صبرهم وقدرتهم على التعايش مع مياه الصرف الزراعى نفدا عندما تجاوزت المياه بيوتهم، ووصلت إلى المقابر وأغرقت الموتى، فلم تعد أزمتهم فى تلك الأمراض التى تسببها مياه الصرف، ولا فى البيوت التى ترنحت بفعل هذه المياه، وأوشك عدد كبير منها على الانهيار، بل أصبحت المشكلة فى تلك المياه التى أغرقت الأحياء وزحفت على الموتى لتغرقهم فى قبورهم. محمد محمود، أحد سكان قرية بهبيت مركز العياط فى 6 أكتوبر، يؤرخ لمشكلة الصرف فى القرية، قائلاً: «مدافن القرية تقع على طريق مصر - الفيوم الصحراوى على مساحة تتجاوز 30 ألف متر مربع، أغرقتها مياه الصرف وحولتها إلى بحيرة من المياه تتوسطها المقابر المهدمة على رؤوس الموتى أو المهددة بالانهيار، وأشلاء الموتى تحتها تسبح فى المياه، ومع إعادة بنائها، تعود المياه مرة أخرى لتدمرها من جديد». أقسى مراحل الأزمة يظهر فى حالات الوفاة الحديثة، حسب تأكيد الشيخ محمد عبدالنافع إمام مسجد القرية، ففى كل جنازة لتشييع أحد الموتى يزيد منسوب المياه أكثر من المرة التى قبلها، وحسب قوله: نحتار فى توفير مكان مرتفع وجاف للدفن. من جانبهم، حاول الأهالى حل المشكلة بجهودهم الذاتية، لكن لم تفلح هذه الجهود على كثرتها فى حل الأزمة، فالآبار التى حفرها الأهالى لم تحتمل سرعة ترسيب المياه الجوفية. ولم تفلح أيضاً شكوى الأهالى للمسؤولين فى المحافظة، لأنهم لم يستجيبوا. الأهالى أرجعوا سبب تسريبات المياه إلى تدفق مياه الصرف الزراعى من أراضى الشركة المصرية الكويتية التى تستصلح آلاف الأفدنة بالقرب من قراهم، بالإضافة إلى مئات الأفدنة من أراضى الدولة التى استولى عليها رجال أعمال بوضع اليد، ووصَّلوا إليها خطوط مياه مخالفة. عبدالرحيم محمد، أحد مزارعى القرية، أكد أنها تستمد مياهها من حصة مياه الرى المخصصة لأراضى الفلاحين، وقال: «مش لاقيين المياه حتى فى موسم الفيضان بعدما سرقوا نصيبنا من المياه، يعنى هم مش سايبين لا أحياء ولا أموات عشان مصالحهم الشخصية». المهندس عبدالعظيم شديد، مدير مشروع الصرف الصحى فى مركز العياط، برر تجمع المياه فى المقابر بأنها: تقع على مستوى منخفض من الأرض، ومع طبيعة تربة الصحراء الرملية تتسرب المياه إليها من الأراضى الزراعية المستصلحة الواقعة فى مستوى أعلى، إضافة إلى وجود طبقة حجرية على عمق قريب من الطبقة الرملية السطحية التى تحبس بدورها المياه من الوصول إلى الطبقة الرملية السفلى. ويقدم «شديد» اقتراحه لحل المشكلة والمتمثل فى عمل ثقوب بأعماق كبيرة فى الطبقة الحجرية لتمكين المياه من الوصول إلى باطن الأرض. مؤكداً أنها عملية بسيطة من الناحية الهندسية لكن الأهالى لا يستطيعون تحمل تكاليفها المادية المرتفعة، ولابد من مساهمة الدولة فى تنفيذ هذا الحل. وأبدى حسن مصطفى، رئيس مجلس مدينة العياط، انزعاجه الشديد من تسريبات الصرف الزراعى فى القرية، مؤكداً أنه لم يكن يتخيل أن تكون الأمور على هذه الدرجة من السوء، وأجرى مصطفى اتصالاً تليفونياً باللواء سيد البرعى، نائب محافظ 6 أكتوبر، مؤكداً أن الوضع محزن للغاية ولابد من توفير جميع الإمكانيات لسرعة التعامل مع التسريبات. وأضاف: «سأطالب ملاك الأراضى المستصلحة بتعويضات مالية للمساهمة فى دق حفر التسريب جراء ما تسببوا فيه من ضرر للأهالى والمقابر». وقال اللواء سيد البرعى، نائب محافظ 6 أكتوبر،: «إن هذه مشكلة حساسة خاصة أنها تمس حرمة الموتى وتهدد الأهالى، وما يشغلنا الآن هو توفير ماكينات لشفط المياه، بالإضافة إلى عمل آبار إلى أكبر عمق ممكن لتجميع المياه فيها».