أقام الصالون الثقافي لدار العين يوم الأحد الموافق 23 مايو في السابعة والنصف مساء بمقر الدار، ندوة لمناقشة رواية "ألم خفيف كريشة طائر ينتقل بهدوء من مكان لآخر" للكاتب علاء خالد، وقد أدار الندوة الشاعر"أشرف يوسف "بحضور كل من الكاتب والصحفي "محمود الورداني" ، والقاص والناقد "محمد عبد النبي" لمناقشة الرواية . افتتح الندوة محرر الدار"أشرف يوسف "مشيرا إلى أن "علاء خالد" حالة استثنائية في جيلي الثمانينات "مركز انطلاقه" والتسعينيات "مركز تحققه ودأبه"، فعلاء خارج التصنيف بإمتياز فهو شاعر أصدر أربعة مجموعات شعرية أولها " جسد عالق بمشيئة حبر" 1990 آخرها " تصبحين على خير " 2007 وله كتابان نثريان –قبل روايته موضوع النقاش – هما "خطوط الضعف" 95 و" طرف غائب يمكن أن يبعث فينا الأمل " 2003 واللذان شكلا تجربة مغايرة على مستوى السرد والموضوعات المتناولة وخروجهما على أشكال النمطية المعتادة ، بالإضافة إلى مجلة أمكنة التي يصدرها مع المصورة سلوى رشاد والتي دخلت عامها العاشر هذا العام . وأشار أشرف إلى أن أول بطاقة تعريفية عن علاء خالد بالنسبة له قرأها في مجلة الكتابة الأخرى عبر قصيدة للشاعر الراحل "أسامة الدناصوري" وكان اسمها " أفراح البيرة- إلى علاء خالد " فهو " الفحل الرومانتيكي " كما يحب أن يطلق على نفسه وفي طلعته تهدأ كليتا " أسامه " وينطلق بوله المحتبس. انتقل الحديث بعد ذلك للكاتب الكبير"محمود الورداني "لذي أكد على كلام"أشرف يوسف"بأن علاء خالد تجربة استثنائية في جيله فهو شاعر وناثر ويصدر أهم مجلة من عام 99 وهي مجلة " أمكنة " التي تختص بثقافة المكان وهي أيضا التجرية التي قدمت عددا كبيرا من الكتاب الذين قدموا أعمالا متميزة فيما بعد . وأكد الورداني على أن أول شيء لفت انتباهه في هذا الكتاب هو تصنيفه على أنه " رواية " فهو لا يرى أن الرواية هي الفن الأرقى على الإطلاق فهناك كتاب يمكن أن يكون كتابا نثريا ولكنه لا يحمل قواعد الرواية ، فمسألة الجنس الأدبي هي مسألة شائكة ولكنها توقع الكاتب في فخ التقيد بهذا النوع عن سواه ، فالورداني يفضل أن تكون النصوص حرة غير مقيدة بنوع أدبي معين حتى يتمكن النص من استيعات عدة أشكال أدبية في عمل واحد فالشكل ليس مقدسا . ويرى الورداني أن هذا النص هو تجربة جيل ومدينة لا يوجد فيها شيئا خارقا فهي تجربة ناس بسطاء عائلة واحدة من العشرينات وحتى عام 2006 ومع ذلك- لا يقع علاء في فخ النوستالجيا ولم يتورط في موقف عاطفي ولذلك فلغته لغة عادية جدا ولكنها مبهرة تناسب جو الرواية ، فالرواي لا شيء يقوده طوال الرواية غير إحساسه وتصوراته التي يتختبرها عن عائلة أغلب الظن أنه لم يرى ولم يعاصر جميع أفرادها فهو نص مليء بالتخييل الذاتي والحساسية المفرطة لالتقاط أسرار العائلة . يؤكد القاص والناقد محمد عبد النبي أن الرواية تندرج تحت اسم الكتابة الشابة، فالكتابة الشابة هي التي لا تستسلم للموضوعات المعروفة والوصفات الجاهزة وتحاول طيلة الوقت أن تبحث عن أفق جديد وأشكال مغايرة تتناسب مع اللحظة الحالية ومن هذا المنطلق يمكن اعتبار " ألم خفيف " كتابة شابة . وأضاف أن هذه الرواية أعادت الاعتبار للمصطلح الذي ظلم كثيرا في التسعينيات وهو مصطلح الكتابة الذاتية والتي تم حصرها واختزالها في مجموعة من المقولات الجافة والتصورات المسبقة وقطع الصلة مع القارىء وتخليها عنه ، ولكن "ألم خفيف" تجاوزت هذه العقبة بلغتها البسيطة والسلسة بل وتبني علاقة مع القارىء كعلاقة " رفيق سفر في رحلة " . وأشار عبد النبي أن " ألم خفيف " ما هي إلا "جدارية" لم تتكون عبر ملحمة عائلية تتقاطع فيها قصص الحب بالمنعطفات السياسية الخطيرة بصراعات الأجيال وتحولات المصائر ، بل تتشكل عبر فسيفساء تركز كل وحدة منها على شخصية أو أكثر غير أن هذا لم يحرم العمل الطويل من ربط بين هذه الوحدات وبعضها فشبكة العلاقات ممتدة منذ الجد الأول للأسرة ومرورا بالأبناء والأحفاد والمعارف والأصدقاء ، أم نبرة السرد الخفيضة والحميمة دون شبهة عاطفية أو نوستالجيا مفتعلة هي ما منحت الرواية وحدتها الكلية وهو تحد عسير في عمل يتجاوز الثلاثمائة صفحة . ويؤكد عبد النبي على أن الحكاية هي علامة شفاء صاحبها فالأم عندما تحكي حكاية عائلتها تكتشف بأنها بدأت تتخلص من عبء الماضي وكذلك بالنسبة للراوي الذي ينفصل تماما عن عواطفه وبالتالي فبدأ بقراءة مختلفة للأحداث الماضية ، ومن هنا نستطيع أن نلمس الإطار الواسع للكتابة الذاتية فهو لم ينغلق على ذاته بل تطور الأمر إلى أن وجه الرواي اختفى في بعض الأحيان ، فهواجس الرواي واحتياجاته تتضح من خلال علاقته بالآخرين. أما الدكتورة فاطمة البودي فترى أنها رواية سياسية بامتياز حيث أنها تمس حياة البشر والتغيرات الاجتماعية التي طرأت عليهم ولكنها ترصد هذا التحول بهدوء وشاعرية .
وأكدت الدكتورة جليلة القاضي على الشعرية التي تتمتع بها الرواية بالإضافة لكونها مجموعة روايات تعمل معا كمجموعة روايات فالبطل الحقيقي هو بيت العائلة والكاتب لم يتقوقع على ذاته بل روى حكايته من خلال علاقته بالناس. أما القاص محمود عبد الوهاب فأشاد بأنها رواية تتحدث عن الطبقة الوسطى وهو نوع من الكتابة اختفى من سنين وجاء علاء خالد ليحييه ولكن بشكل متطور عمن سبقوه ، فأفراد هذه الطبقة يكونوا مقلقلين اجتماعيا ولا يدركوا الاختلاف الذي حدث لهم إلا إذا غابوا فترة عن المكان الذي يعيشون فيه ليلقوا عليه نظرة من الخارج . وأشار الكاتب يوسف رخا إلى أنه لا يراها رواية عادية مثلما أشار الورداني ولكنه يراها ملئية بأحداث صارخة يمكن أن تكون موجودة بين السطور وليست بشكل صريح وأضاف أنه يعتبرها رؤية متكاملة خاصة بعلاء خالد الذي تطورت وتغيرت طريقة كتابته حوالي 180 درجة من اليوم الذي بدأ يكتب فيه وحتى الآن بل وأصبح من السهل أن يتواصل القارىء معه ، وتسائل رخا عن عدم وجود أشخاص أشرار في الرواية ، وأن الراوي يراهم كلهم طوال الوقت بشكل مثالي . أما علاء " الفحل الرومانتيكي " كما يحب أن يطلق على نفسه فبدأ الحديث مشيرا إلى أن فكرة الرواية تلعب في رأسه منذ عام 95 فبدأ يكتب كل ما في ذاكرته وكان يجمع المعلومات ويحتفظ بها حتى عام 2006 وهو العام الذي أدرك فيه أن هذه المدة الفائتة لم تكن سوى رحلة تعلم فيها الكثير وأصبح مستعدا للتفاهم مع الآخرين بشكل أبسط . وأكد علاء على أنه لم يكن الراوي وأن صوت الراوي كان منخفضا حتى يسمح للرواية أن تكون أوسع وأرحب وأوضح فهو ينقل الأحداث بدون أن يقول رأيه الشخصي بل ويسمح للراوي بالاختفاء حتى ينقل المشهد بصورة أوضح فالعمل بشكل أو بآخر هو عمل سينمائي فهو يريد أن يدفع الراوي لمكان معين من ذاكرته وتخيلاته ولذلك قرر كتابة رواية . أما بالنسبة لتصنيف هذه النص على أنه "رواية" فأشار إلى أن التباس فكرة السيرة الذاتية هو الذي جعل الناس تتخلى عن فكرة الرواية ولكن الراوي ليس هو نفسه المؤلف فوجود الراوي وتعدد الأفكار والأحداث كل هذه التقنيات هي بالأساس تقنيات روائية بامتياز ولكن هذا لا يعني أن الرواية هي الفن الأرقى . وأكد علاء على أن تاريخ الرواية من العشرينات وحتى 2006 لم يختاره بعفوية لأنه ركز على فترة شباب البطل التي كانت ما بين السبعينات والثمانينات وهي فترة تغير هامة جدا في تاريخ المجتمع المصري ، حيث اختفت الطبقات ولم يهتم أحد بهذه الفترة غير السينما أما الأدب فلم يهتم بها الاهتمام الأمثل . وبالنسبة لسؤال رخا عن عدم وجود كراهية أو شر في الشخصيات فأشار على أن الراوي نفسه من الممكن أن يكون يعاني من مشكلة لأنه في جزء صوفي وهو بالتالي يسمح للقارىء بانتقاده. ويؤكد علاء على أنه لم يكتب عن إسكندرية بعيون كوزموبوليتانية استشراقية ولهذا فهو لم يستطع أن يقوم بعمل توثيق لهذه المدينة بل اتجه للكتابة عن الأشخاص العاديين ولم يغرق في فخ النوستالجيا الذي يغرق فيه معظم من يتحدثون عن هذه المدينة ، ويشير إلى أنه بالأساس كتب هذه الرواية ليتخلص من عبء جاثم على صدره وحتى لا يتحدث ثانية عن نفسه فهو يتحدث عن تحول ولكنه لم يتحدث عن وسيلة التحول هذا . ونوه علاء على تأثير موت صديق الدرب " أسامة الدناصوري " عليه وكيف أنه دفعه للأمام ربما لأن غياب بعض الأشخاص والإحساس بالفقد يعطي قوة أكبر لفكرة الاستمرار بالإضافة لإهانة الحياة بمعنى "عدم الخوف" فليس هناك قوة أكبر من قوة الموت ، وبالتالي فقد دفعه هذا للرغبة في تطوير نفسه ففكر في كتابة رواية فيها روح الشعر ولكنها ليست شعرية ففي الماضي كان يمتلك نهج شعري معين أما الآن فقد غير الزمن هذه النظرة أو بمعنى أصح طورها .