شكّل الغناء، والنغم أيضا، عنصرا أساسيا من عناصر الحضارة والثقافة المصرية، وتواصلت المقامات الموسيقية من الفراعنة إلى ترانيم وأنغام الكنائس القبطية لدى المسيحيين، إلى الطريقة المصرية الفريدة فى تجويد القرآن الكريم لدى المسلمين، وهناك العديد من الدراسات التى تناولت ذلك التواصل اللحنى والنغمى عبر العصور يضيق المقام عن تناولها. وعبّر الغناء عن مشاعر المصريين العاطفية وحبهم لبلادهم بنيلها وأهرامها كما عبّر عن أحلام المصريين ومُثلهم العليا وتمسكهم بقيم الحق والعدل ووحدتهم فى مواجهة الخصوم والأعداء، وفى نهاية القرن التاسع عشر نكبت مصر بنكبة الاحتلال الإنجليزى سنة 1882، وسعى الإنجليز - فى محاولة لتثبيت أقدامهم فى البلاد - إلى شق الصف الوطنى فسعوا إلى إثارة الطائفية البغيضة وتقديم أنفسهم فى ظل الدعوة للجامعة الإسلامية باعتبارها حامية للأقباط فى مواجهة ذلك المحيط الإسلامى الكبير، ولكن سرعان ما تهاوت الدعوة للجامعة الإسلامية أمام الدعوة للمواطنة ومصر للمصريين التى حمل لواءها أحمد لطفى السيد وحزب الأمة، وحزب الوفد بعد ذلك، الذى رفع شعار «الدين لله والوطن للجميع» وسادت البلاد موجة من التمسك بالوحدة الوطنية والحرص عليها، وكان فارس الشعر الأكبر فى ذلك الوقت: أمير الشعراء أحمد شوقى، الذى كتب روائعه فى المدائح النبوية مثل: وُلد الهدى، ونهج البردة، وسلوا قلبى، وإلى عرفات الله، ومع هذا كله يكتب يوم مولد المسيح ومع توهج ثورة سنة 1919، وضغوط الإنجليز لشق الصف الوطنى كتب الرائع بديع خيرى وأبدعت قريحة العبقرى سيد درويش:« ما قلتلكش إن الكترة لابد يوم تغلب الشجاعة/ وآديك رأيت كلام الأمرا طلع تمام ولا فيهشى لواعة/ غيرشى اللى كان هالك أبدانَّا ومطلع النجيل على عينينا/ إن محمد يكره حنا وإيش دخل دول يانا بس ف دينا/دخل بَناتنا اللى موقّعنا فى بعضنا وراح لك متصدر/ فقسنا لعبته واتجمعنا لا يضيع شرفنا الله لا يقدر». وفى رائعته بعنوان «السياس أو العربجية» ينشد: «اوعى يمينك اوعى شمالك اوعى الأزمة توقف حالك/ إن كنت صحيح بدك تخدم مصر أم الدنيا وتتقدم/ لا تقول نصرانى ولا مسلم ولا يهودى يا شيخ اتعلم/ اللى أوطانهم تجمعهم عمر الأديان ما تفرقهم». وفى نشيده ذائع الصيت«قوم يا مصرى» ينشد: «يوم مبارك تم لك فيه السعود/ حب جارك قبل ما تحب الوجود/ إيه نصارى ومسلمين قال إيه ويهود/ دى العبارة أصل واحد م الجدود». وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، كتب كامل الشناوى نشيد الحرية الذى لحنه وغناه محمد عبدالوهاب، وقد منعته السلطات من الإذاعة حتى أفرجت عنه ثورة يوليو، وبعد ثورة يوليو 1952 كتب صلاح جاهين ولحّن السنباطى وغنت أم كلثوم رائعتهم «ثوار»، وفيها الثورة قايمة والكفاح دوار/ من أرضنا هلّ الإيمان والدين/ عيسى ومحمد ثورتين خالدين. كما كتب الأبنودى وغنى عبدالحليم حافظ أغنية «المسيح».. وهكذا سوف تظل وحدتنا الوطنية ملهمة للشعراء والكتاب والفنانين، فى معارك التنمية ومحن الانكسار وأفراح الانتصار، رغم رياح الصحراء الشرقية التى لا تحمل سوى الكراهية والعنصرية والأحقاد. [email protected]