أذكرُ لقاء إعلاميا لسيادتكم في أواخر التسعينيات تحدثتم فيه عن أن طفلي سيادتكم – آنذاك- علاء وجمال كانا لا يذهبان إلى نادٍ إلا بصحبتكم أو بصحبة والدتهما السيدة سوزان حرم سيادتكم. كنتَ كأيّ مصريٍّ يدرك أهمية الأسرة ودور الأبوين في تنشئة الأطفال. إنّ هاجسَ تشغيل الأبناء يبدأ يا سيادة الرئيس لدى الأسرة المصرية منذ يوم ولادة الطفل، ونرى جميعا في عبارات التهنئة بالمواليد الجدد جُمَلا تجسّد أمنياتٍ للمولود الجديد بأن يكونَ في المستقبل ضابطا طيارا مثلا. لا يزايدُ أحدٌ يا سيادة الرئيس على ما أعتقد أنّه حبّك لمصر، ومن قبلُ انخراط سيادتكم في صفوفِ القوات الجويّة. والدي كان ضابطا في سلاح المهندسين بقاعدة بني سويف الجوية أثناء حرب العاشر من رمضان/السادس من أكتوبر وذكر لي أن سيادتكم أثناء قيادتكم للقاعدة الجوية كنتَ تترفع عن الاستعانة بالجنود لقضاء مصالح شخصية. لقد كنتُ أحد الذين صُعِقوا يا سيادة الرئيس وأنا أرى وزيرا يروي أنّ ابنا لكم كان يدخل على وزير ويخاطبه (يا أنكل)، ويطلب منه مساحة من الأرض زادت أم نقصت. أدرك تماما أنّ من الظلم اختزال ثلاثين عاما من حكم سيادتكم في مثل هذا التصرف، إلا أنّ وجود ملكيات خاصة لأقارب المسؤولين يتعارض حتما مع مسؤوليات هؤلاء المسؤولين، والنفوس البشرية سيادة الرئيس قد تميل إلى مجاملة أو محاباة ليس بالضرورة عن تواطؤ أو فساد. قد يمرر موظف كبير قرارا خاطئا لمجرد أنه خاص بأرض أو نشاط لنجل سيادتكم، وقد يكون هذا الموظف خلوقا محترما ولكنه ربما خشي سوء أو رجى خيرا إذا ما لم يمرر، وربما في نفس الوقت لم يكن نجلكم أو أحد غيره ليؤذي أو يمنحَ هذا الموظف. الأخطر أن زملاء هذا الموظف سيتصرفون معه بشكل مبنيّ على كيفية إصداره لقرار مرتبط بنشاط لنجلكم. وقد يكون هذا القرار الخاطئ مضرا بأنشطة أخرى أو منافسين ليسوا ذوي نفوذ. ولهذا سيادة الرئيس كانت خطى الحبيب على ما أفهم واضحة وصريحةً في منع ذلك. إنْ كان من سبب أوحد لما حصل في مصر يا سيادة الرئيس، فإنّه قولا واحدا تداخل نشاطات نجليكم في الاقتصاد ثم في السياسة، وكان هذا واضحا حتى في أحاديث رؤساء وزارة سابقين تحديدا عن فترة حكم سيادتكم في الألفية الجديدة والتي أدى تراكم تداخل أسرتكم فيها (في الجانب السياسي خصوصا) إلى طمس نجاحات سيادتكم التي حققتموها (بما فيها إنجازات البنية التحتية) خصوصا في الفترة من 1981م حتى 2004م. كنت أرى نماذج متفاوتة من تضارب المصالح وتعيين الأقارب في بعض الهيئات الخاصة والعامّة (بما في ذلك قانون تعيين أبناء العاملين)، بل وحتى في قلب وسائل الإعلام ونجومها اللامعين؛ فلم تكن سيادة الرئيس متفردا في هذا التصرف، وإن كان لا ينفي أنه تصرف ضارّ وفيما أفهمُ محرّم شرعا. صحيحٌ سيادة الرئيس أن نجليكم قد يكونا شابين نابهين إلا أنّ وجود سيادتكم على رأس البلاد كان يفترض من وجهة نظري أن يفرض احتجابهما عن الحياتين السياسية والاقتصادية. أدرك تماما أن هنالك آلاف المسؤولين من كبار صغار الموظفين (أو العكس) ولربما لهم أنجال وأقارب يساهمون في أنشطة تجارية واقتصادية مرتبطة ارتباطا وثيقا بأنشطة الأب أو العم أو الخال أو شقيق الزوجة، إلا أنّ ضرر هذا وانعكاسه السلبي على ثقة الناس وأداء الاقتصاد وطمأنينة المجتمع يكون أقل بكثير إذا ما قورن بنشاط أو تجارة لنجل رئيس لجمهورية مصر العربية، كلّ هذا بافتراض أنّ نجليك سيدي لم يكونا حقا حريصين على إيذاء أحد، ولم يكونا حريصين على توظيف نفوذهما لزيادة أرباح أو تسهيل معاملات. قد تتساءلون سيادة الرئيس وآخرون، أوَ ليسَ علاء أو جمال مواطنان من حقهما ممارسة العمل السياسي والاقتصادي كأي مواطنين عاديين. في حقيقة الأمرِ يا سيادة الرئيس، فإنّ وسائلَ الاتصالات وتقارب المسافات تجعل تضارب المصالح واقعا لا مفرّ منه أكثر من أي وقت مضى، ولكنها تزيد في نفس الوقت من تراكم التأثير السلبي لهذا التضارب خصوصا في دولة مثل مصر تتركز فيها السلطات بيد مؤسسة الرئاسة. لقد كان في مصرَ يا سيادة الرئيس خطابٌ دينيٌّ يركز على اللحية والنقاب أكثر ممّا يركّز على أحكام الهدايا للولاة أو المسؤولين على سبيل المثال، وما يرتبط بها من تعارض مسؤولية الموظف الحكوميّ مع مصالح أقاربه ومعارفه. لا أعتب عليكم وحدكم سيادة الرئيس (ومقامكم محفوظ سيدي)، بل يمتد عتابنا إلى علماء، وفقهاء، ورجال دين، ووزراء، ومسؤولين، ومثقفين، ورجال أعمال، وصحفيين، وإعلاميين، وسياسيين، كان سكوتهم أو عدم قيامهم بواجب النصيحة لكم ولآخرين سببا مباشرا فيما آلت إليه الأمور.