قلت لمحدثى الثائر بسبب نتائج الانتخابات: لماذا كل هذا الغضب؟ لقد حققت مصر إنجازات غير مسبوقة فى تلك الانتخابات، أولها أنها شكلت أول برلمان فى العالم بلا معارضة، وهذا إن لم تكن له فائدة غير دخول موسوعة جينيس للأرقام القياسية فيكفى، مع العلم بأن له بالطبع فوائد أخرى كثيرة لمصر وشعبها. قال: لا تزج بمصر فى هذا الموضوع، إن مصر بريئة تماماً من هذا التزوير الفاضح الذى لم نشهد له مثيلاً من قبل. قلت: لماذا كلما لم تعجبكم نتيجة انتخابات تقولون إنها مزورة؟ إن الانتخابات عكست الإرادة الحرة للجماهير الواعية التى تعرف مصلحتها. قال: إنها إرادة الحزب الوطنى، حزب الفساد والمحسوبية، الذى لا يريد إلا التسلط على الحياة السياسية من أجل المصلحة الشخصية لقياداته. ثم قال: أنا لست من الإخوان المسلمين، بل أنا معارض لهم، لكن هل تريد أن تقول لى إنه لا وجود لهم فى المجتمع، وليس هناك من الناخبين من صوتوا لمرشحيهم؟ قلت: نتيجة الانتخابات تقول بوضوح إن الجماهير لا تريد إخواناً فى البرلمان الجديد. قال: وهى لا تريد أحزاباً معارضة أيضاً؟ قلت: الجولة الأولى من الانتخابات تشير إلى ذلك أيضاً. قال: ولا تريد أقباطاً؟ قلت: هنا أختلف معك، فقد نجح الدكتور يوسف بطرس غالى بجدارة، والحقيقة أن قبطياً واحداً «أو أقل» فى البرلمان هو شىء جيد، فهو الحل الأمثل الذى يقدمه الحزب الوطنى لما يسمى ب«الفتنة الطائفية»، فإذا لم يكن هناك أقباط فلن تكون هناك فتنة. فكفوا عن تلطيخ كل إنجاز تحققه مصر على الساحة الدولية. قال: أرجوك لا تتحدث عن الساحة الدولية، لقد حوَّلنا الحزب الذى يسمى نفسه ب«الوطنى» إلى أضحوكة على الساحة الدولية. ألا تطلع على ما ينشر فى الصحف الأجنبية وما يذاع على الفضائيات؟ قلت: ذلك كله تدخّل غير مقبول فى شؤون مصر الداخلية، ولقد رفضته وزارة الخارجية فكأنه لم يكن. لقد أثبتت الانتخابات أن الحزب الحاكم قادر على إجراء انتخابات حرة وشفافة ونزيهة دون مراقبة، لا من الخارج ولا من مندوبى المرشحين فى الداخل. لقد كانت الانتخابات بمثابة استفتاء عام على شعبية الحزب، وقد نجح فيها بنسبة لا تعرفها الانتخابات فى أعرق الدول الديمقراطية فى العالم، وذلك بسبب إنجازاته على مدى أكثر من ثلاثين عاماً.. الآن ظل خلالها يحكمنا بالحق والعدل، فقضى على الفساد وأنهى البطالة وحقق الديمقراطية، وصار المصريون جميعاً يعيشون الآن فى سعادة ورخاء غير مسبوقين، وهناك من الإنجازات الأخرى التى يتحدث عنها القائمون على الصحف القومية ليل نهار، لكنى لا أذكرها الآن، وهى إنجازات لا يمكن أن ينكرها إلا معارض جحود. إن علينا أن نشكر قيادات الحزب الذى تقول إنه يسمى نفسه «الديمقراطى»، وأزيد عليك فأذكرك بأنه أيضاً «وطنى»، فقد سخَّرت تلك القيادات جميع أجهزة الدولة لتحقيق هذه النتيجة الوطنية الرائعة والمبهرة، التى لا شك ستُدخلهم وتُدخل مصر التاريخ من أوسع أبوابه. قال: هذا البرلمان سيدخلهم التاريخ من الباب الخلفى، باب التزوير والعبث بإرادة الجماهير. ثم عاد محدثى يردد مرة أخرى: هل يمكن أن يكون هناك برلمان بلا معارضة؟ قلت: وما فائدة المعارضة؟ إنها تعطل خطط الحزب الحاكم، بينما الجماهير تريد المزيد من تلك الخطط التى تعددت إنجازاتها وفاض خيرها على الجميع، ومع ذلك فالانتخابات لم تنته بعد، تلك كانت الجولة الأولى ويوم الأحد المقبل ستكون الجولة الثانية، وعندئذ سترى أنه سيكون هناك مزيد من المعارضة فى البرلمان المقبل، ولكن بإرادة قيادات الحزب الحاكم، فهم الذين سيوزعون الآن مقاعد المعارضة كما يريدون بعد أن فازوا بالأغلبية المطلقة التى يستحقونها عن جدارة. قال: لكن الأحزاب ستقاطع الجولة الثانية، لأن «الوطنى»، الذى اتفق معها على ضرب الإخوان حتى تتولى هى المعارضة فى البرلمان المقبل ضرب الاثنين معاً وأخذ كل المقاعد لنفسه، والآن وقد انكشفت اللعبة فإن الأحزاب ثائرة لكرامتها، وهى لذلك لن تشارك فى هذه المهزلة كى تفوز بكرسى هنا أو كرسى هناك. ضحكت وقلت: إغراء الكرسى أقوى من ثورة الكرامة. لن يقاطع أحد الجولة الثانية، وسيكون عندنا برلمان به معارضة.. لكن بمزاج الحزب الوطنى وليس بالانتخابات!!