«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد
تمثيل الكاتب لنفسه ضرورة
نشر في أخبار الأدب يوم 24 - 04 - 2010

"ألم خفيف كريشة طائر تنتقل بهدوء من مكان لآخر" رواية علاء خالد الأولي، التي يدخل الشاعر بها أرض النثر من خلال الحكايات.
الحكايات هنا مُكثفة، كانت "أثقل من كتابتها كقصائد" يعترف خالد.
في حوارنا مع صاحب (كرسيان متقابلان) كان نجيب محفوظ حاضراً في أجوبته، يتعامل علاء مع الثلاثية كمرجع، وكذلك الأدب في فترتي الستينيات والسبعينيات.
الكاتب المنتمي إلي جيل التسعينيات الشعري حينما دخل أرضاً جديدة عليه، لم يختر منطقة جديدة، بل عاد لمنطقة "حُبس" فيها الأدب المصري طويلاً، ما بعد النكسة/ لحظة الانفتاح الاقتصادي.
لكنه يختار زاوية جديدة لتناول هذه المنطقة.. يري علاء أن التعامل معها كان رمزياً، "لم ينشغل الأدب بتقديم نموذج مختلف. نموذج غير محبط، ينتمي للطبقة الوسطي"..لهذا جاءت الرواية بحثاً في زمن التحول، وتركيزاً علي أسباب ونفسيات الشخصيات في هذه اللحظة.
عن "ألم خفيف.."، ومساحة التاريخ الشخصي بها، وكذلك أسباب كتابته للرواية كان هذا الحوار مع علاء خالد.. في البداية نسأله عن أسباب كتابة هذا العمل فيقول:كنت أفكر في كتابة رواية منذ زمن. كنت أفكر في ذلك منذ عام 1995. كنت أحمل حكايات الوالدة.. كانت تروي تاريخ عائلتها. لمحت بها جانباً أسطورياً. كنت أشعر أن ما تحكيه يقدم زمناً، زمناً آخر. الحكايات كوّنت نسيج رواية، رواية لها أبطالها، وترصد مصائرهم. هذا إلي جانب ذاكرة الراوي المنتمي إلي زمن آخر..
بعد وفاة الوالدة شعرت أن آخر أشخاص هذا العالم قد رحل، أن الرواية اكتملت لأن راويتها الأساسية قد ماتت. لحظتها شعرت أن هناك شكلاً تكون.
لكنك تناولت الراوية نفسها من قبل _الأم- في ديوانك "تُصبحين علي خير"، ألم تخف من تكرار التجربة؟
حينما كتبت الديوان كنت أشعر أن هناك حكايات وشخصيات لن يحتملها الشعر. هناك خيوط مختلفة، وعديدة مرتبطة بهذه الشخصية. وبعد وفاتها شعرت أن هناك سياقاً آخر لهذه الشخصية. كان موقع الشخصية مختلفا، كانت تقع، بعد الديوان، في سياق آخر..لهذا شعرت أنني لم أتناول هذه المنطقة من قبل.
حكايات
لكن ألا تري أن الرواية كانت تحتاج إلي أكثر من راوِ؟
حاولت أن أجعل الرواة هم :الراوي المعاصر والأم. في الرواية تذهب الأم إلي غرفة الراوي، الكاتب، تقرأ رواية يكتبها عن العائلة تخبره برأيها فيما كتب. وتحذره من أن يقرأها فلان من العائلة مثلا.. هذا الحادث البسيط يكسر إيقاع الراوي الواحد الممتد طوال الرواية، لنعود مرة أخري للراوي الأساسي، أي الأم..
قدمت رواية يكتبها الراوي عن عائلته- التي هي الرواية التي تقرأها الآن- وتقرأها الأم..حاولت هنا أن ألعب علي تعدد الرواة. غير ذلك كنت مشغولاً بطبيعة صوت الرواي أي "التون".. أن يكون خفيضاً في بعض الأحيان، وأن تتنوع مستويات حكيه.
الحكاية تبدو أساس الكتابة لديك!
الحكايات أساسية..حاولت أن أستخدم في بعضها لغة مختلفة.. أسلوباً مختلفاً. أن أجعلها كاشفة. يكون الزمن فيها قوياً، كأنها تسبق الأحداث، تسبق زمن الشخصيات. كنت أرصد من خلال هذه الحكايات الزمن الذي يمر من جانب الشخصيات. وهذا لن يظهر إلا من خلال الحكاية. حكاية الجد إبراهيم في أول الرواية، أو سليم الذي كان يقطف ثماراً من شجرة متخيلة إلي جوار فراش الموت بالمستشفي. الحكايات جعلت الرواية مثل شجرة متشعبة.
من حكايات الرواية حكاية التأهب القصوي، الراوي المجند في هذا الوقت بمطروح، كان يتكلم عن بشائر وقوع حرب بين مصر وليبيا!
في فترة الثمانينيات كان الراوي مجنداً -(ثم يتكلم علاء عن فترة تجنيده هو)- عشنا في مرسي مطروح تجربة غريبة. طائرات تجسس ليبية تحلق بعلو منخفض فوق سماء المصيف الهادئ. ارتفعت حركة التأهب. علي طريق الإسكندرية مطروح سارت الدبابات. توفرت الإضاءة المرتفعة، كأننا نعيش حرباً. عادت أجواء الحرب العالمية الثانية إلي الجانب الغربي. كانت هناك مشاحنات ما بين الجانب الليبي والمصري، كلام عن سعي إلي وحدة من طرف واحد. السادات كان قد أرسل فرقة تأديب إلي سيدي مساعد، والآخر قام بإعداد مسيرة للقاهرة.. لكن هذه التصعيدات انتهت علي خير.
لا فكاك من الكابوس
في نهاية الرواية يأتي حلم طويل، هو كابوس متكرر للراوي، يستمر كأنه أسير نهار طويل. يظهر فيه العديد من الأموات. الحلم يثقل الراوي. يحاول الهرب منه ولا يقدر.. كان هذا كابوس البطل.
إيقاع الحلم بطئ. استوحيته من يوم وفاة سعد زغلول في ثلاثية نجيب محفوظ. كان النهار طويلاً جدا مثلما قال كمال عبد الجواد، لهذا كان إيقاع الحلم بطيئاً. يشعر الراوي أن هناك جزءا محجوبا عنه. كان يشعر أن هذا النهار الطويل يخفي وراءه ليلا هو أفضل. بعد وفاة الوالدة ينجلي الحلم.
يرتبط هذا الحلم بشطر من بيت لامرئ القيس، وهو "ألا أيها الطويل ألا أنجلي"..كأن علاء خالد قدم بهذا الحلم الطويل الشطرة ثانية لبيت الشاعر الضرير، كان الحلم النهاري هو شطرة البيت الثانية ، أقول له ذلك فيقول: كان الرواي يردد البيت دوماً بالفعل. كأنه يريد لهذا الزمن، أي الليل الطويل أن يتحرك. كان الزمن متوقفاً، التغيير يأتي ليأخذ من الأشخاص لا ليضيف إليهم. هذه الشخصيات مفعول بها. تقدم تضحيات كبيرة في هذا الليل الطويل. لكن هناك مقاومة، مقاومة من خلال الخيال. الخيال في الحكايات مثلا، هو محاولة للخروج من هذا الليل أو الحلم بعالم آخر.
يبدو الأمر كما لو إنك كنت ترصد ما يُكتب، وتبحث عن منطقة مغيبة لتنتج رواية عنها!؟
كنت أري أن هناك منطقة خفية.. منطقة لم ينتبه لها الأدب في فترتي السبعينيات والثمانينيات. الأدب تواجد في هذه الفترتين، لكنه كان يلعب في منطقة الهامش. ربما تكون هذه الفترة ظهرت في الأدب سياسياً، علي سبيل المثال تمّ التركيز علي مظاهرات الطلبة، لكن لم ينتبه أحد لرصد الطبقة الوسطي نفسها، التي تعد متن هذه الفترة. الأدب رصد الإنهيار ولم يرصد الطبقة.. لهذا وجدت أن هذا المتن منسي، ولن يتم رصد هذه الفترة جيداً إلا إذا إذا سجل الأدب تاريخ المتن. كما لم يكن هناك اهتمام بتقديم نماذج مختلفة لهذه
الطبقة. كانت شخصيات متطرفة فقط، مأزومة مثلا. تعاني من آثار الهزيمة فحسب أو تكون شخصيات خاملة.
شخصيات متحررة من الإلتزام، تواجهها شخصيات ملتزمة لدرجة التطرف. لم يهتم الكُتّاب كثيراً بتقديم الشخصيات البينية التي لم تحسم مواقفها بعد.
هزيمة ممتدة
ألا تري أن الأدب قبض علي لحظة النكسة أكثر مما ينبغي؟
بعد النكسة ورثنا موروثاًُ حزيناً، لم نشارك فيه، لكنه حمّلنا برموزه الثقيلة ..كانت الثقافة تعاني من أزمة داخلية، ولم يخرج أحد منها. كانت الطبقات تتفسخ، والمجتمع يتغير وأدوات الأدب كانت ضعيفة في رصد هذا التغيير. مجرد مجهودات شخصية فقط، كل أديب يفسر بنفسه. أين دور علم الاجتماع مثلاً.
صارت هناك أقانيم، مصطلحات لا تعبر عن شئ، "انفتاح"، "مجتمع استهلاكي". كان كل شئ محاطاً بالغموض. كانت أغلب شخصيات الأدب مأزومة، لأسباب غامضة، كأن الزمن تحرك في الواقع، وظل مجمداً في عالم الأدب. (يصمت قليلاً ثم يتابع:) كما كان إسقاط شخصيات الطبقة المتوسطة، الشخصيات الحالمة، البينية بعض الشئ، يدفعني لأن أكتب عن هذه الشخصيات المنسية. لم أجد شخصيات تشبهني في كتابة الستينيات والسبعينيات، بينما وجدتها في أدب نجيب محفوظ، في الثلاثية مثلاً.
كان دافعي الإخلاص لتمثيل نفسي في الأدب المكتوب.
لكنك كنت متواجداً في الوسط، كنت تكتب منذ الثمانينيات.. بمعني آخر ماذا كان دورك تجاه هذه المسئولية؟
لا أنا كنت مشاهداً فقط. لم أنشر إلا في أوائل التسعينيات. كنت أتعامل مع الثقافة بمفهوم الحماية.. أنا أكون داخل قاعة في الجامعة، أو بعيداً عن العاصمة في الإسكندرية. كان دخولي للقاهرة عبر الصديق الراحل أسامة الدناصوري. عرفته في جامعة الإسكندرية. كان يكتب الشعر، ويعرف جميع الناس، كانت له دوائر من المعارف في القاهرة. لم أكن معروفاً مثل أسامة. كان كل ما كتبته في هذه الفترة لا يزيد عن ظرف واحد به حوالي تسعة قصائد.
في الرواية هناك تاريخ العائلة، حكايات عنها، أبطالها، أساطيرها، وأحلامها كذلك.. هذا النوعية من الكتابة تدفع الكاتب للانفتاح علي سيرته الذاتية..هل حدث ذلك معك؟
لابد أن يكون للكاتب مرجع. إبراهيم أصلان لديه مرجعية خاصة، منطقة إمبابة وأهلها..والسيرة الذاتية كانت هكذا بالنسبة لي، مجرد مرجعية. لكن هناك مسافة بين الراوي وبيني. حاولت أن أجعل الرواي شخصية منفصلة عن الكاتب. الراوي عينه شخصية غافلة، متورط في الرومانسية، ينظر للحياة كأنها حلم. حاولت أن أصنع شخصية راو بعيدة عني، وعن سيرتي.
الرواية تتراوح بين حالتي الشك والإيمان..كأنك تريد أن تبقي الراوي معلقاً هل قصدت ذلك؟
هاتان الحالتان تؤكدان وجود مسافة بيني وبين الراوي. حاولت أن أصنع حالة مراوحة بين الإيمان والشك عند الراوي، في كل ما يفعله. حينما لا يصوم في رمضان يبدو محرجاً. أردت أن أجعله في موقع بيني. أن يكون مؤمناً يحمل بعض الشكوك المقبولة. وقد حذفت العديد من التساؤلات الشائكة، بناء علي نصيحة زوجتي، التي وجدت هذه التساؤلات تنتمي لي أكثر مما تنتمي إلي الراوٍي..
لهذا لم أرد أن أثقل الرواية بتساؤلاتي، حتي لا تكون الكتابة صادمة. وفي النهاية هذه الأفكار المركبة، والصادمة كذلك، لا تتفق مع نفسية الراوي الحالمة.
نعود إلي منطقة الرواية، تلك التي تراها منسية..
كنا خارج أنفسنا. الراوي كان لديه رفض شخصي للواقع..كان الجو كابوسياً.كانت لحظة عمرية بها إحباط. هناك رغبة في التغيير، لكن ذلك لن يحدث. كان التمرد بلا مستقبل. كان رموز التمرد في هذه الفترة هم الشيخ محمود عيد في الإسكندرية، ومن بعده الداعية الإسلامي وجدي غنيم.. هكذا كان التمرد بلا مستقبل. إيقاع الحياة نفسه بطئ، رغم أن الزمن صار أسرع. ثم زاد إيقاع الزمن سرعة الآن، مما يشعرك بالضياع أكثر. لهذا كانت الشخصيات تعاني من فجوة نفسية عميقة، لا يشعرون بالموت..رغم ذلك يؤمنون به.. كان الموت عنصر أساسي في الحياة..لكل هذا مات معتز، الشخصية الجريئة، المنفتحة علي الحياة، علي عالم الكبار، الوحيد في الشلة الذي تمتع بعلاقات نسائية كاملة، ثم مات في حادث موتسيكل.
في مقابل معتز كان الراوي رومانسياً، فاشلاً بعض الشئ، يرغب في الحب أكثر من كونه راغباً في علاقة قوامها التعامل وفهم الآخر.. هل تعمدت إبراز هذا التناقض؟
الراوي رومانسي، لا يعرف كيف يتعامل مع الآخر. لم تكن عند الراوي هذه الموهبة. كان يتخيل. لم تكن عنده مفاتيح لفهم الآخر. كان الحب طوقاً للنجاة، فكرة للانقاذ من الإحباط.. لهذا كان نقيضاً لمعتز.
ألا تري أن هذا يرجع إلي عدم خبرة هذه الطبقة؟
بالطبع عانت هذه الطبقة من مشكلة تواصل. فقد كانت مدعومة منذ الستينيات. كانت الدولة تريدها طبقة مثالية، معياراً للجودة. الدعم، واللعب السياسي علي هذه الطبقة أغفل تزمتها، وعيوبها. دعمت مالياً وثقافياً وسياسياً في فترة الستينيات، ولم تظهر العيوب إلا بعد انسحاب الدولة من الرعاية هكذا يمكن تفهم عدم نقل الخبرة للأجيال الجديدة من هذه الطبقة. ببساطة، لأنها لم نمتلكها. كانت طبقة بلا خبرة. نمت السلطة أحلام الطبقة الوسطي المثالية والرومانسية، التي تعلي من شأن المحب الحالم فوق كل شئ- حتي الخبرة بالحياة- وعندما تراجعت السلطة لم يتبق إلا الحلم المثالي.
أقول له لهذا كان الراوي حالماً..مما جعل إيقاع العمل بطيئاً كأنه حلم طويل..فيؤكد ذلك قائلاً: كان شخصية حالمة في عالم فقد مثاليته، ولم يعد يرغب بها ثانية..لهذا كان الراوي محملاً بمثالية طبقته، رغم قسوة العالم الذي يعيشه.
كان غريباً، ومناقضاً لهذا العالم. حاولت أن أبرز هذا التناقض عبر توظيف حالة الحلم من خلال الحنين، الحكايات قد تدفعك للشعور بأن هناك حالة من الحنين تغلف العمل، لكني حاولت توظيف الحنين ليصنع شجناً .. أن ما يحدث عملاً فنياً، ينتمي لزمن آخر.
التمسك بالزمن، حالة الشجن والحنين كل هذا يعد رفضاً لمرور الزمن، للتغيير..ألا تتفق معي؟
الزمن يبدو دوماً مرادفاً للتطور. مرتبطا بالتغيير، لكن لابد من الالتفات إلي المكان أو أثر الزمان علي المكان والشخصيات. لهذا حاولت أن أكثف الزمن..
من خلال الزمن البطئ، والتشعب في الخيوط حاولت أن أكثف الزمن. كأنك تصنع مكاناً لهذا الزمن، توقفه قليلاً، لأن الراوي يرفض استمرار سير الزمن، يريد للزمن أن يمهله ليرصد حالة تحول، لحظة تحول فارقة. أن يخبر القارئ أن التحول، واستمرار الزمن، ليس في جميع الأحوال إلي الأمام.
أسامة الدناصوري
لكن حالة الرفض هذه كانت تتطلب صداماً، ولو بسيطاً علي الأقل؟
حاولت ألا يكون الصراع صادماً. حتي إذا تكلمنا عن "التخبيط" مثلا ستجد أنني جعلت الصدمة لا تتولد عبر صراع مع الدين، بل جاء الصدام طبيعياً مثل استخدام اللفظ الصريح للممارسة الجنسية، علي لسان شخصية الضابط المتحمس للعودة لزوجته. وجدت اللفظ الصريح معبراً أكثر عن هذا الحماس.
خلال قراءة العمل تشعر أن هناك تأثرا أو استفادة من تجربة "كلبي الهرم ..كلبي الحبيب" لأسامة الدناصوري، أسأله عن ذلك فيقول: تأثرت بالفعل بعمل أسامة الأخير. كأنه امتص رحيق الشعر ونقله إلي عالم الرواية.. وعندما كتبت روايتي كنت مستمتعاً بهذه العملية.. كنت، بالفعل، أريد أن أمتص رحيق الشعر، ليست الصورة الشعرية، بل توظيف حس الشعر داخل السرد.
هكذا تنتقل اللغة لتتواجد داخل منطقة جديدة عليها، بعيداً عن قوالب ثابتة..أي أن اللغة تحررت. حينما قرأت عمل أسامة الدناصوري الأخير"كلبي الهرم..كلبي الحبيب" وجدت فيه شعرية ليست مصكوكة. لم تكن مضغوطة، أو (متبرشمة). أسامة كان يكتب تحت ضغط الموت، تلمست قوة دفع وجودية داخل كتابته الأخيرة. وقد كتبت روايتي متأثراً بهذا ..خلال سنتين كنت أكتب تحت ضغط، بشكل يومي.
كيف كانت ملابسات النشر، هل كان هناك اعتراض علي الألفاظ الصريحة مثلا؟ العنوان ألا تجده طويلاً بعض الشئ؟
بداية العنوان كان إقتراح من سيف سلماوي، حينما كان يعمل في دار الشروق. وقد وجدته معبراً عن الحالة، حالة إنجلاء الحلم الطويل، الثقيل. أما الكلمات أو الأوصاف الصريحة فقد صممت عليها، كانت مقصودة وفي سياقها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.