سألنى مراسل «النيويورك تايمز» الذى كان فى زيارة لمصر فى الأسبوع الماضى: هل تعتقد أن هناك علاقة ما بين نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة وما حدث فى كنسية القديسين بالإسكندرية؟ قلت له على الفور - كما تقول أغنية عبدالوهاب الشهيرة - «بالطبع لأ»! وقبل أن تظهر عليه علامات خيبة الأمل كما حدث لعبدالوهاب، سارعت بالقول: الانتخابات الأخيرة لم يفز فيها إلا الحزب العظيم، الذى يحكمنا منذ أكثر من ثلاثين عاماً، والذى حقق ما لم يحققه أى حزب فى العالم فى أى نظام ديمقراطى آخر، حيث حصل لنفسه على 97% من مقاعد المجلس النيابى، ذلك أن الشعب لا يريد إلا هذا الحزب ولا يثق إلا فى قيادات هذا الحزب، وجيل الشباب فى مصر الذى يشكل ثلثى الشعب المصرى لم يعرف، طوال حياته، إلا حكم هذا الحزب. إن ما حدث فى كنيسة القديسين بالإسكندرية لا يتعلق بالحزب وإنما بالأقباط، والحزب لا يعرف الأقباط، بدليل أنه لم يرشح منهم إلا نسبة ضئيلة فى الانتخابات، أو هو يعرف قبطياً واحداً فقط هو الدكتور يوسف بطرس غالى، وزير المالية، لذا كان هو القبطى الوحيد الذى نجح ثم أضيف إليه قبطيان آخران ليصير عدد الأقباط ثلاثة. قال: ألا ترى أن هذا هو سبب الاحتقان الطائفى الذى تشهده مصر منذ بضعة عقود مساوية تماماً لعمر ذلك الحزب؟ قلت مرة أخرى: بالطبع لأ! فالحزب تصرف حسبما ورد فى الدستور، والدستور - الذى وضعه ذلك الحزب - يقول إن دين الدولة هو الإسلام، فلماذا يرشح الحزب غير المسلمين؟ بل قد لا أغالى إذا قلت إن هؤلاء المختلين الذين فعلوا فعلتهم الشنعاء فى أول أيام هذه السنة المباركة إن شاء الله - فكل سنواتنا تحت حكم حزب ال97% مباركة - لم يخالفوا الدستور، فالدستور لا يعرف إلا ديناً واحداً فقط هو الدين المنصوص عليه رسمياً باعتباره دين البلاد، ومن يتبعون ديناً آخر لا وجود لهم فى الدستور. قال: إن هناك نسبة من الأقباط فى تعداد البلاد، وقد فشلت فى الحصول عليها، فالدولة لها إحصاءاتها على ما يبدو، والكنيسة لها إحصاءاتها، لكن على أى حال هناك أقباط فى مصر، لا أحد يستطيع أن ينكر ذلك، رغم اختلاف أعدادهم ما بين الحكومة والكنيسة. قلت: دعنا من مصر الآن، نحن لا نعرف إلا الحزب الوطنى، والحزب الوطنى لا يعرف من الأقباط إلا الدكتور يوسف بطرس غالى، لذلك فنحن لا نعترف إلا به، وإذا كنت ستنسب لى قولاً فيما ستكتب لجريدتك فليكن هو الرأى الرسمى الذى يقول إن مصر ليس بها إلا ثلاثة أقباط، واحد منتخب واثنان معينان. قال: إنك تؤكد وجهة نظر البعض بأن الأقباط يشعرون بأنهم غير معترف بهم كمواطنين لهم حقوق مثل بقية الناس، إن بعضهم قالوا لى إنهم يشعرون بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية. قلت: حاشا لله، مصر ليس بها أى تفرقة بين المسلمين والمسيحيين. إن ما تقوله ينطبق على المسيحيين والمسلمين معاً، لكنكم تأتون مصر كالسواح لا تعرفون عنها شيئاً، نحن جميعاً فى مصر سواء، والمسلمون مثل المسيحيين، جميعهم مواطنون من الدرجة الثانية، وهم أفضل حالاً ممن ينتمون للملل الأخرى التى لا تعترف بها الدولة، رغم أن بعضها من طوائف الإسلام، مثل البهائيين والإسماعيليين والدروز، فهؤلاء مواطنون من الدرجة الثالثة. قال: وما دخل الدولة فى الدين الذى يختار المواطن أن يدخله أو يخرج منه؟ كيف تعترف الدولة بدين ولا تعترف بآخر، وكيف يصنف الناس وفق دينهم، فتقول لى إن هؤلاء مواطنون درجة ثانية وهؤلاء مواطنون درجة ثالثة؟ ثم أليس عندكم فى مصر مواطنون من الدرجة الأولى؟ هنا غيرت الأغنية وقلت: أيوه آه، هناك مواطنون من الدرجة الأولى، وهم جميعاً أعضاء فى مجلس الشعب، أو دعنى ألتزم الدقة فأقول إنهم يشكلون 97% من أعضاء مجلس الشعب، وكما قلت لك ليس من بينهم أقباط.. ثم أضفت بعد لحظة تفكير: ولا مسلمون. خرج المراسل من مكتبى وهو يضرب كفاً بكف ويقول: نحن فعلاً لا نفهم شيئاً فى مصر!