"وما الذي جعلك تأخذ هذا الإتجاه ... ؟"، هكذا يسأل أو يتساءل العديد من أصحابي ومعارفي عن كتابتي في الشأن المصري الحالي، خصوصاً أنه لم يسبق لي الكلام في السياسية من قبل. وعلى الرغم من أن هذا التوجه يبدو لي طبيعياً ومفسراً تلقائياً كونه نابعاً من مواطن مصري يحب بلده ويهتم بها وهي على هذا الحال - بل وعلى أي حال - ولكن لا ضير من المزيد من التوضيح. إجابتي ستكون من خلال مجموعة من الأسئلة أوجهها للناقد والمستغرب: 1- هل أنت راضي عن أوضاع مصر؟ : (تعليم فاشل، صحه منهكة، صناعة رديئة، وظائف شحيحة، أجور هزيلة، أسعار مسعورة، أغذية مسرطنة، شوارع قذرة، قمامة منتشرة، تلوث سمعي وبصري "وفؤادي"، خدمات رديئة، معاملات سيئة، عقارات منهارة، مواصلات كارثية، قطارات محترقة، حافلات منقلبة، عبارات غارقة، أخلاقيات هابطة، تدين شكلي، تعصب ديني، فصل طبقي ... فقر في الفكر، ندرة في الإبداع، ضعف في الإجتهاد ... فقراء، فوضى، إهمال، نفاق، ضعف، سلبية، سطحية، وساطه، محسوبية، رشاوي، فساد، صحافة تعبيرية، قانون طوارئ، تزوير إنتخابات، توريث مناصب ...، وكمل أنت بقى ...). ... ألا يستحق ذلك أن نكتب فيه؟ 2- مقارنةً بمعظم دول العالم اليوم، بل مقارنةً بما كانت عليه مصر في الماضي القريب والذي نراه في أفلام قديمة نتحسر عندما نراها، أو مقارنةً بما كانت عليه مصر في الماضي البعيد والذي نراه في آثار شامخة تعيش بيننا في ألم، لا ندري قيمتها أو كيف بناها الأقدمون، هل ترى أن مصر هكذا في مكانتها الطبيعية؟ ... من المسئول (أو المسئولون) عن تأخر مصر داخلياً وخارجياً بهذا الشكل الرهيب؟ وهل يمكن على أقل تقدير - لا تقل أن نحاسبهم - بل فقط أن نطالبهم بتحقيق العدالة والحرية والمساوة والكرامة لكل أبناء البلد؟ ... ألا يستحق ذلك أن نكتب فيه؟ 3- لماذا يحترم السائح الأجنبي والعربي في مصر ويعامل بكل مودة ورقي أكثر من المواطن المصري نفسه؟ لماذا، وكيف يهان الإنسان المصري وتهان كرامته - يضرب، ويسب، ويشتم، ويسحل، ويقتل - في مصر (بلده) بل وفي العديد من الدول العربية (الشقيقة)، على الرغم من أنه يحترم ويقدر في الدول الغربية التي نصفها أنها "كافرة ومنحلة"؟ أليس هذا أمراً عجيباً مثيراً للشفقة؟ ألا يدفعنا ذلك أن نكتب وندعوا لرفع شأن المواطن المصري في بلده، لأن قيمة البلد من قيمة مواطنيها؟ العالم كله فهم ذلك إلا نحن؛ أسأنا إلى شعبنا، فأنقصنا من قدرنا، فأنقصنا من شأن بلادنا! ... ألا يستحق ذلك أن نكتب فيه؟ 4- هل يمكن أن يكون المصري الأصيل راضياً أو سعيداً بتلك الأوضاع؟... إن كنت راضياً عزيزي القارئ فلا فائدة من الحوار أصلاً، أما إن لم تكن راضياً فلماذا تنظر إلي مصر وهي تسرق وتهان وتنهار أمام عينيك دون أن تفعل شيئاً؟ إن كنت حزيناً مثلي على البلد فلابد أن يكون لك دور في إصلاحها، كل إنسان شريف لديه فرصة كي يشارك في التغيير بأي صورة جادة كالكتابة الواعية أوالتعبير عن الرأي بحرية وشجاعة أو غيرها من الوسائل السلمية القانونية، فذلك بدون شك خيرٌ من السلبية والصمت القاتلين؟ ... وكيف يمكن لي، بعد سنوات طويلة من الإقامة في الغرب، وبعدما رأيت كيف يعامل غالبية الناس - والله حتى المجرمين - بإحترام وعدالة وكرامة وآدمية، أن أرى بلدي في هذا التأخر والمصريين الشرفاء في بلدهم في أسوأ حال ولا أهتم أو حتى أكتب تعبيراً عن رفضي لهذه الأوضاع وداعياً لتغيرها؟ هل من المعقول أن ينتمي إنسان لمصر ويرى كل هذا ثم يسكت؟ ... ألا يستحق ذلك أن نكتب فيه؟ 5- كيف لي، بعد معرفتي بعزم الدكتور البرادعي على العمل من أجل مصر ودعوته لإصلاحها وتغيير كل تل الأحوال البائسة عن طريق تشجيعه لعامة المصرين بأن يكونوا إيجابيين ومشاركين في إصلاح بلدهم، كيف لي بعد ذلك - حتى وإن لم ينجح - أن لا أشارك بصوتي أو كتابتي، لما لا والرجل يشهد له الغريب والقريب بالنزاهة والمصداقية، بدءًا من وقوفه منفرداً ضد أمريكا رافضاً إعطائها غطاءاً شرعياً لغزو العراق، مروراً بحصوله على جائزة نوبل في السلام والتي تؤكد صدق نواياه المسلمة وطبعيته المصرية المسالمة؛ ولقد فعلها سابقاً عندما رفض منصباً رفيعاً في النظام المصري الذي لم ينجح في العقود الأخيرة في تحقيق أي من وعوده لشعب مصر، لم يرضى الرجل أن يكون جزأً من منظومة "علية القوم" التي تخدم نفسها وتهمل شعبها؛ وها هو ذا يؤكد مصداقيته مرةً أخرى برفضه الدخول في إنتخابات نيابية أبسط ما توصف به أنها "تمثيليه سخيفة" (تباع فيها الأصوات باللحمة والجنيه، مليئة بتربيط وتزوير وتسويد وشغب، تباع فيها مصلحة مصر لمن معه المال والعلاقات والبلطجية، لا يسمح فيها للشرفاء بالمشاركة ...) .. لقد أثبت الرجل مرة تلو الأخرى أنه من معدن نفيس، يثبت على مبادئه بشجاعة ولا ينحني أمام تيار الفساد وإن كان قوياً ... أتمنى أن يدرك المصريون قيمة هذا الرجل قبل فوات الأوان ... لا أدري إلى متى يهوى المصريون إغفال قيمة الكنوز التي لديهم؟ ... ألا يستحق ذلك أن نكتب فيه؟ أعلم أن هذه الأسئلة تثير شجوناً، ولكن الإستنتاج الحتمي منها هو أنه لا غرابة في من يشارك في التعبير عن رأيه بحرية وبصراحة رافضاً للفساد مطالباً بالإصلاح، ولكن العجب - كل العجب - في من لا يشارك بإيجابية في التغيير والإصلاح تحت أي مسمى أو بأي حجة، يقر الفساد ويكون جزءًا منه - إرادياً أو لا إرادياً. عزيزي المصري المخلص، كن إيجابياً وشارك في إصلاح بلدك، فالأمل فيك أنت بعد الله تعالى، وإن لم تشارك اليوم فلا تبكي على مصر غداً. ولا تسألني ماذا أفعل، فالإيجابية رغبة ذاتية لا تلقن أو تعلم ... الإيجابية والمشاركة السلمية هي الحل / وما توفيقي إلا بالله ... محمد منصور http://masryyat.blogspot.com/