بين المطرقة والسندان

أدعو الله عز وجل فى هذه الأيام المفترجة أن يفك عنا الكرب أو الكروب، حيث بتنا بين المطارق والسندانات، بمعنى أن الضربات تأتينا من كل حدب وصوب، من الخارج والداخل، والواقع أن الضربات الآتية من الخارج أقل وطأة من تلك التى تداهمنا من الداخل، فالضربات الخارجية تتوحد الأمم والشعوب عادة للتصدى لها ومواجهتها وغالباً ما تنتصر مهما كان جبروت المعتدى أو المتعدّى..
فعلى سبيل المثال يعتبر معظم المصريين ما تسوقه الولايات المتحدة الأمريكية عن «حمايتها» لحقوق الإنسان وللديمقراطية وللحريات الدينية بمثابة نكتة بايخة ويشهد بذلك جميع مواقف واشنطن التى تعتبر مع إسرائيل من أواخر دول الاحتلال فى العالم وسجل الدولتين متشابه، بل ومتطابق فى الغزو والقمع والقهر والتعذيب وإهانة المقدسات الدينية، وما يجرى الآن للمسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين على مسمع ومرأى من العالم خير دليل.. ومعروف أن الولايات المتحدة «قبلت؟!»
إخراج القدس المحتلة من مطلب تجميد الاستعمار الاستيطانى اليهودى، إضافة إلى «الحوافز» الأخرى المعروفة، ولا أدرى شخصياً كيف يتأتى لدولة تدعى الدفاع عن القيم والقانون والمبادئ أن تسلب الشعب الفلسطينى حقه فى الدفاع عن أرضه، خاصة القدس الشريف، و«تمنحها» للدولة اليهودية،
وهو ما يعيد إلى الذاكرة العربية الحزينة «أعطى من لا يملك وعداً لمن لا يستحق» ومن المطارق الأخرى تلك التى أشار إليها الزميل الصديق أحمد المسلمانى فى برنامجه «الطبعة الأولى»، حيث كشف عن رداءة المصنوعات الصينية التى غزت أسواقنا بعدما «بوّر» أصحاب نظريات الاقتصاد الحر مصانعنا وأغلقوا مداخنها واستباحت عدة جهات أسواقنا، ومنها الصين التى تهدد «المشتركات» الكهربائية التى تبيعنا إياهاً باندلاع حرائق قد تتحول إلى كوارث!
أما ثالثة الأثافى، فتلك التى تستهدف وحدة الأوطان، كما أوضحت فى مقالها البديع الكاتبة نادين البدير فى «المصرى اليوم» بعنوان «كلنا أقليات»، أشارت نادين إلى حادث محزن عندما كان يسير رجل مع زوجته المنتقبة فى السعودية وصادفهما رجل من هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وأمر بتغطية عينى الزوجة!!
وعندما رفض الزوج طعنه الرجل، ليس بالمعروف!، وإنما بسلاح أبيض طعنتين بظهره لايزال يعالج منهما بالمستشفى، أى أن النقاب لم يعد يكفيهم، وقد يثير الحادث فزع المنتقبات اللاتى يتضاعف عددهن يومياً فى مصر المحروسة، ولم نعد ندرى أين سيتوقف هذا الغلو الذى يفتت المجتمعات باسم الدين أو الطائفية مثلما حدث فى العراق، وما قد يجرى فى لبنان وما بدأت بوادره تظهر فى مصر، حيث تعالت أصوات «مؤمنة» تدعو إلى مقاطعة الأقباط وبضائعهم وسلعهم!!
وبالتالى تشجع على الشراء من المؤمنين؟! فى أمريكا وأوروبا وطبعاً الصين وغيرها حتى من أصحاب الديانة البوذية.. المهم أن يكون الحقد حصرياً وطنياً!!..
ولا مناص أمامى أنا «القومجية» إلا الدعاء بأن يحفظ الله أوطاننا من كل هذه البلاوى، وأن يعود إلينا الوعى بعروبتنا، التى كانت أروع وعاء لكل أشكال تنوعنا ومختلف أفكارنا وتوجهاتنا.. ومعها كنا شعباً واحداً فى مواجهة كل المخاطر وجميع التحديات!