يتهمون الرسول بالعنف، وأنه نشر الإسلام بالقوة. فهل استخدم الرسول العنف حين مكث فى مكة يدعو قومه ثلاثة عشر عاما كاملة، فلا يناله إلا الأذى والتجويع والتنكيل؟. أم رفع عليهم السيف يوم صعد جبل الصفا فذكرهم بالبعث ودعاهم للتوحيد؟. أم هددهم به يوم عودته كسير القلب من الطائف لا يستطيع دخول مكة إلا فى جوار مشرك؟. أم حين اختفى فى الغار، ليضلل مطارديه؟، أم يوم أعطى الناس حق اللحاق بمشركى مكة وترك الدين إذا استبهظوا تكاليفه!؟. أم حين أعطى الوثنيات حق الحياة (لكم دينكم ولى دين) فلم تعطه إلا الموت!؟. أم حين فتح مكة وسأل أهلها، الذين آذوه وحاربوه: «ماذا تظنون أنى فاعل بكم؟». قالوا «خيرا. أخ كريم وأبن أخ كريم»، فقال: «اذهبوا، فأنتم الطلقاء». يقولون: إن الرسول استخدم العنف؟، فهل استخدمه مع رأس النفاق عبد الله بن سلول، الذى ترفق به فى حياته، وصلى عليه فى مماته، كفنه بقميصه ووقف على قبره مستغفرا له، ويقول: «لو أعلم أنى إن زدت على السبعين غفر له زدت!؟». أم حين عفا عن رجل همّ بقتله وهو نائم فسقط منه السيف!؟. أم حين جادل القرآن مخالفيه فأطال جدالهم، ومد الحوار معهم، وناشدهم فى حرارة أن يثوبوا إلى ربهم، ويعبدوه مخلصين لا يشركون به شيئا. يقولون إن الإسلام انتشر بالعنف، فهل وصل إلى أعماق أفريقيا بالسيف؟. أم إندونيسيا التى أسلمت بالحب؟ أم المدينةالمنورة نفسها، التى فُتحت بالقرآن. وهل وصل إلى أصقاع العالم شرقه وغربه وشماله وجنوبه بالسيف أم بحسن الخلق وجهود المسلمين فى الدعوة؟. الإسلام لم يحتكم إلى السيف إلا فى الأحوال التى أجمعت شرائع الدنيا على تحكيم السيف فيها، ولم يُوجب القتال إلا حيث أوجبته جميع الملل. يذكرون العقوبة ولا يذكرون الذنب!!، ماذا يصنع النبى محمد (ص) بمن قتلوا أربعين رسولا أرسلهم بعد إلحاح منهم فقتلوهم جميعا بلا رحمة؟، وهل يصلح لهؤلاء إلا السيف!؟. سياسة العصا الغليظة لم تبدأ إلا بعد أن أوجعت عصى الأعداء جنود المؤمنين وكسرت عظامهم. هنا نزل قوله تعالى «أذن للذين يُقاتلون بأنهم ظُلموا وإن الله على نصرهم لقدير». الإسلام كان المُعتدى عليه منذ البداية. والألوف الذين دخلوه لم يسلموا خوفا من نبى أعزل!!، بل رغما عن سيوف القوم. هذا مع أنه لا يعاب على الإسلام أن يحارب بالسيف سلطة تقف فى طريقه، وتحول بينه وبين أسماع المستعدين له، إنما العيب أن يحارب بالسيف فكرة تواجه بالبرهان. فالسلطة لا تُزال إلا بالسلطة، والقوة لا غنى عن إخضاعها بالقوة، وقد أكد تاريخ البشرية الطويل أن السلطة لا غنى عنها، لإنجاز وعود المصلحين. (المراجع: عبقرية محمد للعقاد- السنة النبوية بين أهل الفقه والحديث للغزالى) [email protected]