه التفاصيل مجرد اثقال تبطئ من رشاقة الأسلوب وتحد من قوة الفكرة بل وتناقضها في بعض الأحيان.
تبقى الاشارة إلى تميز عناصر التمثيل على كل المستويات تقريبا بداية من أحمد داش في دور الطفل هاني والذي استطاع ان يوازن ملامحيا وبموهبة فطرية ما بين براءة الانطباع الأولى في البداية وصرامة الكبت الداخلي بعد ما عاينه من أهوال في المدرسة، والأختيار الجيد لكندة علوش في دور الأم حيث جاءت متسقة مع لعبة التناقضات التي اشرنا إليها خاصة التناقض بين شكلها المريمي جدا والحالم وبين كونها لا دينية ترفض الأعتماد على السماء في حل مشاكل الأرض، كما يحسب لهاني عادل واضع الموسيقى توظيفه للآلات المدرسية التقليدية في صياغة موسيقى الفيلم خاصة أن الأفلام التي تعتمد على ما الهيبر ريالتي تحتاج إلى الكثير من الأفيهات الموسيقية للتزامن مع الأفيه البصري الكاريكاتوري بالأضافة إلى صياغته لجملة لحنية معزوفة بصفير فمي تناسب المواقف الطريفة والميلودرامية بنفس الدرجة وتمثل جانب وصفي لشخصية الطفل هاني بطل الفيلم فالصفير فعل سوتي مقترن بفترة الطفولة بحلوها ومرها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.