(الفراشة التي زارتني) قصة قصيرة للدكتور رائد منصور حاصلة علي درع نقابة الأطباء في المسابقة الأدبية يمثل شهر( اغسطس) بالنسبة لي فاصل بين شيء مضي و الجديد الآتي و في كل عام اعقد جلسة للمحاسبة مع نفسي تستغرق هذا الشهر ... أحببته لأني زرت الكون في يوم من أيامه ..علي الرغم من الجو الحار الا ان زوجتي اعتادت احكام غلق النوافذ بالسلك و اسدال الستائر كل ذلك من أجل الشرد و حشرات الصيف الطائرة و مع الأيام اعتدت انا ايضا ذلك الأمر و انا الذي كثيرا ما حدثتها عن شغف والدي بان تكون نافذته مفتوحة يري من خلالها السماء و كم كان يغضب ممن يغلق نوافذ البيت دفعة واحدة ..و علي الرغم من كل ذلك فانه حتي خلال الاسبوع الذي سافرت فيه زوجتي و الأولاد الي شقة المعمورة مع شقيقها و اولاده الا اني لم اغير شيء من سننها في البيت غير اني اعد طعامي بنفسي و اكوي الملابس و هو العمل الذي يثقل علي صدري و لا اتقنه الاتقان الذي أطلبه من زوجتي ..فكم لمتها ان البنطلون به اكثر من كسرة أو ان صدر القميص مكرمش و هي تلقي علي منطقها الثابت :" كأنك لبسته مرة قبل كده "!! امسكت المكواه و ضبط درجة الحرارة و ضعتها بجوار القميص علي المائدة ..اسرعت الي البطاطس التي كانت تصرخ في الزيت علي النار لما سمعت صوت طقطقة متزايدة ..لحقت بالمكواة في اللحظة الأخيرة قبل ان تلتهم ما تحتها ..منهك خرجت الي عملي في الفترة المسائية و عند عودتي في الحادية عشر مساء كنت اشد انهاكا فقررت ان اكتفي في عشائي ببعض الفاكهة اتناولها امام التليفزيون مع سماع نشرة الأخبار الأخيرة ..مررت من الصالة في طريقي الي المطبخ لمحت شيئا غير عادي علي الحائط المجاور لحجرة نومي !! اقتربت .. ضغط زر النور علي استكشف ذلك الشيء ..عدت احملق في الشيء الغريب !! يا الهي فراشة ذات جناحين عريضين ملونين تقف ساكنة رغم اقترابي الشديد منها تسألت مع نفسي كيف تسللت تلك المجنحة الي شقتي .. حب البحث دفعني للمرور علي كافة النوافذ و المنافذ .. كلها مغلقة كعادتها !! اقتربت منها سألتها .! بربك كيف وصلت الي هنا ؟؟ ! لم ترد كما انها لم تغير من وضعها الساكن الهاديء كأنها صاحبة مكان .. انشغلت عنها باعداد طبق الفاكهة .. توقعت أن تهرب من مكانها عندما تحين لها فرصة .. عدت الي مجلسي أمام التليفزيون , ضغط زر الريموت فأضاءت الشاشة بوجه المذيعة الاخبارية الشهيرة .. قضمت من ثمرة البلح اللامعة بينما شدتني أخبار سقوط عمارة بالحي الراقي بالقاهرة .. ستون شخصا بين قتيل و جريح توقفت غصة البلح في حلقي دار في فكري كيف صعدت أرواح من ماتوا دفعة واحدة !! قلت لنفسي و لم العجب فكم يموت من شخص في شتي انحاء العالم في لحظة واحدة .. سبحان ربي أخذني الخبر بعيدا فلا أعتقد أني استطعت متابعة بقية الأخبار .. تذكرت قول جدتي و انا صغير :" الفراش ده ممكن يكون روح حد من امواتنا الصالحين جي يزور البيت محدش يؤذيه" .. خرجت الي حيث الفراشة .. جلست علي أرضية الباركيه أمامها .. أحسست معها بألفة شعرت انها انما جاءت لتسري عني و لكنها مازالت جامدة مكانها لا اعرف ما يدور في اعصابها .! هل تعرفني ؟ هل تحس بي ؟ هل تعلم أني الآن لا اخافها ؟ و ان لم أكن لأؤذيها .! قلت بصوت مسموع كيف حالك ؟ حتي قرون الاستشعار المشرعة لم تهتز !! هل مرجع ذلك لقوة أعصابها ؟ أم أنها ميتة في مكانها ؟ لم أكن اعرف وقتها هل الفراش اذا مات فانه يمكن ان يظل مكانه و لو علي جدار ؟ حاولت متابعتها و لكن تجنبت ان امد اليها بشيء فلم أشأ بالفعل أن أجعلها تغادر المكان أحسست بألفة كبيرة معها .. كان التعب قد بلغ مداه .. القيت بجسدي فنام حتي الصباح ضؤ الشمس غمر المكان بينما ضوضاء التليفزيون الذي نسيته دفعتني لضغط الريموت بقوة لاوقف الشوشرة .. بينما اغسل وجهي .. رمقت الفراشة في موضعها متعلقة بنفس زاوية الميل .. ما أصبرك أيتها الفراشة !! الا تبحثين عن طعاما؟ أم تراك تعلقت بصاحب المكان !؟ .. اتراك روح أبائي و أجدادي حقا ..؟ أيا كان الأمر فانك تملئين وقتي و أشعر معك بالأنس و الراحة لكن ليتك كنت تتكلمين !! بينما استمر خروجي و دخولي علي مدي ثمانية و أربعين ساعة كانت فراشتي الجميلة في مكانها و تعجبي يزداد معها .. في اليوم الثالث عندمااستيقظت في صباح يوم الجمعة قررت ان اسرع اليها و هي التي نمت معها مشاعري فأصبحت و كأني لن أفقدها !! و خيل الي أنها ستبقي حرة في البيت و لكنها لن تغادره فلابد أنها قد نما عندها مثل ما نما عندي من تعلق .. و قمت أرفع يدي في الهواء امدد جسدي و استجمع يقظتي ثم ضحكت من نفسي ! فأني لفراشة بكل تلك المشاعر ؟ عاد الي قول جدتي من جديد .. ثم نظرت فاذا هي قد اختفت .. ؟؟ اخذت أدور في البيت أطالع كل النوافذ و المنافذ مازالت كما هي مغلقة لكن فراشتي قد اختفت !! لمت نفسي فأنا لم افعل لها شيئا كي تبقي .. أي خطأ فعلت حتي رحلت دون مقدمات .. و تذكرت لقد دخلت بغير مقدمات ..و خرجت كذلك بغير مقدمات .. و تذكرت جدتي .