نقود الاحتياطى تتراجع إلى 2.045 تريليون جنيه بنهاية أبريل 2025    وزير الخارجية الإيطالي يحثّ إسرائيل على وقف هجومها على غزة    تسليح الموارد.. دور المعادن النادرة فى الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين    البرازيل.. لماذا أنشيلوتى؟ (3 - 3)    الأمن يضبط المتهم بفيديو الاستيلاء على 1100 فدان في القليوبية    سوء الأحوال الجوية في دمياط.. إصابة سيدة جراء سقوط لافتة إعلانية    «وجدنا تراب من المقابر على باب الشقة».. أقارب عريس البحيرة يكشفون تفاصيل جديدة قبل الغرق ب ترعة المحمودية    قراءات    جناح مهرجان القاهرة السينمائي الدولي يفوز بجائزة أفضل جناح في سوق "كان"    أقرأوا اللوائح جيدًا    لرد فضيلة المفتى.. تأجيل محاكمة حلاق تعدى على طفلة بالخانكة    هوس السوشيال.. ضبط المتهم بنشر فيديو الاستيلاء علي أراضي وتزوير بناء مسجد بقليوب    «مستثمري العاشر من رمضان» تستقبل وفدًا من دول غرب إفريقيا    القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربى يشهد مناقشة البحث الرئيسى لهيئة البحوث العسكرية    جدل زواج عبد الحليم حافظ وسعاد حسني.. هل ينهي جواب الوداع الأزمة؟ | فيديو    لاصحاب الحيوانات الاليفة| طرق حماية كلبك من ضربة الشمس    بحضور وزير الشباب والرياضة.. مركز شباب الرملة يتوج ببطولة القليوبية    أشرف العشري: كلمة الرئيس السيسي بالقمة العربية جاءت شاملة وجامعة    الزمالك يتوصل لاتفاق مع لاعب أنجيه الفرنسي    جدول مواعيد الصلوات الخمس في محافظات مصر غدًا الأحد 18 مايو 2025    الأنبا مكاريوس: نُحيي تاريخنا لإيقاظ الوعي.. والمنيا أغنى بقاع مصر حضاريًا    المخرجة مي عودة: الوضع يزداد صعوبة أمام صناع السينما الفلسطينية    المدير الفني ل"القاهرة السينمائي" يناقش بناء الروابط بين مهرجانات الأفلام العربية في "كان 78"    فيلم فار ب 7 أرواح يفرض نفسه على دُور العرض المصرية (تفاصيل)    موجة حارة تضرب البلاد.. درجات الحرارة تصل إلى ذروتها في بعض المناطق    بمناسبة مرور 80 عامًا على تأسيسه.. «قسم جراحة المسالك البولية بقصر العيني» يعقد مؤتمره العلمي    تُربك صادرات الدواجن عالميًا.. أول تفشٍ لإنفلونزا الطيور يضرب مزرعة تجارية بالبرازيل    آخر تحديث للحصيلة.. إصابة 46 طالبة بإغماء في جامعة طنطا بسبب ارتفاع الحرارة -فيديو    فليك: نريد مواصلة عدم الهزائم في 2025.. وعانينا بدنيا بالموسم الحالي    هل يجوز سفر المرأة للحج بدون محرم؟.. الأزهر للفتوى يجيب    "إلى من شكك في موقفنا".. عضو مجلس إدارة الزمالك يكشف تطورًا في أزمتهم مع الراحل بوبيندزا    كلية التجارة بجامعة القاهرة تعقد مؤتمرها الطلابي السنوي الثاني تحت شعار "كن مستعدا" لتمكين الطلاب    المشروعات الصغيرة والمتوسطة ب"مستقبل وطن" تناقش خطة عمل الفترة المقبلة    بالأسماء، ارتفاع عدد المصابات بإغماء وإجهاد حراري بتربية رياضية طنطا ل 46    هل يجوز توزيع العقيقة لحومًا بدلًا من إخراجها طعامًا؟.. أمين الفتوى يجيب    قرار عاجل من المحكمة في واقعة اتهام البلوجر روكي أحمد بنشر فيديوهات خادشة للحياء    قافلة بيطرية تجوب قرى شمال سيناء لحماية المواشي من الأمراض    وزارة الزراعة تعلن تمديد معرض زهور الربيع حتى نهاية مايو    "الزراعة" تطلق حملات بيطرية وقائية لدعم المربين وتعزيز منظومة الإنتاج الداجنى    الأوقاف: الطبيب البيطري صاحب رسالة إنسانية.. ومن رحم الحيوان رحمه الرحمن    «أم كلثوم من الميلاد إلى الأسطورة» في مناقشات الصالون الثقافي بقصر الإبداع    وفاة ابن شقيقة الفنان عبد الوهاب خليل.. وتشييع الجنازة في كفر الشيخ    قرار هام من التعليم ينهي الجدل حول «عهدة التابلت»    أكاديمية الشرطة تنظم ندوة حول الترابط الأسري وتأثيره علي الأمن المجتمعي (فيديو)    «فتراحموا».. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة المقبلة    وزير التعليم العالي: المترولوجيا أحد ركائز دعم قطاعي الصناعة والبحث العلمي لتحقيق التنمية المستدامة    الصحف العالمية اليوم: تراجع ثقة المستهلك فى الاقتصاد رغم تعليق ترامب للرسوم الجمركية.. "رجل مسن ضعيف الذاكرة" ..تسجيل صوتي يظهر تراجع قدرات بايدن الذهنية .. بريطانيا تشكك فى اعتراف ماكرون بفلسطين فى يونيو    فتح ترحب ببيان دول أوروبية وتدعو لإلغاء اتفاقية الشراكة مع إسرائيل    باسل رحمي: جهاز تنمية المشروعات يحرص على إعداد جيل واعد من صغار رواد الأعمال و تشجيع المبتكرين منهم    تحرير 143 مخالفة للمحال غير الملتزمة بقرار مجلس الوزراء بالغلق    فص ملح وداب، هروب 10 مجرمين خطرين من السجن يصيب الأمريكان بالفزع    الرقصة الأخيرة.. إيفرتون يودع ملعب "السيدة العجوز الكبرى"    غدًا.. غلق باب التظلمات بإعلان المبادرة الرئاسية "سكن لكل المصريين 5"    أسعار ومواصفات شيفرولية أوبترا موديل 2026 في مصر    حكم من نسي قراءة الفاتحة وقرأها بعد السورة؟.. أمين الفتوى يوضح    زعيم كوريا الشمالية يشرف على تدريبات جوية ويدعو لتكثيف الاستعداد للحرب    مسودة "إعلان بغداد" تشمل 8 بنود منها فلسطين والأمن العربي والمخدرات والمناخ    تشيلسي ينعش آماله الأوروبية بالفوز على يونايتد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقال لا يدين الإرهاب
نشر في المصري اليوم يوم 02 - 01 - 2014

لأن إدانة العنف والإرهاب والتفجيرات هو الكلام الذي يردده وسيردده معظم الأطراف المتصارعة، من أول الحكومة إلى الإخوان وحتى من التيار الجهادي نفسه، فاعرف إنه كلام فارغ وبلا جدوى، وفكر فيما وراءه.
فإن كنت مصابا بهستيريا الحرب على الإرهاب فهذا المقال لن يخفف من ألمك، لأنني بالأساس مهتم بزيادة ألمك. لعلك تفكر وتتذكر أنك مجرد مشجع لأحد أنواع الإرهاب التي تتخفى وراء إدانة الإرهاب.
وراء الإدانات المختلفة إرادات أخرى تبرر كلها العنف والإرهاب والقتل ما دامت من أجل «الخير»، الذي هو في النهاية وفي الحقيقة «السلطة» التي يفضلها كل طرف. لا توجد إلا أقلية ضئيلة تؤمن بشكل مطلق ب«السلمية» ورفض العنف مطلقا في حين أن باقي البشر يعتبرونه مجرد وسيلة تتوقف أخلاقياتها بحسب الغاية.
لا يوجد من يدين كل الحروب أو العقوبات البدنية التي تشرعها البرلمانات وتقضي بها المحاكم وتنفذها الشرطة، ولا استخدام الشرطة للقوة لتنفيذ قرارات الحكومة وسياساتها، والكثيرون يرون أن الحدود الشرعية والعقوبات الدينية بالموت ضرورية وعادلة وينبغي تنفيذها لأنها تحافظ على «المجتمع» وتمثل «إرادة الله». والكثيرون يرحبون بقتل من يرونهم خارجين على «المجتمع» وعلى «الدولة» لأن ذلك يجعلهم أيضا «خوارج» يبغضهم الله ورسوله والفقيه الأموي علي جمعة والمفكر الفاشي مصطفى حجازي.
ستجد الإسلاميين في السلطة يحذرون جبهة الإنقاذ ويتهمونها برعاية العنف وتقديم الغطاء السياسي له، إن حدث وهاجمت مجموعات القصر الرئاسي بالمولوتوف في أثناء تظاهرات دعت لها الجبهة. ولكنهم يدافعون عن أداء الشرطة وإن قتلت لأن تلك محاولة لحماية الشرعية، التي هي في النهاية «السلطة» التي يدافع عنها الإسلاميون.
وفي المشهد الآخر ستجد الحكومة الحالية تدافع عن أداء الشرطة وإن قتلت لأن ذلك لحماية الشرعية الجديدة والسلطة الجديدة، وببساطة ستقول إن أي تفجير أو عمل عنيف هو من فعل الإخوان أو هم على الأقل وفروا الغطاء السياسي له.
في النهاية كل طرف يدافع عن العنف الذي يحمي أو يسعى إلى «السلطة» التي يفضلها ويعتبر العنف تجاه الآخرين الذين يصارعونه عليها إجراء ضروريا لا بأس به أو لا غنى عنه أو نحن مضطرون إليه.
ولأن البشر ليسوا وحوشا بشكل كامل، فإن كل طرف يحاول أو يدعي أن ممارسته القتل والعنف، أو تبريره لهما، منضبطان ببوصلة أخلاقية ما: الشريعة، الشرعية، القانون، الأخلاق، مصلحة البلد، مصلحة الثورة، مصلحة الديمقراطية، مواجهة الفاشية، مواجهة الاستبداد، الانتقام والقصاص، وغير ذلك.
أنا شخصيا أحاول ألا أنجر لإدانة العنف- كذبا- بشكل مطلق. ولا أدعوك لإدانة العنف كذبا بشكل مطلق، أنا فقط أفكر معك أننا ينبغي أن نفكر في البوصلة الأخلاقية التي تدفعنا للقتل أو العنف أو تبرير القتل والعنف الذي يحمي أو يسعى إلى شكل السلطة الذي نفضله.
عمليات «أنصار بيت المقدس» وغيرها من الجماعات الجهادية السرية الصغيرة ليست شيئا مطروحا للنقاش بشكل كبير رغم كلفتها العالية، لأن بوصلتهم الأخلاقية بالغة الهامشية مثل تنظيمهم، ولا تحتاج الدولة لأي دعم سياسي أو شعبي لقتلهم بكل أريحية.
ولكن هتسيريا الحرب على الإرهاب التي تتصاعد هي محاولة لإسكات الأصوات التي تشير إلى إرهاب الدولة المتصاعد منذ شهور، والذي بلغ حدا غير مسبوق من الانحطاط وغير مسبوق من الحماقة، وبشكل مجنون يتجاوز كل حسابات المعركة السياسية ويوسّع كل يوم من نطاق العنف والصراع والمزيد من اهتزاز السلطة. ثم يضطر إرهاب الدولة للصراخ في الجميع من أجل المزيد من التفويض، ومن أجل أن يغطي بالهتسيريا على السؤال: ما البوصلة الأخلاقية التي تجعل الناس تؤيد كل هذا القتل وكل هذه الإجراءات التي تتخذها الأجنحة الإجرامية في السلطة كل يوم؟ (أعلن هنا توقفي عن استخدام تعبير «الجناح الديمقراطي» و«الجناح الأمني» في السلطة، واستبدالهما بتعبيري «الجناح غير الإجرامي» المرتهن تحت التهديد ل«الجناح الإجرامي» في السلطة)، ولكن لماذا يهتم الجناح الإجرامي في السلطة وأذياله الإعلامية بمهاجمة «الحقوقيين» كل ثلاث دقائق، وكأن نفوذ الخطاب الحقوقي قد صارت له شعبية عظيمة في القرى والنجوع؟
الإجابة: لأن الحقوقي يذكره بالكذب الذي يرتكبه، لأن مهمة الحقوقي أن يسأل الدولة وهي تمارس احتكار العنف والقوة، وأن يسائل رجال الدولة والسلطة عن مدى التزامهم بالبوصلة الأخلاقية التي احتكروا على أساسها ذلك وهي «القانون»، وأن يذكرهم أن ممارستهم للقوة والعنف هي ممارسة باسم الناس وينبغي أن يلتزموا بما شرعه الناس- نظريا- وصاغته السلطة- عمليا- من القوانين والضوابط، لكي لا يرتد هذا العنف على الناس، أصحاب السلطة- نظريا- في الدولة الحديثة الديمقراطية.
ولأن ذلك كله «نظري»، ولأنه لا دولة حديثة ديمقراطية هنا، ولأن الدولة مختطفة لصالح أجنحة إجرامية تشد الدولة عكس اتجاه الديمقراطية وتتبارز في انتهاك القانون وابتذاله فإنه يضايقها جدا أن يسألها حقوقي ماذا تفعل، ووفق أي قانون وأي بوصلة تبتذل حياة الناس بشكل عام وبكل هذه الوقاحة من أجل شن الحرب على بعضهم.
من المؤسف للمجرمين في كل حكومات العالم أن هناك من اهتموا بالاجتهاد في وضع تراث حقوقي لمساءلة ممارسة العنف حتى في حالات الحروب الصريحة أو حالات الحروب الأهلية أو مواجهة الدولة لتمرد مسلح. وعلى الدولة أن تعلن بوضوح إن كانت تواجه حالة من هذه الحالات وتقدم كشف حساب لماذا وكيف مارست القتل والعنف وكيف حاولت أن تحمي حياة من هم بعيدون عن ساحة المعركة، وأنها لم تستخدم باسم الناس وبمواردهم إلا الحد المناسب من العنف حتى في مواجهة من تحاربهم باسم الناس.
أما الاكتفاء ب«التفويض» برفع الأعلام في الشوارع بعد خطاب الجنرال فهي بوصلة أخلاقية مختلفة تقول إنه لا شروط ولا ضوابط ولا أي شيء. ضع كل ثقتك هنا. سنذهب للحرب باسمك، لا شأن لك بالتفاصيل، سنسحق الأعداء. بوصلتنا الأخلاقية غير منضبطة بأي شيء، ولكننا سندعي دائما أننا نعمل وفق «القانون»، سندع «أذرعنا الإعلامية» تتحدث عن سحق الأعداء جميعا لأنهم «يستاهلوا» لكننا كمسئولين في الدولة لا نستطيع قول ذلك .. ولكننا سنمارسه.
عندما يمارس مسؤولو الدولة الحرب على بعض الناس أثناء الصراع على السلطة، وعندما لا يعود لأحد حق التساؤل عن البوصلة الأخلاقية التي تضبط استخدام الدولة للعنف، فإنه من الطبيعي أن يبحث الناس عن بوصلة أخرى وعنف آخر للدفاع عنهم في مواجهة حرب الدولة عليهم.
عمليات المجموعة الجهادية الهامشية وعنفها الغاشم ليست أخطر ما ينتظرنا، رغم تكاليفها العالية. ولكن الكوارث الأكبر ستكون عند انجرار كتل أكبر من التيار السلطوي الإسلامي إلى خيار عنيف عندما لا يجد منفذا آخر في مواجهة الحرب المستعرة من الأجنحة الإجرامية التي استولت تماما وحصريا على عنف الدولة وتمارس الإرهاب اليومي باسمه.
ولأن هذا المقال تعهد ألا يدين الإرهاب بشكل مطلق، فإنه في الختام لا يدين في المطلق إرهاب الدولة الذي يحبه بعض القراء، ولكن كان فقط محاولة لدفعهم للتفكير إن كان إرهاب الدولة الذي قتل الآلاف وسجن الآلاف خلال شهور يحميهم فعلا من الإرهاب الآخر أم أنه يدعوه لمعركة أوسع وخسائر أفدح تشملنا جميعا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.