اسمعوا وعوا!

يرحل عام 2013 بأحزانه وأفراحه، بدماء كثيرة أريقت على الأرض المصرية، بقلق على مستقبل قد يبدو مدلهماً فى الأفق.. لكنه أيضا يحمل فى نفس رحمه أملاً لغد أفضل.
غريب أمر المصريين. يعشقون الفرح والرقص والغناء، لكنهم يشيدون المقابر أهراماً مبهرة لتخليد فراعينهم. فالحياة الأخرى دائماً فى الأفق. يدفنون الملوك والملكات بالتيجان والذهب والاستبرق وأحيانا بالطعام.. فالخلد قادم لا محالة، والملوك ملوك.. فى الحياة الدنيا والآخرة.
ومن الموت تولد الحياة.. ومن اليأس يولد الأمل، ومن عام صعب يولد عام جديد ببشارة جديدة تطوف الطرقات.. ينادى المنادى الفاطمى القديم يوقظ أهل البلاد فى لحظات العام الأخيرة بنبوءته وبشارته. يدق على طبلته الصغيرة بنغمات تشبه دق المسحراتى المعروف، ويقول بصوت أجش منغم: يا أهل مصر.. يا أهل بر مصر، يا أبناء المحروسة اسمعوا واعوا. فها هو عام يرحل هل أعددتم للعام الجديد؟!
اسمعوا وعوا. فأنتم يا أبناء الحضارة، يا من علمتم العالم الحروف والطب والتحنيط، يا بناة أهرام الدنيا والآخرة.. عليكم الآن أن تبنوا حضارة جديدة وأهراماً جديدة ليست للموت، ولكن للحياة.
اسمعوا وعوا. فأنتم يا من دحرتم الهكسوس، وأخذتم من الفرنسيين علمهم وأخرجتموهم من بلادكم، وتحملتم الاحتلال البريطانى لسنوات ليخرج من دياركم منكس الرأس.. أنتم يا مقبرة الغزاة استطعتم أيضاً أن تدحروا الإخوان ومخططهم الشيطانى لحكم البلاد باسم الدين وهم من الدين براء. لا يعلمكم أحد أديانكم، فأنتم بيت الأزهر والكنيسة القبطية، لا يعلمكم أحد الصلاة والصوم والعبادة، فأنتم من احتضنتم أهل البيت ومريم ووليدها المسيح، وموسى كليم الله.
اسمعوا وعوا. دحرتم الإخوان كما فعلتم بالهكسوس، لكن تتار الزمن الحديث يأبى أن يرحل إلا على أنقاض المدينة.. فهل ستتركونه يدمرها؟ لا والله.. ما كان هذا ولن يكون.. اسمعوا وعوا يا أهل مصر المحروسة.. حربنا مستمرة ضروس عنيدة، لكنها منتصرة. فالحق لابد أن يشرق فى النهاية. فلا يفرقكم أحد ولا يفت أحد فى عضدكم ولا يغوينّكم أحد، ولا يقسمكم أحد. كونوا صفاً واحداً ويداً قوية على الشيطان.
اسمعوا وعوا يا أهل مصر، فالقادم أصعب، يحتاج منّا إلى العرق والعمل والجهد، يحتاج منا إلى التعب ونسيان الذات، يحتاج منا إلى السهر ليل نهار، وما ذاك علينا جميعاً بصعب. ألم نبنِ السد العالى دون معونة، ألم نحرر الأرض والعالم كله كان يسخر منّا، ألم نؤمم القناة، ألم ندحر العدو مرات ومرات؟!
إرادتنا فى يدنا.. ويكره العالم من حولنا ذلك.. لكنها صحوة المصريين، تحتاج إلى عمل وإلى علم.. إلى جهد وإلى معرفة، لن يأتِ ذلك الساحر ليحول أرضكم ذهباً، فإما أن تزرعوها وتحرثوها بأيديكم ودمائكم، كما فعل أجدادكم، وإما فستعيشون فى خرابها إلى ما لا نهاية.
وأنت أيها السلطان.. أياً كنت ومن كنت. أمامك كل التحديات وكل الصعوبات نحملها معك، لكنها تحتاج منك إلى حنكة وحكمة وقوة فى الحق. فنحن فى مركب واحد ناجٍ بإذن الله.
يدق المنادى الفاطمى القديم على طبلته وهو يقول: يا أهل المحروسة ها هو عامكم الجديد يطل عليكم بأمله وصعوباته، احتفلوا وافرحوا، وتذكروا من رحل ومن فقد دمه من أجل هذه الأرض، لكن الليل ينسحب، وحين تشرق الشمس فذاك يوم جديد وغد جديد.
اسمعوا وعوا.. يبتعد صوت المنادى رويداً رويداً حتى يتلاشى صداه وسط ضباب بزوغ فجر العام الجديد، لكن صوته كان قد أيقظ كل المصريين.
Lameesh1@gmail.com